واشنطن: تناول الدكتور برادلي إيه. ثاير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أيسلندا، والدكتور ليانشو هان، المنشق الصيني، والمسؤول الكبير السابق بوزارة الخارجية الصينية، قضية افتراضية في تقرير نشرته مجلة “ناشونال انتريست” الأمريكية، تتعلق باحتمال انتقال السلطة من الرئيس جو بايدن إلى نائبته كامالا هاريس.
ويقول ثاير، زميل مركز بيلفر للعلوم والأمن الدولي بجامعة هارفارد، وهان، الذي غادر الصين للدراسة في الولايات المتحدة، وكان له نشاط ملحوظ في الدعوة إلى الديمقراطية بعد مذبحة ميدان تيانانمين الصيني، كما عمل في مجلس الشيوخ الأمريكي لمدة 12 عاما كمستشار قانوني، إن هناك عاملا مهما يمكن أن يؤدي إلى تعقيد العلاقات الصينية الأمريكية خلال الفترة الأولى لإدارة بايدن وهو إمكانية ترك بايدن لمنصبه، لأسباب صحية أو غيرها، قبل أن يستكمل فترة سنواته الأربع في المنصب. وإذا ما حدث ذلك، فسوف تكون هناك تداعيات ثلاث رئيسية تؤثر بصورة عكسية على المصالح الأمريكية في المنطقة الهندية الباسفيكية.
وأول هذه التداعيات أن هذا التغيير سوف يؤدي إلى فترة غموض بالنسبة لأصدقاء، وأعداء الولايات المتحدة على السواء، والذين سوف يسعون إلى الاعتماد على أي اختلافات ينطوي عليها تغيير الحكم من إدارة بايدن لإدارة هاريس. وليس من الضروري أن تكون هذه الاختلافات عميقة داخل الإدارة، حيث سيظل كثير من الأشخاص والسياسات دون تغيير- في المدى القريب، على الأقل. وسوف يكون القلق الأكبر على المستوى الدولي؛ حيث ستكون هناك شكوك ضمنية وصريحة بين حلفاء وأصدقاء أمريكا في المنطقة الهندية الباسفيكية. وعالميا، سوف يكون هناك من يشكك في تصميم الولايات المتحدة على الحفاظ على مصالحها- بما في ذلك دعم الحلفاء التقليديون والجدد- مع القيام أيضا بتحديد نقاط المصلحة والتعاون المتبادلين مع دول أخرى مثل بنجلاديش التي قد تحتاج إلى مساعدات مستمرة لتحرر نفسها من نفوذ الصين. والقيادة السياسية والعسكرية الأمريكية الحاسمة مهمة للحفاظ على الاستقرار في المنطقة الهندية الباسفيكية. وإذا ما ثار أي شك في التزام الولايات المتحدة، سوف تكون هناك تداعيات جوهرية بالنسبة للحلفاء، وغيرهم من الدول الصديقة التي قد يصبح نأيها بنفسها عن واشنطن، أو الحياد، أو حتى التأييد المتزايد لبكين استراتيجيات ضرورية وحكيمة.
وثاني هذه التداعيات هو أن الصين سوف تستغل أي خطوات خاطئة من أي إدارة أمريكية جديدة، وغياب التركيز على الصين باعتبارها أهم تهديد تواجهها الولايات المتحدة، وحالات الشكوك والغموض التي قد يتعرض لها حلفاء أمريكا والمصالح الأخرى في المنطقة. كما أن الصين سوف تضع عملية انتقال السلطة ضمن هجمات الحرب السياسية التي تخوضها ضد المصالح الأمريكية والتي قد تبرز رسائلها ضعف القيادة الأمريكية، وعقد مقارنات بينها وبين قادة الاتحاد السوفيتي في أوائل ومنتصف ثمانينيات القرن الماضي مما يوحي بأن الولايات المتحدة على وشك الانهيار.
والولايات المتحدة تعاني من الضغوط التي تشكلها التزاماتها، مثلها في ذلك مثل الاتحاد السوفيتي السابق، وسوف يتعين عليها التخلي عن هذه الالتزامات كما تخلى السوفييت عن إمبراطوريتهم، في وسط وشرق أوروبا أولا، ثم بعد ذلك بوقت قصير داخل الاتحاد السوفيتي نفسه.
وبالإضافة إلى ذلك، من المؤكد أنه ستكون هناك مقارنة مع الحكم المستقر والآمن تحت قيادة تشي جين بينج، موجه الصين الذي يواصل قيادة الحزب الشيوعي نحو مزيد من الأمجاد، والاقتصاد الصيني نحو استمرار النمو ونفوذ الصين في السياسة العالمية نحو مستويات جديدة.
وثالث التداعيات هو أن الموقف الأمريكي على المستوى العالمي، يتطلب رؤية للعالم يتعين على الولايات المتحدة الحفاظ عليها في وجه التحدي الصيني. ويتعين نقل هذه الرؤية للأصدقاء والأعداء. ويجب إقرارها، وإظهارها، كما يجب أن تكون مقنعة. ورغم أن الكثير من المسؤولين ساهموا في هذه الرؤية، وصاغوها، فإن الدفاع القوي عن إيديولوجية الولايات المتحدة وموقفها في العالم مطلوب في نهاية المطاف من كل رئيس منذ فرانكلين روزفلت. وبالتالي، سوف يكون أساسيا أن تعلن هاريس كرئيسة أنها تتفق تماما مع هذا التقليد، كما سيتعين عليها أن تكون واضحة في دعمها للمصالح الأمريكية في الخارج، ومواجهة التهديد الصيني. كما ينبغي عليها القيام بما هو مطلوب منها على وجه التحديد، والذي يشمل أولا، لفت الانتباه إلى حقيقة أن الولايات المتحدة شهدت حركة الحقوق المدنية التي وضعت الأساس لصعودها السياسي، وثانيا أن يعمق نجاحها وعلاقاتها الشخصية مع الهند علاقات واشنطن مع نيودلهي. وقد أوضح ذلك رئيس وزراء الهندي ناريندرا مودي الذي صرح بأن هاريس مصدر فخر وإلهام للمجتمع الهندي- الأمريكي، ومصدر قوة للعلاقات الهندية الأمريكية.
ويختتم ثاير وهان تقريرهما بالقول إن حدوث انتقال من بايدن لإدارة ترأسها هاريس لن يكون الأول، أو الأخير في التاريخ السياسي للولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، فإن أي عملية انتقال ستكون فترة خطر يحتاج خلالها الحلفاء إلى ضمان المصالح الأمريكية والالتزام الأمريكي، وسوف يحتاج الأعداء لردعهم. وحقيقة أنه من المحتمل أن تواجه الولايات المتحدة عملية انتقال للسلطة قبل عام 2024 تتطلب إعداد حلفاء أمريكا، وتعزيز ردع أي عدوان محتمل، وإدراك أن حملة الحرب السياسية التي تشنها الصين سوف تستغل هذا الانتقال كدليل على أن الولايات المتحدة ضعيفة وفي حالة تدهور. والقيام برد قوي أمر ضروري وممكن، وسوف تكون هاريس، في منصب الرئيس، في وضع مناسب للغاية لتوفير ذلك.
المصدر: د ب ا/القدس العربي