منهل باريش
في تنويه مقتضب، خلق بلبلة في أوساط المعارضة السورية والمهجرين قسرياً، أشار وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف إلى مستقبل إدلب، خلال المؤتمر الصحافي الذي جمعه بنظيريه التركي، جاويش أوغلو، الأربعاء، في مدينة أنطاليا التركية جنوب البلاد. حيث لفت إلى تشكيل منطقة منزوعة السلاح في إدلب من دون تحديدها، ما ترك الباب مفتوحا على التأويلات والفهم المتعدد. وانتهى الجدل حول تفسير كلام لافروف، مع بيان الخارجية الروسية الذي حدد بشكل أكثر دقة الحديث عن الملحق الإضافي لاتفاق سوتشي بين تركيا ورسيا في 17 أيلول (سبتمبر) 2018 والقصد هو اتفاق وقف إطلاق النار أو ما عرف باتفاق موسكو اصطلاحاً، الذي وقعه الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب اردوغان، في الكرملين، يوم الخامس من آذار (مارس) 2020 لافتا إلى ضرورة تطبيق الملحق.
ورغم إشادة لافروف بأدوار تركيا «الصديقة» لبلاده في ليبيا وأذربيجان وترحيبه بامتلاك أنقرة الفوج الأول من صواريخ اس-400 إلا أن كلامه حول سوريا وبالأخص إدلب ظل مبهما كالعادة، فقد اقتصر حديث لافروف على نقطتين، الأولى تتعلق بمصير إدلب وربطه بمبادئ برتوكول وقف إطلاق النار، والثاني حول معضلة ادخال المساعدات الإنسانية عبر تفويض الأمم المتحدة بالآلية الدولية عبر الحدود، والتي تنتهي في 11 تموز (يوليو).
والجدير بالذكر، أن البروتوكول نص على «إنشاء ممر على جانبي الطريق السريع M4 بعمق 6 كم من شمال و6 كم جنوب، والاتفاق على معايير محددة لعمل الممر الأمني بين وزارتي الدفاع في الجمهورية التركية وروسيا الاتحادية في غضون سبعة أيام» وحدد البروتوكول موعد «15 آذار (مارس) ستبدأ الدوريات الروسية التركية المشتركة على طول الطريق السريع من الترنبة غرب سراقب إلى عين حور في ريف اللاذقية الشرقي». وتأخر الاتفاق على معايير محددة لعمل الممر الأمني نحو 17 شهرا، منذ لحظة توقيع الاتفاق إلى يومنا هذا، بعد أن كانت محددة بمدة سبعة أيام فقط.
تبقى حجة التنظيمات الإرهابية في إدلب شماعة العمليات العسكرية دائما بالنسبة للروس. وتصر الرواية الإعلامية والدبلوماسية الروسية على اتهام هيئة «تحرير الشام» بتحضير هجوم كيميائي بالتشارك مع الدفاع المدني السوري «الخوذ البيضاء». وشكل شعار قتال الإرهابيين الحجة الروسية المستمرة للأعمال الحربية الهجومية منذ تدخلها في سوريا في تشرين الأول/نوفمبر 2015 إلى جانب النظام السوري.
وحول التجديد لتفويض الأمم المتحدة بالآلية الدولية الخاصة بالمساعدات الإنسانية عبر الحدود، كرر لافروف موقف بلاده التي ترغب بمقايضة تجديد ادخال المساعدات بقضية العقوبات على سوريا. ولم يعلن صراحة أن موسكو ستستخدم حق النقض في مجلس الأمن «الفيتو» ضد مقترح التمديد لإدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى، أو عبر المعابر التي ترغب واشنطن بفتحها مجددا في اليعربية أقصى شرق البلاد، ومعبر باب السلامة الذي يدخل المساعدات إلى منطقة ريف حلب الشمالي كاملا بالإضافة إلى عفرين.
في سياق متصل، علمت «القدس العربي» من مصادر أممية انه سيتم التصويت على مقترحات التمديد للعمل في معبر باب الهوى يوم الخميس، في حين تجري بعض الدول محاولات لتقريب وجهات النظر مع روسيا وإبعاد الملف الإنساني عن المفاوضات السياسية بين الدول، قدر الإمكان. وكانت السفيرة الأمريكية في مجلس الأمن، ليندا توماس غرينفيلد، أقرت بـ»الهزيمة» أمام روسيا وعدم مقدرة مجلس الأمن للتوصل إلى تسوية بشأن التفويض. وأعربت عن سعي أمريكا من «أجل المحافظة على معبر باب الهوى، شمال إدلب، مفتوحاً بعد انتهاء تفويض آلية إدخال المساعدات إلى سوريا في 10 تموز(يوليو) الجاري».
وشكلت المناطق منزوعة السلاح في منطقة خفض التصعيد الرابعة إدلب وما حولها التحدي الأبرز بالنسبة لتركيا أولاً، منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2018 كونها فشلت في فرضها على الفصائل الراديكالية، وبعض فصائل الجيش الحر. حيث رفضت سحب السلاح الثقيل بداية، ثم عادت وقبلت شريطة عدم السماح للشرطة العسكرية بالدخول في مناطق سيطرة المعارضة وتفتيش مقرات الفصائل، وأنزلت فتح الشام رايتها ورفعت رايات الفصائل الأخرى.
في الحراك الدولي ضد روسيا، عقد في مدينة روما في إيطاليا، اجتماعات على مستوى وزراء خارجية دول «التحالف الدولي ضد داعش» وأكدت وزارة الخارجية الأمريكية من خلاله على ضرورة ضمان وصول المساعدات الإنسانية الحيوية إلى جميع السوريين المحتاجين، والوصول إلى حل سياسي من شأنه أن يضع نهاية للصراع السوري المستمر منذ عقد من الزمن بما يتفق مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 ولتعزيز المسألة عن الفظائع المستمرة التي يرتكبها نظام الأسد. وأعلن أن الولايات المتحدة تقدم أكثر من 436 مليون دولار كمساعدات إنسانية إضافية للسوريين المستضعفين في أنحاء سوريا والبلدان المجاورة والمجتمعات السخية التي تستضيفهم، ويشمل ذلك ما يقرب من 99 مليون دولار من المساعدات للاستجابة لجائحة كوفيد-19 منذ بداية الصراع الذي دام عقدا من الزمن.
لكن وزير الخارجية الأمريكية، انتوني بيلنكن، لم يشر إلى طريق ادخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا في ظل العقبات المتمثلة باحتمال استخدام موسكو حق الفيتو، ما يعزز القناعة بان أمريكا لا تمتلك تصورا لمرحلة ما بعد إغلاق معبر باب الهوى.
ويفرض الحديث الروسي حول الالتزام بتنفيذ خطوات اتفاق موسكو في آذار (مارس) 2020 على أنقرة اتخاذ خطوات عاجلة لإنشاء الممر الأمني على جانبي طريق حلب- اللاذقية/M4 وإخراج الفصائل التي تصنفها موسكو والأمم المتحدة كمنظمات إرهابية من ذلك الطريق. وفي حال المراهنة على حسن الظن بروسيا وأن ما يجمع البلدين من مصالح مشتركة، أكبر من أن يدفع الأخيرة إلى شن هجوم في إدلب، هو أقرب ما يكون إلى الرغبات والأمنيات منه إلى الحقيقة. فروسيا لم توقف العمليات العسكرية من أجل استعادة مناطق خفض التصعيد طوال فترات انعقاد جلسات مسار أستانة، بل أنها تجاهلت ما يحصل هناك واكتفت دائما باتهام «الإرهابيين» بخرق الهدنة.
وتعتبر الأيام القليلة المقبلة اختبارا حقيقيا جديدا لشكل العلاقة الروسية التركية، ففي حال مهاجمة النظام والروس والميليشيات الإيرانية، فان ذلك سيعيد التوتر إلى مرحلة ما قبل الاتفاق في 2021.
المصدر: القدس العربي