خالد الجرعتلي
شهدت محافظة السويداء، منذ تموز الماضي، تسارعًا في الأحداث تزامن مع مواجهات مسلحة بين عصابات تمتهن الخطف وتجارة المخدرات في المنطقة وبين فصائل محلية، وسقط في الاشتباكات قتلى وجرحى من سكان المنطقة.
وتحدثت الفصائل المحلية التي واجهت هذه العصابات أنها تحمل بطاقات ومهمات أمنية من قبل مخابرات النظام السوري، لتنطلق بعدها قوة عسكرية تحت اسم “قوة مكافحة الإرهاب” تتبع لحزب “اللواء السوري” الذي أسسه معارضون للنظام السوري مقيمون خارج سوريا، ما أثار حفيظة “الدفاع الوطني” التابع للنظام السوري.
وبالتزامن مع الأحداث التي شهدتها السويداء، نشبت مواجهات عسكرية في مدينة درعا على خلفية حصار قوات النظام مدينة درعا البلد ومحاولات اقتحامها، ما دفع بتيارات سياسية محلية في السويداء للتضامن مع درعا البلد، مؤكدة أن المسبب الأول لجميع الأحداث الدموية في سوريا هو النظام السوري.
أدى ذلك إلى تصاعد الأحاديث عن خطة لإنشاء منطقة حكم ذاتي تجمع بين محافظتي درعا والسويداء في الجنوب السوري، خاصة أن الموقف الروسي لم يظهر واضحًا خلال المواجهات الأخيرة في درعا، الأمر الذي فُسّر بأنه دور روسيا لإعطاء الجنوب مساحة من التحرر عن سلطة دمشق.
مَن يسيطر على السويداء؟
شهدت المحافظة، منتصف تموز الماضي، خلافًا بين عائلتين من سكان مدينة شهبا بريف السويداء، أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من الطرفين، وقالت شبكات محلية عبر “فيس بوك” آنذاك، إن المواجهات التي شهدتها مدينة شهبا أسفرت عن سقوط أربعة قتلى، منهم اثنان من عائلة واحدة.
وظهرت بعدها عبر الشبكات المحلية صور لأوراق ووثائق، عثر عليها السكان داخل سيارة تتبع لإحدى عصابات تجارة المخدرات في المحافظة، تظهر ملكية السيارة لـ”المخابرات الجوية” التابعة للنظام السوري.
وغابت عن المواجهات التي شهدتها قرية شهبا قوات الأمن السوري، في حين حاول وجهاء محسوبون على النظام التدخل لحل الأزمة بشكل سلمي بين عصابات تجارة المخدرات وسكان المنطقة، لإعادة الوضع إلى ما كان عليه مع الإبقاء على وجود العصابات، إلا أن وجهاء قرية شهبا رفضوا المقترح.
وحاول النظام آنذاك تسوية الأوضاع في المدينة عن طريق وساطة من قبل أجهزته الأمنية، رفضها السكان بشكل قاطع، بحسب بيان نقلته “السويداء 24”، في 19 من تموز الماضي.
ولاستيضاح محاولات الإبقاء على هذه العصابات، قابلت عنب بلدي رئيس المكتب الإعلامي لـ”هيئة التفاوض”، الدكتور يحيى العريضي، الذي ينحدر من السويداء، والذي قال إن النظام حاول منذ بداية الثورة السورية تصدير نفسه على أنه “حامي الأقليات الدينية”.
وكان هدف النظام الحقيقي من تصدير هذه الرواية “بعثرة السوريين وتفريقهم”، خاصة مع صدور شعار “الشعب السوري واحد” في مدن تقطنها أقليات دينية كالسويداء، لذا حاول اللعب على الوتر الطائفي في المنطقة، وبعد فشله في تصدير هذه الرواية لوقت أطول، عمل على تشكيل أدواته الأمنية المكوّنة من عصابات ولجان أمنية.
وكُلّفت هذه العصابات بمهمات معيّنة، من خطف وقتل وإدارة عمليات تجارة المخدرات، ومع اغتيال النظام وإيران وجهاء من المحافظة مثل الشيخ وحيد البلعوس، عمل النظام على تكثيف عمل هذه العصابات.
وخلال الأشهر الأخيرة، حرّك النظام هذه المجموعات وعلى رأسها “الدفاع الوطني”، للوقوف في وجه “صحوة السوريين” تجاه واقع الأحداث في سوريا، إلا أن سكان قرية شهبا وقفوا في وجهه وأفشلوا مخططه، كما حدث في بلدة الرحى بريف المدينة، وهو ما أدى إلى طرد هذه العصابات من مناطق مختلفة.
وكتب المحامي أيمن شيب الدين، الذي ينحدر من السويداء، عبر “فيس بوك” على خلفية الأحداث الأخيرة، مشيرًا إلى هذه العصابات التي تنشط في المنطقة، “هم ليسوا زعرانًا أو مجموعة زعران شكّلوا عصابات، هذا التوصيف غير أمين، وبعيد عن الواقع إن أُريد فعلًا تغييره”.
واعتبر أن هذه العصابات هي مجرد “عصابات أمنيّة”، تعمل بـ”الوكالة” عن أجهزة الأمن في أمور شتّى، وكل ذلك ضمن تخطيط “جهنّمي ماكر” بالكاد يمكن إثبات صحته، لدرجة أن الأجهزة الأمنية و”منابرها الإعلامية” قفزت إلى خندق انتفاضة أهالي شهبا بوجه العصابات مُنتفضة معها، بحسب المحامي.
هل يتجه الجنوب للحكم الذاتي؟
خلال حديث أجرته عنب بلدي مع الباحث في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، عن علاقة المواجهات العسكرية بين النظام وسكان مدينة درعا مع التوترات الحاصلة في السويداء، قال إن المواجهات العسكرية في درعا هي انعكاس لحالة عدم الرضا عن أسلوب النظام في التعامل مع مناطق الجنوب السوري كالسويداء والقنيطرة ودرعا.
وأشار علوان إلى أن “الحكم الذاتي” في المنطقة صار مطلبًا شعبيًا، وهو أمر قد تفضله الدول الإقليمية في المنطقة مثل روسيا وإسرائيل، التي تشترك بحدود برية مع مناطق الجنوب السوري.
وكانت اجتماعات عُقدت خلال الأشهر الماضية بين وجهاء من السويداء وممثلين عن محافظة درعا، جرى الحديث خلالها عن التهيئة لمنطقة “حكم ذاتي” في محافظات الجنوب السوري، بحسب مصادر علوان، الذي تحفظ على ذكر تفاصيل الاجتماع لأسباب أمنية.
وأضاف أن النظام السوري دائم الحذر من حدوث مثل هذه الخطوات في المحافظات السورية، إلا أن القبول الروسي بمثل هذه الخطوة يعتمد على إدراجه ضمن مسارات التفاوض الروسية، وهو ما تستعد روسيا للموافقة عليه مقابل رفع الحصار الاقتصادي المفروض على النظام من قبل الغرب.
ورغم وجود خلافات بين سكان المحافظتين، تجاوز موضوع “الحكم الذاتي” هذه الخلافات، بحسب علوان، ليتحول إلى تواصل بين وجهاء من المحافظات في الجنوب مع جهات دولية، ما جعله أحد الاحتمالات المطروحة لإخراج النفوذ الإيراني من مناطق الجنوب السوري.
بينما لا يعتقد الدكتور يحيى العريضي أن تتحول هذه المباحثات إلى شيء على أرض الواقع، مستبعدًا الوصول إلى صيغة “حكم ذاتي”.
وأرجع العريضي هذه الاحتمالات إلى الغياب الفعلي لمفهوم الدولة في ممارسات النظام السوري، الذي يفضّل الأسلوب “المافيوي” في التعامل مع السوريين، بحسب تعبيره.
السويداء حُكمت عبر نفوذ الوجهاء
كانت السويداء قبل عام 2011 محكومة مثل أي منطقة أخرى من سوريا، بتحالف بين السلطات القائمة والزعامات التقليدية.
وبعد اندلاع الثورة، كسر السوريون محرمات النظام السوري بالحديث عن مستقبل البلاد، بمن فيهم أهالي محافظة السويداء، إذ شارك عدد كبير من الشباب بالحراك الثوري، مقارنة بالمناطق الدرزية الأخرى في سوريا، وبالطبع وقفت السلطات الدينية ضد حراكهم، بحسب حديث سابق للصحفي كرم منصور ابن محافظة السويداء لعنب بلدي.
وبقيت الحال على ما هي عليه حتى ظهور حركة “رجال الكرامة”، التي أُسست بين عامي 2013 و2014، وروّجت شعارًا بين الناس بأنهم حياديون، واعتمدت مبدأ “تحريم الاعتداء على سكان المحافظة”، وتحريم مشاركة سكانها كذلك في اعتداءات النظام على السوريين الثائرين في المحافظات الأخرى، وفرضت هذه الحركة أمرًا واقعًا داخل المحافظة بقوة السلاح.
وأوضح منصور أن جميع الأطراف في السويداء استجابت للأمر الواقع، نتيجة الخشية من شبح الحرب، وعمّ خطاب يتبنى دعوات الوحدة الوطنية، وينفي عن سكان المحافظة نية الانفصال إثر مطالبة بعض مكونات الشعب السوري بالاستقلال، لكن ما ميّز هذه الفترة هو رفض “الخدمة الإلزامية”، مع ترك حرية مغادرة المحافظة لمن يرغب بالقتال إلى جانب أحد أطراف النزاع، وهو ما دفع بالعديد من الناس للانضمام إلى هذه الحركة.
هنا بدأت محاولات زعزعة الوضع في السويداء، لا سيما من قبل النظام السوري، إذ دعم الأشخاص الخارجين عن سلطة القانون، الذين قاموا بدورهم بالتهريب والخطف وجرائم وانتهاكات أخرى.
كما نشط خط التهريب عن طريق البادية لنقل مواد مثل الوقود، والسلاح، والمخدرات، بين السويداء ودرعا، وصار المسؤولون عن هذه الظاهرة يتعاونون مع السلطات الأمنية التابعة للنظام.
ولأن المواد الأساسية في السويداء يتم استيرادها من دمشق، تمكنت العاصمة من فرض إتاوات كبيرة عبر الحواجز الأمنية في المحافظة، وتقوم هذه الحواجز بمنح وصل لشحنات البضائع لحمايتها من الخطف بعد دفع الإتاوة.
وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجهها المحافظة، تشكّل اليوم مساحة حرية أوسع مقارنة بالمناطق السورية الأخرى، فهي تحوي عددًا من الناشطين المدنيين والمتخلفين عن الخدمة الإلزامية، ولأن نفوذ العائلات كبير في السويداء، تمكنوا من كفّ يد الأمن عن أبنائهم، الذين صار بمقدورهم اليوم التعبير عن آرائهم داخل حدود المحافظة دون الخشية من الاعتقال.
لكنّ عرفًا عامًا كذلك ساد بين سكان المحافظة، يتعلق بالضالعين بـ”جرائم جنائية أو جُنح”، وليس بأصحاب الرأي السياسي، هؤلاء لا يلقون حماية أو مساعدة من المجتمع المدني، ولا يتحرك الأهالي لنجدتهم في حال قُبض عليهم.
المصدر: عنب بلدي