معقل زهور عدي
في العام 2006 تصاعد الحماس في تأييد حزب الله أثناء المعركة التي واجه فيها الجيش الاسرائيلي، وبعد أن انتهت الحرب بدأ البعض يفكر بطريقة أكثر عمقًا وهدوءًا، فالبنية الطائفية للحزب , ومفاهيمه المذهبية الضيقة , وخضوعه الأعمى للسياسة الايرانية الذي فرضته عقيدة” ولاية الفقيه ” كل ذلك كان يقف سدًا أمام تحوله إلى حزب وطني ديمقراطي قادر على قيادة الحركة الوطنية في لبنان . شيئا فشيئا بدأ حزب الله يستدير نحو الداخل بعد أن كان همه الوحيد مقاومة العدوان الاسرائيلي ، وبانغماسه في اللعبة السياسية الداخلية تعزز ماهو سلطوي وطائفي لديه على حساب ماهو وطني , ثم كان التحول الحاسم حين جاءته تعليمات الولي الفقيه بالتدخل العسكري في سورية . اليوم نرى أن النصر الذي أحرزته طالبان بسيطرتها على أفغانستان وانسحاب القوات الأمريكية وحلفائها يدفع البعض إلى نسيان الطابع الفكري المتشدد لطالبان وممارساتها السابقة حين حكمت أفغانستان لمدة أربع سنوات . ثمة مسافة بين الفرح بخروج القوات الأجنبية من أفغانستان مما يعطي الأمل بانتهاء عصر التدخلات العسكرية للولايات المتحدة والدول الكبرى , وبداية عصر تحرر ارادة الشعوب من الهيمنة , وبين الاغراق في عقد الآمال على قيادة سياسية لاتعرف للديمقراطية معنى , ولا للحريات ولا للمواطنة بمفهومها الحديث . ورغم سوء الاستخدام لحقوق المرأة من جهة الدوائر الغربية لكن ذلك لايمنع أن المرأة الأفغانية واجهت وضعا لايطاق سابقا أثناء حكم طالبان وأبسط الدلائل على ذلك فرض النقاب على أية امرأة تسير في الشارع بالقوة . إن غض النظر عن البنية الداخلية لطالبان والمفاهيم الفكرية التي شكلت حاضنتها الأولى , وممارساتها السلطوية الاستبدادية السابقة المغرقة بالتخلف والتشدد يشابه غض النظر عن البنية الداخلية لحزب الله وعقيدته الفكرية التي حكمت سياسته الداخلية والخارجية وعقد الآمال المبالغ فيها على نهجه الوطني خلال مرحلة تحرير الجنوب اللبناني ومواجهة العدوان الاسرائيلي . لايمكن إغلاق الباب أمام احتمال أن طالبان اليوم غير طالبان الأمس، وأن الزمن والتجربة والجيل الجديد لابد أن يكون قد ترك أثره على تفكيرها السياسي ، كما أن الطريقة التي دخلت فيها لكابول اتصفت بشيء من الاعتدال والحكمة. لكن ذلك ليس كافيًا لإطلاق العنان للآمال وإحلال الرغبة مكان الواقع باحتمالاته الأسوأ تعلمنا التجارب أن الحركات الراديكالية تتحول حين تصل السلطة إلى الأكثر تشددا، لذلك فبالرغم من الملامح البراغماتية التي أظهرتها طالبان مؤخرًا، فمايزال الوقت مبكرًا للثقة بوجود تحولات عميقة بفكرها السياسي، تحولات لابد منها من أجل فتح الطريق أمام شعب أفغانستان الذي أنهكته الحروب .