ريان محمد
في ظل تعطيل النظام السوري ودول داعمة له للحل السياسي للأزمة السورية، وفي حين تشهد سورية حالة من الانهيار الاقتصادي والأمني، ويصرّ النظام على التعاطي مع السوريين بعقلية المنتصر وفرض سيطرته على المجتمع، تعقد مجموعة من السوريين المستقلين، اليوم السبت، وعلى مدى يومين، مؤتمراً في جنيف السويسرية، تحت عنوان “المؤتمر السوري لاستعادة السيادة والقرار”، لبحث عدد من المقترحات المقدمة، أبرزها كيفية الانتقال إلى “نظام ديمقراطي برلماني تعددي”، وبناء الجيش السوري، على أن ينتهي المؤتمر إلى ولادة مكون سياسي ينفذ الرؤية التي سيتم إقرارها.
وتؤكد مصادر مشاركة في المؤتمر أن المشاركين يحضرون بصفاتهم الشخصية، وتم رفض حضور كل من تورط بالدم السوري أو الفساد. وعُلم أن من المشاركين، بجر مالول، آصف دعبول، محمود سليمان الحاج، صلاح وائلي، يونس كنهوش، عبد الكريم الآغا، العقيد عدنان طلاس، وليد تامر، فيما فضّل العديد من المشاركين من داخل سورية عدم الكشف عن هوياتهم لأسباب أمنية.
ويبدأ المؤتمر أعماله صباح اليوم السبت في مدينة جنيف السويسرية، بحضور نحو 80 شخصية سورية، ومشاركة أكثر من 300 آخرين عبر الإنترنت من داخل سورية وخارجها، على أن تتواصل أعمال المؤتمر غداً الأحد. وستتم مناقشة أوراق عدة مقدمة من اللجنة التحضيرية، التي عملت على إعدادها طوال أكثر من عامين، جرى خلالها العمل على تطويرها ومراجعتها أكثر من مرة، لتتناسب مع الوضع الراهن. وقال اللواء محمد الحاج علي، أحد أبرز المشاركين والمنظمين للمؤتمر، إن المنظمين هم “مجموعة من السوريين المستقلين ولا توجد جهة دولية أو مؤسسة لها علاقة بهذا المؤتمر”.
وأفادت مصادر مشاركة في المؤتمر، “العربي الجديد”، بأن المؤتمر مموّل بشكل كامل من قبل أعضائه، بعيداً عن رعاية أي دولة أو جهة غير سورية، ويحضره المشاركون بصفاتهم الشخصية، من دون انتماء أي منهم إلى مكونات سياسة محددة. وأضافت المصادر أن “اللجنة التحضيرية لم تقبل أي مبلغ من أي دولة أو جهة غير سورية، كما تم رفض مشاركة كل من تورط بالدم السوري أو الفساد”.
وأوضحت المصادر أن “هناك شخصيات مرشحة من خارج اللجنة التحضيرية لإدارة جلسات المؤتمر، إذ تنتهي مهمة اللجنة التحضيرية مع افتتاح المؤتمر، في حين سيتم إجراء عملية انتخابية في ثاني أيام المؤتمر تحت إشراف لجنة انتخابات مكونة من أشخاص عدة غير مرشحين لأي مهمة قيادية ضمن المؤتمر، لانتخاب هيئة مركزية ولجنة حكماء، مهمتهم متابعة العمل السياسي وتنفيذ الرؤية التي سيتم إقرارها، عبر المكون السياسي الذي من المتوقع أن يولد من رحم المؤتمر”. وذكرت المصادر أن ممثلاً خاصاً للمبعوث الأممي الخاص إلى سورية غير بيدرسن سيحضر افتتاح المؤتمر، إلى جانب عدد من الدبلوماسيين الدوليين.
وتضمّنت وثائق المؤتمر التي زادت عن 100 ورقة، والتي اطلع عليها “العربي الجديد”، العديد من القضايا، منها واحدة حملت عنوان “خريطة الطريق المقترحة من أجل سورية ديمقراطية ودولة مدنية”. وأكدت أن الهدف السياسي للعملية التفاوضية المباشرة هو “الانتقال إلى نظام ديمقراطي برلماني تعددي تداولي، يرسم معالمه ميثاق وطني مؤسس، يرتكز على مبدأ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات لجميع السوريين، بغض النظر عن الجنس، أو القومية أو المعتقد أو المذهب”. وأضافت الورقة أن “دولة قانون ومؤسسات لكل أبناء ومكونات الوطن، وهي صاحبة الحق الشرعي الوحيد في حمل السلاح. مهمتها بسط سيادة الدولة على كافة أراضيها، والدفاع عنها وعن مواطنيها، وتقديم الخدمات لهم، وترسيخ فصل السلطات وتنظيم الحقوق والواجبات، واحترام الدستور والقوانين وتجريم الطائفية السياسية ومحاربة الإرهاب بكافة مصادره وأشكاله”.
وحدّدت ورقة أخرى “مبادئ أساسية لميثاق وطني جامع”، أكدت على مبادئ المواطنة المتساوية وعدم التمييز وحرية المعتقد وممارسة العقائد، والتأكيد على حقوق الإنسان والالتزام بالمواثيق والعهود الدولية المتعلقة بها. واعتبرت الوثائق أن “الحريات الفردية والعامة تشكل حقاً مشروعاً غير قابل للتصرف، وأن الشعب هو مصدر الشرعية والعدل، وأن مهمة الجيش السوري حماية البلاد وصون استقلالها ولا يتدخل في الأنشطة السياسية، واعتماد مبدأ اللامركزية الإدارية”.
كذلك أفردت الأوراق باباً خاصاً تحت عنوان “بناء الجيش الوطني السوري والأجهزة الأمنية”، قدمها اللواء المنشق الدكتور محمد الحاج علي، بيّنت أهم التحديات التي تواجه مهمة إصلاح الجيش والأجهزة الأمنية، خصوصاً المعارضة الشديدة من قِبل الأجهزة الأمنية ذاتها ومراكز القوى في الجيش، وصعوبة إزالة الأسس الطائفية والإثنية أو الحزبية السائدة. واعتبرت أن عملية الإصلاح تستند على أساسيين، هما “الوطنية والكفاءة، إضافة إلى عدم وجود الكوادر الوطنية المتجذرة وبشكل خاص القضائية والعسكرية، وتناقض الرؤى الأمنية بين طرفي الصراع ومصادرة القرار الوطني من قبلهما كنظام ومعارضة”.
وطرحت الأوراق إصلاح الجيش والقوات المسلحة، استناداً إلى القرار الأممي 2254، إضافة إلى مقترح تشكيل مجلس عسكري انتقالي يتألف من الضباط المنشقين والموالين، ممن لم يرتكبوا جرائم بحق الشعب السوري، يتولى قيادة الجيش والإشراف على الأجهزة الأمنية خلال الفترة الانتقالية. ومن بين الخطوات الواجب اتخاذها لنجاح عملية الإصلاح وإعادة البناء، “إعادة التوازن الديمغرافي للجيش، وإحالة جميع مرتكبي الجرائم إلى محاكم عسكرية مختصة، وتطهير الجيش منهم”. وحول إصلاح الأجهزة الأمنية، شدّدت الورقة على ضرورة وضع أسس عامة لعملها وإعادة تأهيل عناصرها، وتحديد الهيكلية وتصحيح الخلل الديمغرافي، وتطهيرها من مرتكبي الجرائم وتأمين محاكمة عادلة لهم.
كما تضمنت الأوراق ورقة خاصة بالعدالة الانتقالية وبناء السلطة القضائية المستقلة في سورية، قدّمها السياسي السوري المعارض هيثم مناع واقترحت تشكيل “الهيئة العليا للحقيقة والإنصاف والمصالحة”، بما يفضي إلى بناء استراتيجية شاملة للعدالة الانتقالية في سورية. وتضمنت محاور رئيسية للعمل، عبر لجان “التحقيق الوطنية المستقلة، وجبر الضرر والتعويضات والمحاكمات، ولجان المصالحة والسلم الأهلي، ومجموعات الدعم النفسي ومكتب إعلامي وبرنامج لتدريب الكوادر الوطنية ومكتب لتخليد الذكرى، ولجان للتعاون والتنسيق، إضافة إلى رؤية لبناء القضاء المستقل”. كما تضمن جدول الأعمال مناقشة رؤية خاصة بإعادة الإعمار في سورية كقضية سياسية واقتصادية، إضافة إلى وثائق المبادرة الوطنية السورية من أجل مؤتمر وطني سوري، التي تم إعلانها في الثالث من مارس/ آذار 2019، و”ميثاق الوطن والمواطن” الذي يضم جملة من القواعد التأسيسية لدولة دستورية ذات سيادة، إضافة إلى ورقة خاصة بالتربية والتعليم، وإحاطة بوضع المرأة السورية، قدمها الباحث سليمان الكفيري.
المصدر: العربي الجديد