طوني فرنسيس
في الرواية الإيرانية الرسمية حرص حسين أمير عبد اللهيان على التحدث باللغة العربية في مؤتمر بغداد للحوار الإقليمي، لتوجيه رسالة تقارب إلى دول الجوار العربي، لكن هذه الرواية نفسها لا تُغفل بل تركز على الدور المكلف به، وهو وراثة المسؤول السابق عن فيلق القدس قاسم سليماني في تنظيم وتطوير أذرع “المقاومة الإيرانية” على امتداد المنطقة .
في بغداد حرص عبد اللهيان على إبراز هذا الجانب في مهمته، وبدت استعانته باللغة العربية مثل استعانة قائده علي خامنئي بها أحياناً، عملاً مقصوداً لقول إيران موقفها مباشرة للسامعين العرب من دون الحاجة إلى ترجمة، إلا أن “عربية” وزير الخارجية الإيراني الجديد لم تعفه من سخرية معلقين في طهران لاحظوا أخطاء إملائية ولغوية كثيرة في خطابه، وتندّر هؤلاء كيف أن مسؤولاً سابقاً عن الشؤون العربية لا يتقن لغتها. وقال حسين علي زاده الدبلوماسي السابق، ” مثلما يعاني عبد اللهيان ضعفاً مفرطاً في اللغة الإنجليزية أيقنت اليوم أيضاً أنه غير ملم بنظيرتها العربية”، وأضاف مغرّد، “يجب أن تأتوا بمعلم لغة عربية إلى أمير عبداللهيان على الرغم من أنه لا يبدو عليه الاستعداد لتعلم اللغة”.
التعليق الأقسى جاء من ناشط آخر صاحب حساب “مردي تنها” وفيه، “إن اللغة العربية عند عبد اللهيان في مستوى لغته الإنجليزية، كما أن إدراكه عن الدبلوماسية أظهره اليوم أمام العالم أجمع “.
وفي الحقيقة تبقى لغة الوزير الإيراني مسألة شكلية إزاء سلوكه السياسي والدبلوماسي وجوهر الموقف الذي يحمله، فهو تصرف في بغداد حيث تجتمع دول الخليج وقوى إقليمية ودولية لإبداء دعمها لدولة العراق المستقل، كعنصر ميليشيات يدخل حفلاً دبلوماسياً.
وفيما كان الرؤساء والأمراء يحرصون على إبداء استعدادهم لمعاونة العراق في تخطي صعوبات البناء والإعمار وترسيخ سلطة القانون، كان عبد اللهيان منشغلاً بحفل تأبين لسليماني وأبو مهدي المهندس، وإرجاع فضل وقوف العراق على رجليه إلى طهران، “الدولة الأولى” التي اعترفت بواقعه الجديد، وتأنيب الحضور وأصحاب الدعوة للمؤتمر على عدم استضافتهم للنظام السوري، وهو ما ترجمه في اليوم التالي بتوجهه إلى دمشق لإبلاغ الرئيس بشار الأسد بما فعله في العاصمة العراقية .
لم يعد الأمر سراً، فالتشكيلة الحاكمة في طهران باتت موحدة في ولائها التفصيلي المطلق للمرشد في سياستها الداخلية والخارجية، وعبد اللهيان يعتبر “أول الخامنئيين” في الخارجية، وفي سيرته أنه صديق لسليماني وسيواصل ما قام به.
وبحسب كتابات عدة فإنه “أحد أهم دبلوماسيي محور المقاومة”، وهو ما تفاخر به شخصياً في جلسات مجلس الشورى الذي ناقش تركيبة حكومة الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي، وفي الحقيقة كان الرجل على الدوام رجل الأمن بزي دبلوماسي، ولم يكن على وفاق مع وزير الخارجية جواد ظريف الذي انتقد الحرس الثوري وسليماني، لكنه تولى تمثيل طهران في المؤتمرات الإقليمية كافة، بما فيها مؤتمر دعم الشعب السوري في الكويت عام 2018 بحضور وزير الخارجية الأميركي ركس تيلرسون.
ويحرص عبد اللهيان على التحدث عن علاقته الوثيقة مع الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله “والمناسبات التي جمعتهما وامتدت إلى الفجر”، ومع سليماني الذي كتب بناء على طلبه كتابه “صبح الشام”.
وفي كتابه الآخر “الصحوة الإسلامية وفشل الخطة الكبرى للشرق الأوسط”، يرى أن التطورات في الشرق الأوسط والعالم العربي منذ 2011 أضعفت النفوذ الأميركي، وهو ما يراه خامنئي ويضع على أساسه برنامجه لإخراج الأميركيين من “غرب آسيا” لمصلحة إحلال الإيرانيين مكانهم.
بمعزل عن مصير المفاوضات النووية التي لا يدرجها عبد اللهيان بين أولوياته، فتركيزه على النفوذ الإقليمي وتطوير العلاقة مع روسيا والصين، تبدو إيران حاسمة في توجهاتها إزعاجاً للغرب وسعياً إلى تثبيت مواقع نفوذها، فقد عادت إلى تحريك المسيّرات ضد السعودية من اليمن، وحرصت على دعم التصعيد في غزة عشية اللقاء الأول بين رئيس الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية، وتواصل تنظيم استمرار الأزمة في لبنان مع تحريك محدود للتوتر في جنوبه، وتدعم الأسد في تخطيه مساعي السلام الدولية ورفضه استقبال مبعوث الأمم المتحدة غير بيدرسون، وأخيراً ولحظة انعقاد لقاء بغداد كانت الصواريخ على حدود الكويت، وإعلان وزير إيراني الهيمنة على البصرة رسالة أخرى بليغة الدلالة ضد العراق ودول الخليج في آن واحد .
لم تسعف اللغة العربية عبد اللهيان في بغداد، ومثلما كشف عن قلة دبلوماسية لدى تسلله إلى مقدم الصورة التذكارية للوفود، تواصل قيادته المنحى نفسه في تعاطيها مع دول المنطقة وشعوبها .
المصدر: اندبندنت عربية