هبة محمد
أعلن الكرملين أمس الثلاثاء، عن لقاء جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس النظام السوري بشار الأسد يوم الاثنين، في العاصمة الروسية موسكو.
ووفقاً للمصادر الرسمية فإن هدف اللقاء هو بحث ملفات التعاون الثنائي وإجراءات توسيعه وتطويره، بينما ترجم خبراء ومراقبون معارضون للنظام السوري، سرية اللقاء الذي جمع بوتين ببشار الأسد، ليلاً، بأنه اجتماع لتلقي الأوامر الروسية، وذلك لإجباره على تفعيل المشاركة في اجتماع اللجنة الدستورية القادم في العاصمة السويسرية، مستذكرين استحضار الأسد إلى مدينة سوتشي الروسية قبل سنوات لإجباره على المشاركة في العملية السياسية في جنيف.
أسباب أمنية
ونقل موقع قناة «آر تي عربية» الروسية عن بوتين القول خلال اللقاء: «بجهودنا المشتركة وجهنا ضربة للإرهابيين، فالجيش السوري يسيطر على أكثر من 90% من أراضي البلاد، رغم بقاء عدد من بؤر الإرهاب قائمة». وأضاف: «مع ذلك، فإن النازحين يعودون بنشاط إلى المناطق المحررة». وتابع بوتين :»المشكلة الرئيسية، في رأيي، تكمن في أن قوات أجنبية موجودة في مناطق معينة من البلاد دون قرار من الأمم المتحدة ودون إذن منكم، وهو ما يتعارض بشكل واضح مع القانون الدولي ويمنعكم من بذل أقصى الجهود لتعزيز وحدة البلاد ومن أجل المضي قدما في طريق إعادة إعمارها بوتيرة كان من الممكن تحقيقها لو كانت أراضي البلاد بأكملها تحت سيطرة الحكومة الشرعية».
ووصف الأسد العقوبات المفروضة على سوريا بأنها لا إنسانية ولا شرعية، وأشار إلى أن جيشي سوريا وروسيا حققتا نجاحات ملموسة في القضاء على الإرهاب.
كما أعرب الأسد عن امتنانه لروسيا على مساعدتها لبلاده في مكافحة تفشي فيروس كورونا وتقديم مساعدات أخرى، بما في ذلك إمدادات المواد الغذائية.
وأفاد الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف في تصريحات للصحافيين الثلاثاء، أن رأس النظام السوري قد عاد إلى بلاده وهو موجود في دمشق، مبرراً عدم الإعلان عن زيارة الأسد إلى موسكو مسبقاً بوجود أسباب أمنية، حيث قال «هناك اعتبارات أمنية معينة يجب اتباعها وهي واضحة تماماً. وانطلاقاً من هذه الاعتبارات طبعاً لم يتم الإعلان عن الزيارة وتم توفير المعلومات لوسائل الإعلام بعد عودة الرئيس السوري إلى الوطن».
أهداف اللقاء
وذكرت وكالة أنباء النظام الرسمية «سانا» أن اللقاء، الذي عُقد الاثنين بين بوتين والأسد، بدأ باجتماع ثنائي مطوّل ثم انضم إليهما لاحقاً وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو. وأضافت أن الجانبين بحثا «التعاون المشترك بين جيشي البلدين في عملية مكافحة الإرهاب، واستكمال تحرير الأراضي التي ما زالت تخضع لسيطرة التنظيمات الإرهابية، كما تم التباحث بشأن الخطوات المتخذة على المسار السياسي». اللقاء هو الخامس الذي يعقد بين بوتين والأسد منذ عام 2015، ويتزامن مع مرور 6 سنوات على تدخل روسيا في الأراضي السوري، وذلك تماشياً مع وجود نشاط دبلوماسي مكثف حول سوريا وتصعيد عسكري غير مسبوق.
وحول أهداف اللقاء وأسبابه، ربط الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي الاجتماع بالتفاهمات الروسية – الأمريكية إزاء الملف السوري، متوقعاً أن تكون موسكو قد طالبت الأسد بضمانات لتحقيق تقدّم فعلي في الجولة السادسة للجنة الدستورية، بهدف دفع العملية السياسية التي تشكل مدخل للتفاهمات الجديدة بين الولايات المتحدة وروسيا.
وأبدى عاصي في تصريح لـ «القدس العربي» اعتقاده بأنّ روسيا قد تكون قد حقّقت خرقاً جديداً في التفاهمات مع الولايات المتحدة بشأن الملف السوري.
فمن المرتقب انعقاد اجتماع ثنائي بين مبعوثي الرئيسين بوتين وبايدن في جنيف حول سوريا، مما يستدعي برأي المتحدث ضمان موسكو عدم حصول خروقات من قبل النظام الذي لا يفوّت فرصة المماطلة والتعطيل مستفيداً من التنافس بين روسيا وإيران، كما «أنه قد تكون العملية السياسية في إطار اللجنة الدستورية مدخلاً للتفاهمات الجديدة بين الولايات المتحدة وروسيا بعد تجاوز اختبار الثقة الخاص بآلية المساعدات الإنسانية، فيما يبدو أن روسيا قدّمت ضمانات لتحقيق تقدّم فعلي في الجولة السادسة التي حددها بيدرسون في مطلع تشرين الأول/أكتوبر، وليس من المستبعد تحقيق اختراق في المضامين الدستورية».
وفي المقابل يبدو أنّ روسيا «قدّمت للولايات المتحدة ضمانات لإبعاد بشار الأسد عن إيران بشكل أكبر، فيما يبدو أنّ خط الغاز العربي اختباراً لهذا الالتزام والذي سيقيد النظام السوري ويدفعه أكثر للتعاون مع الدول العربية على حساب إيران» حسب عاصي. ويشير اللقاء وفق خبراء إلى أن روسيا ما زالت على موقفها الثابت منذ سنوات لجهة دعم الأسد (كرئيس) لسوريا.
الباحث السياسي عبد الرحمن عبارة، اعتبر في تصريح لـ «القدس العربي» أنه في كل مرة «تستدعي موسكو بشار الأسد، لا يكون الهدف لأجل التشاور حول العلاقات الثنائية بل من أجل تنفيذ المهام التي يُكلّف بها، ومن تلك الأمور وفق رأيه «التوقيع على عقود تجارية وعسكرية حصرية، أو تفويض عسكري وسياسي وتجاري سري على شكل اتفاقية أو معاهدة يعزز من تحكم موسكو بالقرارات السيادية للدولة السورية مستقبلا. وإجراء تغييرات تطال الأجهزة الأمنية والتشكيلات العسكرية بناء على القوائم الروسية».
رسالة إلى الغرب
ووفق المتحدث فإن المراد من اللقاء هو توجيه رسالة إلى الدول الغربية بأن سوريا دولة مستقرة، وبأن النظام شرعي، «ولو من خلال إجراء مسرحية الانتخابات والحديث عن كذبة سيطرة النظام على 90% من الأراضي السورية، والهدف من تكرار هذه الاسطوانة المشروخة إقناع الغرب بالبدء بضخ الأموال لعملية إعادة الإعمار» مرجحاً مطالبة الأسد بالتعاطي بإيجابية تجاه تركيا، قبيل الاجتماع المزمع عقده بين رئيس الاستخبارات التركية وعلي مملوك رئيس مكتب الأمن القومي، فضلاً عن تلقيه أوامر بضرورة تحجيم الدور الإيراني جنوباً، بما يتفق والمصالح الروسية وتفاهماتها مع الأردن وإسرائيل وأمريكا.
وحول كتمان النظام السوري للاجتماع قال عبارة «تعتبر نقطة إضافية ضد النظام، فهو لا يستطيع أن يعلن عن توقيت اللقاء أو فحوها ومن حضره، لأنه نظام مسلوب الإرادة ومسلوب السيادة حتى لمجرد الإعلان». اللقاء الذي جرى سراً، ولم يعلن عنه النظام السوري، إلا بعدما أعلنت عنه موسكو، أثار موجة من الانتقادات، من قبل محللين ومراقبين، حيث عقب الخبير في الشؤون الروسي – السورية د.محمود الحمزة بالقول إن «بشار الأسد لعبة بيد الدول وعار على سوريا». وكتب الحمزة على صفحته الشخصية عبر موقع فيسبوك «بوتين استقبل الأسد ليلاً بعد أن جلبوه سراً وجلس أمام بوتين بشكل غير رسمي دون إعلام».
وقال البروفيسور أن زيارة الأسد تمت «بأمر من بوتين لإجباره على تفعيل المشاركة في اجتماع اللجنة الدستورية القادم في جنيف لأن الروس والأمريكان يريدون على ما يبدو الاتفاق على حل ما في سوريا، وغدًا سيلتقي مبعوث الرئيس الروسي الى سوريا الكسندر لافرينتيف ونائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين في جنيف مع المبعوث الامريكي الى الشرق الاوسط ويبحثان ملف سوريا».
وأضاف «استحضار بشار هذه المرة في عتمة الليل وبالسر يذكرني باستحضاره الى سوتشي قبل سنوات عدة لإجباره على الموافقة على المشاركة في أعمال اللجنة الدستورية حيث كان يرفض قبلها اي مشاركة للنظام في أعمال اللجنة الدستورية تحت إشراف الأمم المتحدة بل كان بشار يريد أن تجري الاجتماعات في دمشق تحت إشراف النظام ولكن الروس كانوا قد نسقوا مع الأمم المتحدة على أن تكون اللجنة الدستورية تحت إشرافهم وهكذا ورد في البيان الصادر عن مؤتمر سوتشي 2018 بالصيغة التي ارادها الروس ولكن بيان النظام كان مختلفاً فلم يذكر أي إشراف للأمم المتحدة».
المصدر: «القدس العربي»