ما جرى ويجري للمجتمع السوري، منذ بداية حكم الأسد الأب وصولًا إلى توريث الحكم لابنه بشار، من خراب بنيوي طال الأخضر واليابس، وعمل تهديمًا في العمارة المجتمعية السورية، حتى بتنا لا نرى علاقات اجتماعية سليمة، في الكثير من أنساق المجتمع السوري، كما وصلنا إلى حد بتنا نرى فيه العديد من العلاقات، قائمة على أسس غير موضوعية، بل ما قبل وطنية، وما قبل الهوية الوطنية السورية الجامعة. حول مجمل هذه القضايا المجتمعية والوطنية العلائقية وسواها كان لإشراق هذا الحوار مع الكاتب والباحث السوري الأستاذ نبيل ملحم الذي أكد لإشراق أنه ” لابد من التأكيد على مجموعة من الحقائق والتي يأتي في مقدمتها أولًا: إن أكبر خطر واجهه السوريون وهويتهم الوطنية هو خطر انتقال المجتمع السوري من الدولة القائمة على عقد إذعان طائفي مستور برداء الدولة القومية إلى دولة المحاصصة الطائفية المكشوفة، فبعد خمسة عقود من عمل النظام في عهدي الأب والابن على تمزيق النسيج الاجتماعي السوري من خلال طحن وتفتيت وتزرير المجتمع والهوية الوطنية السورية في أحشاء دولته الاستبدادية المعممة، حيث تم تحويل المجتمع إلى مجموعة غير متناهية من الخيوط المعزولة بعضها عن بعض، ولكن الممسوكة بقبضة المستبد الجالس على رأس السلطة والدولة. أقول بعد كل هذا العمل وبعد كل القتل والتدمير الذي ألحقه هذا النظام بالبشر والحجر وكل أنواع الوجود السوري المادي البشري والاقتصادي والعمراني والمعنوي الثقافي والروحي والتاريخي، أقول بعد كل ذلك علينا ألا نفكر ولو بلحظة واحدة أن هذا النظام يمكن أن يصل إلى مرحلة قد يوقف فيها من أعماله التي بدأها منذ أن اغتصب السلطة فهذا النظام الغاشم لا يمكن أن يوقف ما بدأه إلا من خلال خلعه وإسقاطه من على رأس السلطة والدولة، مع كل المرتكزات التي قام عليها”. ثم تابع ملحم يقول” لا يمكن إعادة اللحمة للهوية الوطنية السورية وإعادة بناء النسيج الاجتماعي السوري المكون للهوية الوطنية بوجود هذا النظام. ثانيًا: إن خطر تمزق النسيج الاجتماعي السوري، وهو خطر قد يقود في الشروط الاقليمية والدولية الراهنة إلى تحويل هذا التفتت في النسيج الاجتماعي السوري، إلى تفتيت جغرافي وكياني تتحول من خلاله سورية إلى مجموعة من الدويلات المرتبطة بهذه أو تلك من القوى الاقليمية والدولية المتكالبة على تقاسم الكعكة السورية، وحيث هذا الخطر لا يشكله بقاء النظام فحسب، بل يشكله كذلك، ما يمكن أن نطلق عليهم الوجه الآخر من عملة النظام، وأقصد بذلك القوى الطائفية التي انخرطت في صفوف الثورة السورية، على هيئة فصائل إسلامية منها العسكرية التي سيطرت على المناطق الثائرة التي خرجت من تحت نفوذ وسيطرة النظام، ومنها السياسية التي هيمنت على قرار الثورة والمعارضة السورية وتحولت إلى مطية لأهداف ومصالح القوى الاقليمية والدولية، وحيث شكلت هذه الفصائل قطب ثورة مضادة لأهداف الثورة السورية. ثالثًا: إن سير تطور الأحداث يتدحرج بدعم دولي واقليمي باتجاه يلتقي ويتفق مع ما يمكن بتسميتهم قطبي الثورة المضادة لثورة السوريين، أعني بذلك التقاء النظام الطائفي الذي يمثل القطب الأول والقديم في الثورة المضادة مع هذه الفصائل الإسلامية، التي مثلت القطب الثاني والجديد من الثورة المضادة. فهذا الالتقاء سيقود إذا ما تم إلى الانتقال من حالة الدولة القائمة على عقد إذعان طائفي مستور برداء الدولة القومية إلى حالة دولة المحاصصة الطائفية المكشوفة، أو لنقل سيقود إلى إخراج عقد الاذعان الطائفي، إلى العلن تحت مسمى محاصصة طائفية وتقاسم سلطة، وهو الأمر الذي إذا ما تم فإنه سيكون أسوأ في شروط تحققه من عقد المحاصصة الطائفية، الذي عرفه من قبل المجتمع اللبناني ثم العراقي بعد 2003 كما أن هكذا محاصصة في الشروط الدولية والاقليمية سيقود إلى تكريس حالة الانقسام العمودي للمجتمع السوري والذي يعني انقطاع الحامل التاريخي لوجود المجتمع والهوية الوطنية السورية، وبما يعني العودة إلى حالة التشكل البدائي الأولي للمجتمع، ولا سيما أننا نعيش في شرط دولي واقليمي سيعمل ما استطاع على تكريس نوع كهذا من المحاصصة والانقسام العمودي، الكفيل بإغلاق كل صيرورات التطور نحو الأمام، مقابل فتح صيرورات من الجدل الهابط تقود إلى السقوط إلى قاع التاريخ، إن لم نقل الخروج إلى خارج أسوار التاريخ البشري. “. ثم انتهى إلى القول ” إن الوقوف عند هزيمة هذه الطائفة أو تلك لا يقود بالضرورة إلى هزيمة الدولة القائمة على العصبية الطائفية، إن شرط العبور إلى الدولة الديمقراطية الحديثة التعددية يكمن في هزيمة كل حلفاء الاستبداد والحلفاء الطبقيين قبل غيرهم من الحلفاء الطائفيين، فهزيمة المارونية السياسية الطائفية في لبنان مع بقاء البرجوازية السائدة الطائفية، لم يقد إلى الغاء وتخليص المجتمع اللبناني من الطائفية بل قاد إلى انتقال السيطرة من طائفة إلى أخرى من المارونية السياسية، إلى ما يمكن تسميته بالشيعية السياسية، أي لم يقد إلا إلى إعادة دولة المحاصصة الطائفية بثوب جديد يتوافق مع توازنات طائفية سياسية جديدة داخل المجتمع، أي إن هزيمة عصبية طائفية حاكمة واستبدالها بعصبية طائفية حاكمة أخرى لا يشكل شرطًا للعبور إلى الدولة الديمقراطية التعددية الحديثة، والمثال اللبناني ثم العراقي خير دليل على ذلك، فهزيمة العصبية السنية الحاكمة في زمن النظام الاستبدادي الطائفي البعثي الصدامي، لم يقد إلى بناء الدولة الديمقراطية الحديثة في العراق بل قاد إلى قيام دولة المحاصصة الطائفية البغيضة، وإلى حكم العصبية الشيعية الطائفية”.
المصدر: إشراق