أمين العاصي
في موازاة الحديث الروسي المتجدد عن ضرورة إنهاء “التهديد الإرهابي”، “وعزل هيئة تحرير الشام”، وذلك بعدما انتهت قمة سوتشي الأخيرة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين بلا نتائج تصب في صالح النظام السوري، بدأت وسائل إعلام تابعة للنظام الترويج لوجود خطة لدى الجانب التركي لدمج “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) مع “الجيش الوطني” التابع للمعارضة السورية في شمال البلاد، في محاولة واضحة لخلط أوراق الصراع.
وذكرت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام السوري، أن الجانب التركي “يسعى لإيجاد مخرج لمأزقه في منطقة خفض التصعيد في إدلب، وخصوصاً بعد قمة سوتشي التي جمعت الرئيس فلاديمير بوتين بنظيره التركي”. وزعمت أن أنقرة “بدأت بإطلاق المبادرات وبالونات الاختبار باتجاه موسكو”، مشيرة إلى أن أولى هذه المبادرات دمج “هيئة تحرير الشام” التي تسيطر على جل الشمال الغربي من سورية، مع “الجيش الوطني”، والذي يضم فصائل المعارضة السورية في شمال البلاد. وقالت الصحيفة التي تعد لسان حال النظام، إن المساعي التركية الجديدة وفي هذا التوقيت بالتحديد “مجرد مناورة هدفها الإيحاء بأنها إحدى مخرجات قمة سوتشي التي تنال رضا روسيا”.
جاء ذلك فيما دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، تركيا لتسريع إنجاز “الهدف النهائي” في محافظة إدلب، مطالباً بإنهاء ملف “هيئة تحرير الشام”. وقال لافروف، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره المصري سامح شكري، أمس الأول الإثنين، إن التهديد “الإرهابي” لا يزال قائماً في منطقة خفض التصعيد في إدلب، “بل يتزايد في بعض الأماكن”، معتبراً أن “الهدف النهائي هو القضاء على هذه المجموعات الإرهابية. نحن نلتزم بهذا النهج. وكلما أسرعت تركيا في إنجازه كان أفضل”. وشدد لافروف على أن بلاده تؤكد بشكل لا لبس فيه على ضرورة التنفيذ الكامل للاتفاقيات بين الرئيسين بوتين وأردوغان، “لعزل الإرهابيين، خصوصاً تحرير الشام مهما حاولوا تغيير لباسهم”. وأشار إلى أن أردوغان أعلن مراراً أن سورية دولة مستقلة وأن بلاده ستحترم سيادة سورية ووحدة أراضيها، لافتاً إلى أنه “في سياق التسوية النهائية، بالطبع، سننطلق من حقيقة أن تركيا تسترشد بهذا الموقف بالضبط”. ورأى أنه بموجب القرار 2254، يحق فقط للقوات المسلحة للدول التي تلقت دعوة من الحكومة الشرعية في سورية، الانتشار على أراضي هذا البلد، معتبرا أن “هذا ينطبق أيضاً على الوحدات الأميركية، بالإضافة إلى مجموعات عديدة مما يسمى بالشركات العسكرية الخاصة”.
وكان أردوغان وبوتين قد عقدا قمة في التاسع والعشرين من الشهر الماضي في مدينة سوتشي الروسية للتباحث حول ملف الشمال الغربي من سورية. وتشير المعطيات الميدانية إلى أن الجانبين على طرفي نقيض حيال مجمل القضايا في محافظة إدلب ومحيطها. وبينما يطالب الروس بتفعيل بنود اتفاقات وتفاهمات سابقة تتعلق باستعادة الحركة على الطريق الدولي “أم 4” وهو ما يعني دفع فصائل المعارضة إلى الريف الشمالي لإدلب وتسليم محيط الطريق الذي يربط الساحل السوري بمدينة حلب إلى قوات النظام، ترفض أنقرة هذا الأمر لأنه يعني احتمال نزوح نحو نصف مليون مدني إلى المخيمات التي تقع ليس بعيداً عن حدودها الجنوبية، وهو ما يزيد ملف الشمال الغربي من سورية تعقيداً.
وأكد قيادي في فصائل المعارضة السورية، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ”العربي الجديد”، أن ما ذُكر عن مساعٍ تركية لدمج “تحرير الشام” مع “الجيش الوطني” “غير صحيح”، مضيفاً أن “الأمر غير مطروح على الإطلاق”.
وتعد “هيئة تحرير الشام” التنظيم الأكبر في محافظة إدلب وبعض محيطها، وتفرض سيطرة عسكرية وأمنية وإدارية وخدمية على المنطقة من خلال ما يُسمى بـ”حكومة الإنقاذ”، بينما يسيطر “الجيش الوطني” على منطقة “غصن الزيتون” التي تضم منطقة عفرين وريفها في الشمال الغربي من مدينة حلب، ومنطقة “درع الفرات” التي تضم القسم الأكبر من ريف حلب الشمالي، إضافة إلى شريط حدودي بطول 100 كيلومتر، وبعمق 33 كيلومتراً في منطقة شرقي نهر الفرات كانت سيطرت عليه قبل نحو عامين. ويحمل الطرفان مشروعين سياسيين مختلفين حد التناقض، فـ”هيئة تحرير الشام” فصيل متشدد يدور في فلك تنظيم “القاعدة” على الرغم من إعلان زعيم الهيئة، أبو محمد الجولاني، في يوليو/تموز 2016، فك الارتباط بـ”القاعدة” تحت ضغوط شعبية. وطيلة سنوات الصراع في سورية، كانت الهيئة لاعباً عسكرياً مهماً في مجريات هذا الصراع في أغلب الجغرافيا السورية، لكنها في الوقت نفسه، كانت مدخلاً واسعاً للنظام وداعميه الروس والإيرانيين لوأد الثورة السورية تحت ذريعة محاربة الإرهاب. في حين تؤمن فصائل المعارضة بحتمية وضرورة إيجاد حل سياسي للقضية السورية وفق القرارات الدولية ذات الصلة، خصوصاً القرار 2254، وهي منخرطة في الحراك السياسي الدائر حالياً من خلال ممثلين لها في المؤسسات السياسية التابعة للمعارضة.
لكن الباحث السياسي في مركز “جسور” للدراسات عباس شريفة، رأى أن دمج “تحرير الشام” مع فصائل “الجيش الوطني”، “ممكن عملياً على الرغم من أنه غير مطروح على الطاولة في الوقت الراهن”، مشيراً في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن هناك تنسيقاً عسكرياً بين الطرفين لصد هجمات النظام على محافظة إدلب. وبيّن أن “الحالة الفصائلية بدأت في الآونة الأخيرة بالتقلص في الشمال السوري من خلال ظهور غرفة عمليات حزم، والجبهة السورية للتحرير، ما يعني أن هناك إمكانية للتفاهم بين مختلف الأفرقاء”. غير أن شريفة رأى أن الأمر “يحتاج إلى هندسة على مستوى القيادات، ليتم استبعاد كل الشخصيات غير المرغوب بها في حدود المتاح”، مشيراً إلى أن هذا الأمر في حال حدوثه سيصطدم برفض روسي، مضيفاً: “ربما يستغل الروس هذا الأمر لاستهداف كل المناطق الخارجة عن سيطرة النظام تحت ذريعة محاربة الإرهاب”.
المصدر: العربي الجديد