منهل باريش
ارتفعت وتيرة هجمات تنظيم «الدولة الإسلامية» ضد قوات النظام والميليشيات الإيرانية مرة جديدة بعد تراجعها الأسبوع الأول من شهر تشرين الأول (أكتوبر) ارتفعت في الأسبوع الثاني من الشهر. ويلحظ المتابع عدم تطابق بين نشرة التنظيم الأسبوعية المسماة «حصاد الأجناد» والتي تصدرها وكالة «نبأ» الناطقة باسم التنظيم على شكل انفوغرافيك، وتتصدر ولايتا «خراسان» و»غرب أفريقيا» صدارة الهجمات التي يشنها مقاتلو «الدولة الإسلامية» فيما تتنازع «ولاية العراق» و»ولاية وسط أفريقيا» المركز الثالث في عدد الهجمات. وتتركز عمليات العراق في ولايات الأنبار وديالي ودجلة، ونينوى وصلاح الدين وكركوك.
وتحتل سوريا ممثلة بولاية الشام مركزا متأخرا في لائحة الإعلان لدى التنظيم، حتى انها تغيب في بعض الأسابيع.
على الأرض، ترصد «القدس العربي» وقوع هجمات في البادية السورية تهمل في دفاتر التنظيم، ويشير ذلك إلى تعدد الخلايا المنتشرة وبدائية التواصل التي يفضلها التنظيم حرصا منه على حماية الخلايا، وهو ما قد يؤخر الإعلان ويجعل تبني الهجمات يتأخر وقت طويلاً. حيث تنشر صفحات النظام والميليشيات الموالية له أعداد القتلى وصورهم، وهو أيضا حال رفاقهم الذين ينشرون صورهم فخرا، مصحوبة مع نعواتهم.
اللافت، أن إعلام «الدولة الإسلامية» المركزي الممثل بوكالة «نبأ» لا يعتمد بحال من الأحوال على إعلام أعدائه، فلا ينسب خبرا من الأخبار لنفسه حين وقوعه، بل ينتظر وصول الخبر من الخلايا المنتشرة في بوادي المحافظات السورية متأخرا في كثير من الأحيان.
على سبيل المثال، لم يتبن التنظيم مقتل ستة مقاتلين في ميليشيا «لواء القدس» الفلسطيني في جبل العمور شمال مدينة تدمر، بتاريخ 25 أيلول (سبتمبر) الماضي (تحققت القدس العربي من صحة الهجوم) في حين نعى اللواء ستة مقاتلين ذاكرا أسمائهم وصورهم في اليوم التالي. وجبل العمور منطقة نشاط للتنظيم، قريبة من مواقع نفطية وغازية، حصلت موسكو على عقود تشغيلها، واكتفى التنظيم بإعلانه تبني خمس عمليات له خلال ذلك الأسبوع في ولاية «الخير» (دير الزور).
كذلك، هاجم التنظيم نقاطا لقوات النظام بمحيط الرصافة، جنوب غرب الرقة، أوقع عددا من القتلى، فيما اعترفت وسائل إعلام تابعة للنظام بتعرض النقاط لهجوم عنيف استمر عدة ساعات، ما استدعى تدخل الطيران الحربي الروسي لقصف مواقع المهاجمين، والتخفيف عن قوات النمر ولواء القدس المدعومين من روسيا، وخشية من تطور الهجوم وإطباق مقاتلو «التنظيم» على تلك القوات، وهو ما كان سيشكل مقتلة كبيرة للقوات التابعة لروسيا. ولم تكتف القاذفات الروسية بقصف المنطقة، بل قصفت الطرق الواصلة لها من منطقة السخنة والتي تعبر طرق الإمداد باتجاه عمق البادية.
ويركز التنظيم نشاطه في منطقة شرق الفرات الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية «قسد» ونفوذ «قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش» الذي تقوده أمريكا. ويعتبر مقاتلي وحدات «حماية الشعب» الكردية الهدف الأبرز لمقاتلي تنظيم «الدولة». كذلك يعتبر التنظيم كل العاملين والمتعاونين مع المجلس المدني في دير الزور أهدافا مشروعة، ويهدف إلى إنهاء إشراك العرب السنة في العملية السياسية متمثلة بالانخراط في مؤسسات الإدارة الذاتية، أو الجناح الحوكمي لقوات سوريا الديمقراطية.
إلى ذلك، يركز تنظيم «الدولة» هجماته على الطرق الرئيسية، خصوصا طريق تدمر- دير الزور، وطريق اثرية- خناصر. وهما الطريقان اللذان يربطان محافظات دير الزور وحمص وحماة وإدلب وحلب والرقة ببعضها. وهو ما يجعل قوات النظام والميليشيات في حالة استنفار دائم لحماية الطريقين والطرق الفرعية الواصلة إليهما، ويستنزف موارد النظام البشرية والمادية في حماية الطرق ومنع قطعه أو التعرض له.
في المقابل، يتمكن التنظيم بشن هجمات قوية للغاية ضد أرتال وتعزيزات النظام على تلك الطرق، كما حصل نهاية العام الماضي، عندما أوقع أكثر من خمسين قتيلا من قوات الفرقة الرابعة التي يقودها العميد ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري. شكل ذلك الهجوم إحباطا واسعا في حاضنة النظام السوري، وشكك في مقولة انتصاره وقضائه على التنظيم. كما تعرضت صهاريج النفط التابعة لشركة القاطرجي إلى هجمات عدة أدت إلى حرقها وحالت دون وصولها إلى مصفاة حمص، وزادت من عجز النظام في تأمين المحروقات في مناطق سيطرته. وتتعرض صهاريج النفط الإيرانية الآتية من العراق إلى هجمات مماثلة على طريق دير الزور- تدمر وتكلف جهدا واضحا من الميليشيات الإيرانية واستنفارا كاملا على الطريق حتى تتجاوز مدينة تدمر وتصبح أكثر أمنا عندما تتجه إلى مدينة حمص.
وسمحت انشغالات النظام في الهجوم على ريف حماة الشمالي وإدلب العامين الماضيين لتنظيم «الدولة» بنقل مزيد من المقاتلين المتوزعين على الولايات الأمنية، سواء في إدلب أو ريف حلب الشمالي، إلى البادية السورية، أو عودة بعض مقاتلي دير الزور إلى مناطقهم، بعد تشكل الظرف الملائم، ونشاط الخلايا التي لم تغادر دير الزور أساسا. وساهمت عودة المقاتلين السابقين في تحول بنية التنظيم من خلايا سرية الى جماعات معلنة بشكل أو آخر، تقوم بجمع «الزكاة» في مناطق شرق الفرات، وتحذر علنا من التعاون مع «قسد» وتقتل المشتبه بمن يتصلون بجهاز الأمن الداخلي في الوحدات الكردية ـ المعروفين باسم «أسايش» وتعلق بعض من تقتلهم على أعمدة الكهرباء.
بالتأكيد، فإن نشاط التنظيم لا يقتصر على البادية السورية وشرق الفرات، بل يقوم بعمليات أمنية كبيرة في منطقة «درع الفرات» التي تسيطر عليها فصائل المعارضة والجيش التركي، ويتجه التنظيم إلى استهداف العاملين في قطاع قوى الأمن والشرطة، باعتبارهم ألد أعداء التنظيم حيث يتابع الأخيرون خلايا التنظيم بشكل دائم. وتعتبر مدينة الباب مركز نشاط التنظيم هناك ـ باعتبارها مركز عمل التنظيم سابقا في ريف حلب الشمالي، ونتيجة أنضواء عدد كبير من شبابها في التنظيم، وعلاقات التزاوج الكبيرة بين نساء المدينة ومقاتلي التنظيم الأجانب والسوريين المنحدرين من مناطق مختلفة.
أخيرا، ان نشاط التنظيم على الأرض أكبر من المعلن من قبله بمرات عدة، خصوصا في سوريا على الأقل، وهو يعني صعوبة في التنبؤ في حركته ونشاطه المستقبلي في الدراسات والتقارير المعتمدة على ما يقوله فقط.
المصدر: القدس العربي