عماد كركص
جاء تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الأول الخميس، حول إدلب شمال غرب سورية، ليعيد هذه القضية إلى دائرة الضوء من جديد، بما يشير إلى تطورات عسكرية قد تشهدها المحافظة ومحيطها في المستقبل القريب، إذ يأتي التصريح اللافت لأردوغان عقب يوم من مجزرة ارتكبها النظام السوري بحق مدنيي أريحا غربي المحافظة، من خلال قصف الأحياء السكنية للمدينة بقذائف المدفعية.
وأكد أردوغان أن بلاده تواصل القيام بما يلزم والرد بالأسلحة الثقيلة على الاعتداءات في إدلب، مشيراً إلى أنه لا يمكنهم ترك الأمور تسير من دون تدخل. وشدد على أنهم لن يقدموا أي تنازلات في سورية، وأنهم سيواصلون اتخاذ كل ما يلزم، خصوصاً في إدلب، مضيفاً أنه في الوقت الحالي تستمر عمليات القوات التركية في بعض النقاط الحساسة في المنطقة، وأن بلاده ستقوم بكل ما هو مطلوب بغض النظر عن الموقف الذي سيتخذه النظام السوري.
ويعتبر هذا التصريح تهديداً مباشرة للنظام بعد سلسلة طويلة من التجاوزات وخرق وقف إطلاق النار المبرم بين موسكو وأنقرة حيال إدلب، إذ أوقعت تلك التجاوزات عشرات الضحايا المدنيين في القرى والبلدات القريبة من خطوط التماس بين قوات المعارضة والجيش التركي من جهة، وقوات النظام والمليشيات المدعومة من روسيا وإيران من جهة أخرى. ويبدو أن أردوغان بات في طور توجيه الرسائل الأخيرة نحو موسكو لوضع النظام عند حده، قبل اللجوء إلى خيارات ردعية، ربما يكون من بينها شنّ عمل عسكري جديد في إدلب، للقضاء على طموحات النظام بالتمدد أكثر في إدلب و”منطقة خفض التصعيد الرابعة” عموماً، وإبعاد خطر الاستهدافات المتكررة، سواء للمدنيين أو حتى لقوات المعارضة والجيش التركي المنتشرين في عموم إدلب ومحيطها.
بالتوازي مع ذلك، كان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، وهو المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا، يعرض الوساطة بغية تفادي إطلاق تركيا عملية عسكرية جديدة في سورية، مؤكداً، في تصريح الخميس الماضي، أن “موسكو تعارض تجدد أي أعمال قتالية”. ولفت بوغدانوف إلى “وجود صيغ قد أكدت فعاليتها للتشاور والتنسيق واتصالات سياسية وعسكرية بين موسكو وأنقرة”، مضيفاً أن “روسيا وتركيا، وكذلك إيران ضمن إطار صيغة (أستانة) تتحمل المسؤولية عن ضمان سريان نظام وقف إطلاق النار في عموم الأراضي السورية، بما يشمل كافة مكونات هذا الوضع”.
وحول احتمالية ما ستقوم به تركيا في إدلب، رأى الصحافي والمحلل السياسي التركي، هشام غوناي، أن أي عملية عسكرية جديدة في إدلب من دون غطاء جوي من سلاح الجو التركي، ستبوء بالفشل، كون الأمر مخاطرة كبيرة للجيش التركي في التدخل فقط بالسلاح الثقيل على الأرض في منطقة حساسة مليئة بالمدنيين. وأضاف غوناي، في حديث مع “العربي الجديد”: “نحن نتحدث عن ملايين النازحين والسكان في إدلب ومحيطها، وأي عملية عسكرية فقط باستخدام السلاح الثقيل ستعرّض هؤلاء للخطر، كما ستعرّض الجيش التركي ذاته للخطر في حال لم يكن هناك غطاء جوي لهذه العملية التي يخطط لها أردوغان، بحسب تصريحاته، بأن تكون برية النطاق”. وأشار غوناي إلى أن تصريحات أردوغان في هذا الجانب، هي تحذير للأطراف ودفعهم للجلوس على طاولة الحوار مع المعارضة وتركيا، لحل مسألة إدلب بالطريقة الدبلوماسية، منوهاً إلى أن “أي عمل عسكري ستكون له نتائج خطيرة، وهذه النتائج ستضر ليس فقط بتركيا وإنما بالمدنيين في إدلب، كما ستخلّف أي معركة موجة نزوح جديدة وكبيرة، وتركيا ليست جاهزة لتحمّل استقبال الآلاف من اللاجئين الجدد”.
من جهته، رأى القيادي السابق في المعارضة السورية، العميد فاتح حسون، أن “الرد التركي ليس بالضرورة أن يكون موجهاً ضد روسيا بشكل مباشر، فقواتها في سورية غالباً ما تقوم بالرد المدفعي على مصادر النيران التي تستهدف بعض المناطق القريبة من قواعدها في سورية التي تنفذها قوات نظام الأسد والمليشيات الإيرانية المساندة لها”. وأضاف، في حديث مع “العربي الجديد”: “قد يكون هناك رد غير مباشر ضد الطيران الروسي، منها استخدام وسائط الحرب الإلكترونية والتشويش لحماية قواعدها، وقد تكون هناك ردود بدعم قوات الجيش الوطني والجبهة الوطنية لتنفيذ معارك هجومية ضد قوات الأسد تحتاج لإمداد كبير، ويمكنها كذلك دعم تنفيذ معارك على جبهات هادئة وفي العمق، لكنها ستتحاشى الصدام المباشر مع روسيا، لا سيما أنها تحاشت ذلك عدة مرات. وفي الوقت نفسه تعي روسيا ضرورة عدم استفزاز تركيا للحد الذي يجعلها تخرج عن نطاق التفاهمات والالتزامات، لأنها لو فعلت هذا فلن يكون لصالحها وصالح النظام بالمطلق”. وحول مستقبل إدلب ضمن كل هذه التطورات، رأى حسون أن “إدلب ما زالت تقبع تحت اتفاقية خفض التصعيد التي تختلف طرق المحافظة عليها ومقدار ذلك من وقت إلى وقت. لكن بالمحصلة بقاؤها تحت هذه الاتفاقية هو لمصلحة الجميع، لذا سيطول هذا الوضع حتى يتم حسم ملفات أخرى بين اللاعبين الدوليين”.
ولم يلتزم النظام طوال أكثر من عام ونصف العام على إبرام وقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا في الخامس من مارس/آذار من العام الماضي ببنود الاتفاق، فحاولت قواته، بإسناد من المليشيات المدعومة من روسيا وإيران، التسلل نحو مناطق سيطرة المعارضة على خطوط التماس، بالإضافة إلى عمليات القصف شبه اليومية بالمدفعية الثقيلة، حتى بات الطيران الروسي أخيراً يشارك في عملية القصف بعد توقف عقب الأشهر الأولى من الاتفاق. وبات النظام والروس أخيراً يكشفون عن مطامعهم بالتوسع أكثر في إدلب ومحيطها، التي يشار إليها بمنطقة “خفض التصعيد الرابعة”، والتي تضم كامل محافظة إدلب وأجزاء من أرياف حماة الشمالية والغربية وحلب الجنوبية والغربية، وريف اللاذقية الشرقية، بذريعة عدم التزام أنقرة بتطبيق التفاهمات بينها وبين موسكو، ولا سيما إزالة خطر المجموعات الراديكالية وفتح الطرقات لتسهيل حركة التجارة، فيما تربط أنقرة تطبيق التفاهمات في إدلب بأخرى تتعلق في مناطق شمال وشرق سورية، حيث السيطرة الكردية التي تؤرق تركيا على حدودها الجنوبية.
المصدر: العربي الجديد