منى عبد الفتاح
علق رئيس المجلس العسكري السوداني، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، جزئياً العمل بالوثيقة الدستورية. وتعد المواد التي تم تجميدها في الوثيقة الدستورية هي المواد المتعلقة بالشراكة بين العسكريين وقوى إعلان الحرية والتغيير، ومنها المادة 11 المتعلقة باختصاصات مجلس السيادة الانتقالي وسلطاته واختصاصاته، والمادة 12 المتعلقة بشروط عضوية مجلس السيادة، والمادة 15 المتعلقة باختصاصات وسلطات مجلس الوزراء، والمادة 16 المتعلقة بشروط عضوية مجلس الوزراء. أما المادة 24 المتعلقة باختصاصات المجلس التشريعي الانتقالي وسلطاته ومدته، فمنها علق فقط البند 3، وينص على “إلى حين تشكيل المجلس التشريعي تؤول سلطات المجلس لأعضاء مجلسي السيادة والوزراء يمارسونها في اجتماع مشترك، وتتخذ قراراته بالتوافق أو بأغلبية ثلثي الأعضاء”.
كما علق العمل بالمادة 71 التي تنص على “استمدت أحكام هذه الوثيقة الدستورية من الاتفاق السياسي لهياكل الحكم في الفترة الانتقالية الموقع عليها بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي، وفي حالة تعارض أي من أحكامهما تسود أحكام هذه الوثيقة”. والمادة 72 التي تنص على “يحل المجلس العسكري الانتقالي بأداء القسم الدستوري من قبل أعضاء مجلس السيادة”.
خطوط حمراء
قال الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية، اللواء ركن أمين إسماعيل مجذوب، إن “الطوارئ هي حالة استثنائية تطبق عندما يتم التعدي على الخطوط الحمراء للأمن القومي السوداني، ومن ضمن الإجراءات لذلك تعليق الوثيقة الدستورية”.
وأضاف أن “هذه الخطوة أتت بعد الحرب الكلامية بين المكونين المدني والعسكري على أثر المحاولة الانقلابية الفاشلة. وأن القيادة العسكرية أكدت التقيد بما ورد في بيان القائد العام للجيش بشأن هياكل الحكم ولجنة التفكيك ولجنة فض اعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة، وبالتالي فإن تعليق هذه المواد يجعل الوثيقة الدستورية غير مستوفية الشروط لإكمال الفترة الانتقالية”.
وأكد مجذوب أنه يتوقع أن “تصدر قرارات الثلاثاء لإكمال هذه الهياكل التي تم حلها وتشكيل الحكومة المرتقبة من كفاءات وطنية، وتحديد شكل رأس الدولة هل هو رئيس جمهورية أم مجلس عسكري أم مجلس سيادي، لأن ذلك مرتبط بتكوين الحكومة الجديدة التي ستتبع لرأس الدولة أياً كان شكله”. وأضاف أنه “نظراً إلى تحديد توقيت الانتخابات في يوليو (تموز) 2023، تعهد الفريق البرهان بإنشاء مفوضية الانتخابات ومفوضية الفساد، إضافة إلى المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية والمحكمة العليا ومجلس القضاء ومجلس النيابة، وذلك قبل نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2021”.
تأثيرات التعليق
قال إن “تطمين الرأي العام يتم عبر تأكيد الرأي الديمقراطي وتسليم السلطة إلى حكومة مدنية، مع مراعاة وجود القوات المسلحة بشكل ما في السلطة للحفاظ على الأمن القومي السوداني من المهددات والتحديات التي تجابهه”.
أما عن تأثيرات تعليق الوثيقة الدستورية، فأوضح أن “هناك تأثيرات قصيرة المدى وهي قيام عصيان مدني أو إضراب عن العمل ما سيؤثر في الاقتصاد السوداني والأمن الإنساني. وربما تتجلى التأثيرات على المدى البعيد في إعادة إنتاج حراك من القوى الثورية والأحزاب التي تم اعتقال قياداتها، مما يؤدي إلى اضطرابات جديدة قد تطيح الحكومة الجديدة”.
وبالنسبة إلى توقعات اتساع رقعة المشاركة السياسية بعد تعليق الوثيقة الدستورية، أوضح أن “مشاركة الأحزاب والقوى السياسية الواسعة، تحتاج إلى وجود حاضنة سياسية جديدة، لكن من المبكر الحكم على شكلها وعناصرها”.
هياكل دستورية
قال المتخصص القانوني السوداني، أحمد كمال الدين، إن المواد التي ألغيت لها علاقة بالهياكل الدستورية، ما يعني فض الشراكة رسمياً، وأن المجلس العسكري الذي يقود الانقلاب ستؤول إليه كل المسؤولية.
وأوضح كمال الدين أن “هناك قرارات يتم التوصية بها من قبل مجلس الوزراء والتعيين يكون من مجلس السيادة أو مشاركة بين الطرفين، لكن بعد التعليق لا وجود للمؤسستين، بل مجلس عسكري قام بالانقلاب ويرأسه البرهان”.
وأضاف “إلغاء المادة 70 وهي سياسية تتحدث عن أن الوثيقة الدستورية هي خلاصة الاتفاق بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري يعني أن الشراكة انفضت، وهو إلغاء سياسي أكثر من كونه قانونياً بطريقة غير مباشرة. الآن أصبحت الوثيقة الدستورية مجرد شيء مكتوب من دون أي مرجعية”.
وقال إن “الانقلاب والبيان المرافق اتسما بالعجلة والسرعة، واتضح ذلك في عبارة (الإبقاء على الوثيقة الدستورية بتمامها)، ولا أعتقد أن ذلك هو المقصود، بل ستستبعد المواد الملغية”، مشيراً إلى أن أهم المواد الباقية هي “وثيقة الحريات التي كانت موجودة في دستور 2005 الانتقالي، فأخطر ما يمكن أن يقدم عليه شخص هو إلغاؤها”.
ليست مدنية
أوضح فتح الرحمن الأمين، أستاذ العلوم السياسية في جامعة النيلين، أن “تعليق الوثيقة الدستورية هو انقلاب عسكري واضح المعالم، عبر حل المؤسسات مثل مجلس السيادة ومجلس الوزراء واختصاصاته، وانتهاك المهام المتعلقة بالوثيقة الدستورية، على الرغم من أنها كانت تعبر عن اتفاق مدني عسكري ورعاية الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي”.
وأضاف أن “الفريق البرهان تحدث في بيانه بصفته قائداً للجيش وليس رئيس مجلس السيادة لأنه حل نفسه والآخرين، ووضع البلاد تحت حكم عسكري يمتد إلى يوليو 2023 مع انتهاء الفترة الانتقالية وإجراء الانتخابات”.
وفي حين تحدث البرهان عن تشكيل حكومة كفاءات، يتساءل الأمين “من الذي سيشكلها بعد أن تم إبعاد قوى الحرية والتغيير؟ وبالتالي ستصبح الفترة المقبلة فترة عسكرية وحكماً عسكرياً وليس شيئاً آخر”.
وأضاف “تشكيل حكومة جديدة لن يلغي فكرة الانقلاب، وهذا ما يحدث في كل الإدارات العسكرية التي تعين حكومات مدنية تحت إمرتها. وإذا افترضنا أنه سيتم تشكيلها بتوافق مع قوى الحرية والتغيير، فإن نتائج الوضع الحالي تستبعد هذا المنطق”.
وذكر أن “الشيء المهم الذي لم يراعه البرهان، هو وضع السودان تحت البند السادس وتكوين بعثة سياسية مهمتها الإصلاح القانوني والدستوري وتهيئة البلاد للانتخابات وضمان الحريات وحقوق الإنسان. هذه الولاية والاختصاصات التي أقرها مجلس الأمن، ينسفها ما حدث”.
وتابع “الانقلاب هو انتهاك لرعاية الاتحاد الأفريقي الحكومة الانتقالية بالمكونين العسكري والمدني معاً، وخروج على قراره بشكل واضح”.
سيناريوهات سوداوية
قال الأمين “من يرفض الانقلاب العسكري، يفعل ذلك باعتبار السيناريوهات المقبلة ستكون سوداوية، لأن أغلبية مؤيدي الحكم الديمقراطي هم من الشباب وتعودوا على تكتيكات المقاومة، وتعرضوا من قبل لحادثة فض الاعتصام ولم تثنهم الإجراءات التي اتخذت. التعويل الآن على القناعة الشعبية التي هي بحاجة إلى حكم مدني، وهذه هي الفرصة الوحيدة للخروج من كل الأزمات”.
ورأى الأمين أن أي خلاف حول الوثيقة الدستورية ينبغي أن يعالج بآليات دستورية، لأن الوثيقة هي نتاج تطورات عديدة بدأت أولاً بإعلان قوى الحرية والتغيير في يناير (كانون الثاني) 2019، ثم طورت إلى إعلان سياسي تم التوقيع عليه بعد إطاحة عمر البشير، وتحولت إلى الوثيقة الدستورية، ثم طورت بعد توقيع اتفاق جوبا للسلام في 3 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، لاستيعاب حركات الكفاح المسلح الموقعة عليه. وبالتالي الأزمة في جوهرها سياسية ولا تحل إلا عبر المؤسسات السياسية، وإقحام الجيش نفسه في الأزمة حولها إلى أزمة بين تيارين، بينما عبر عنها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك أنها ليست بين العسكر والمدنيين ولكنها بين داعمي ورافضي التحول الديمقراطي.
المصدر: اندبندنت عربية