فنسنت كيبل
الوقت يتسع لإنقاذه ومطلوب تعاون الدول الأربع الأكثر مسؤولية عن غازات الاحتباس الحراري. بات افتتاح [“مؤتمر الأمم المتحدة عن تغير المناخ”] “كوب 26” وشيكاً بعد أسابيع من الضخ الإعلامي تمهيداً لانطلاقه. وفيما أطلّ [الناشط البيئي السير] ديفيد أتنبوره من شاشات التلفزة بشكل منتظم، شاركت الملكة نفسها عبر مقطع صوتي عن ذلك العنوان. وإذا سمح أولئك المضربون عن العمل في غلاسكو ومتظاهرو حركة “تمرد الانقراض”، فإن الأحاديث الجادة التي من المقرر أن تستغرق أسبوعين، ستبدأ في غضون 15 يوماً.
لقد أخبرنا أن “هذه هي الفرصة الأخيرة لإنقاذ العالم”، أو بحسب وصف بوريس حونسون، ذلك المؤتمر في الأمم المتحدة، أنه “نقطة تحول للبشرية”. وإذا وضعنا المبالغات جانباً، فإن هذا حدث مهم يشارك فيه نحو 100 رئيس حكومة إلى جانب شركات ومجموعات ناشطة [في مجال البيئة]. وسيقيس المؤتمر مدى الجدية الجماعية للحكومات في وضع سياسات من شأنها خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى مستويات تكون منسجمة مع الارتفاع العالمي في حرارة كوكب الأرض، الذي يجب أن يبلغ 1.5 درجة مئوية كحد أقصى في نهاية القرن الحالي.
ما هو الشيء الذي يمكن اعتباره نجاحاً؟ وما الفشل؟ سيدّعي جونسون أن “كوب 26” انتصار، بصرف النظر عما يحدث في الواقع، إذ سيقول، “لقد أنقذنا العالم”، كذلك ستعلن غريتا ثونبرغ ومجموعات بيئية متعددة فشل المؤتمر ما لم يتفق المشاركون فيه على أمر جذري. وسيورد أولئك النشطاء، أن ما أقر “قليل جداً، ومتأخر تماماً”. وسيصدر بيان بصيغة رسمية لا سبيل إلى فهمها كتلك التي تستعملها منظمة الأمم المتحدة، مبيناً أن كلا الرأيين على حق، بالتالي، سيكون تقييم النجاح صعباً. وستتركز النقاشات على الأهداف التي يتوجب إنجازها من أجل تحقيق تخفيضات طموحة في الانبعاثات مع حلول 2030، والوصول إلى صافي صفر في الانبعاثات بشكل كامل على مستوى العالم مع حلول 2050. سيتعين على المؤتمر أن يملك خططاً وطنية، تسمى NDCs [المساهمات المحددة وطنياً]، تتمتع بمستويات متفاوتة من المصداقية، بيد أن قلة من المشاركين اليوم سيكونون في مناصبهم كي يتعرضوا للمحاسبة إذا فشلوا. وسيعتمد النجاح على نهوض من سيحلون محلهم بتنفيذ الرؤية التي وضعوها هم.
واستطراداً، سيتمثل أحد المعايير الأساسية في المشاركة البناءة للدول الأربع الكبيرة في نفث غازات الاحتباس الحراري. وتشمل الدول الأربع الكبيرة في التلوث، الصين (المسؤولة عن نفث نحو 28 في المئة من الإجمالي العالمي في غازات الاحتباس الحراري)، والولايات المتحدة (نحو 15 في المئة)، والهند (7 في المئة)، وروسيا (بين 5 و6 في المئة)، بالتالي تتحمل الدول الأربع المسؤولية معاً عن 60 في المئة من إجمالي انبعاثات غازات التلوث، مع وجود مساهمات كبيرة من الاتحاد الأوروبي الذي تعامل دوله كلها معاً كجهة واحدة (8 في المئة). ويضاف إلى ذلك مساهمات غير مباشرة من المصدرين الرئيسين للهيدروكربونات، على غرار السعودية (نفط)، وأستراليا (فحم حجري وغاز).
ووفق ما أشارت إليه الهند والصين بشكل قوي، فإن مساهماتهما التراكمية [مجموع الغازات المنطلقة من الدولتين منذ بداية عصر الصناعة]، وانبعاثات الغاز لديهما للفرد الواحد، أقل بكثير من تلك الخاصة بالدول المتطورة الرئيسة، بالتالي يتوجب أن تكون التزاماتهما الأخلاقية أكثر ضآلة [بالمقارنة مع الدول المتطورة]. وفي المقابل، تعتبر مساهمتهما حاسمة، حينما ننظر إلى المراحل المقبلة.
وإذا شكلت مساهمات “الأربع الكبار” معياراً للنجاح، فإن “كوب 26” آخذ في التبلور كفشل خطير، إذ لم يوافق من بين زعماء “الأربع”، سوى الرئيس الأميركي، وربما رئيس وزراء الهند، على أن المؤتمر يستحق أن يحضروه.
واستكمالاً، سيحضر الرئيسان جو بايدن وباراك أوباما ذلك المؤتمر من أجل الترويج بقوة لموقف القيادة الأميركية الحالية، بعد أن قلبت رأساً على عقب رفض دونالد ترمب قبول أي مسؤولية لبلاده عن أزمة المناخ. وسيتباهى كل منهما [بايدن وترمب] بهدف أميركي طموح يتمثل في خفض الانبعاثات بنحو 50 في المئة مع حلول 2030 بناءً على التقدم الذي تحقق فعلاً في ولايات على غرار كاليفورنيا.
في المقابل، ثمة مشكلة تتمثل في الكونغرس، إذ تعتمد خطط إدارة بايدن على موافقة مجلس النواب تمرير مشروعي قانونين لا يبدو إقرارهما مضموناً. وقد أدت الأغلبية الديمقراطية الضئيلة للغاية في مجلس الشيوخ إلى جعل “برنامج أداء الطاقة النظيفة” أقل تأثيراً، مع إعراب السيناتور جو ماشين من ولاية “ويست فيرجينيا”، فعلاً عن معارضته له. ولا بأس في ذلك، مع أنه قد ثبت أن الولاية التي يمثلها مانشين تعد الأكثر تأثراً بالفيضانات الناجمة عن أزمة المناخ. إنه قصر النظر في السياسة الأميركية.
وإذا جرت المصادقة على مشروعي القانونين، ستكون الإعفاءات الضريبية السخية للطاقة المتجددة، المعيار الرئيس المتبقي. ومع هذا، سيجري استبعاد التدابير الحاسمة الهادفة إلى إجبار مرافق الخدمات العامة على الحد من إحراق الوقود والفحم والغاز، والانتقال إلى استخدام طاقات الشمس والرياح والمفاعلات النووية. كذلك أعلن الرئيس الأميركي عن مساعدات مناخية سخية للدول الأكثر فقراً، ولكن تلك المعونات ستكون، مرة أخرى، مرهونة بموافقة الكونغرس.
في المقابل، لا يتوجب على الرئيس فلاديمير بوتين أن يقلق بشأن وجود مشرعين محرجين. ومن الناحية النظرية، فإن روسيا ملتزمة بشكل عام بأن تخفض انبعاثاتها بـ70 في المئة من مستوياتها الحالية، قبل حلول 2030 وتصفير الانبعاثات مع حلول 2060. من ناحية أخرى، يتمثل الهم الأكبر بالنسبة إلى روسيا في أن النفط والغاز يشكلان العمود الفقري للاقتصاد الروسي. ولا يُبدي بوتين أي علامة تدل على تبني فكرة التخلي عن الهيدروكربونات، لأنها تعني انتحاراً سياسياً واقتصادياً. ويعفي بوتين نفسه من حضور “كوب 26” بسبب “مخاطر كوفيد”.
واستطراداً، تشكل مخاطر كورونا أحد العوامل الكامنة وراء الغياب المتوقع للرئيس شي جينبينغ. وهناك آخرون أيضاً، إذ تعتمد الصين اعتماداً كبيراً على الفحم الحجري، لتوفير نحو 70 في المئة من إمدادات الطاقة لديها. وكذلك تكافح من أجل التوفيق بين تعهداتها البيئية التي تقضي بوقف تنامي حجم الانبعاثات مع الوصول إلى سنة 2060، وبين أهداف أخرى. وتشمل تلك الأهداف، أولاً، تعزيز النمو الاقتصادي الذي يقوده الفحم الحجري على الرغم من النقص في الطاقة حالياً، وثانياً، الحفاظ على أمن الطاقة التي يوفرها الفحم الحجري. وفي الجانب الإيجابي، وافقت الصين على أن تضع حداً لتمويل محطات الطاقة التي تعمل على الفحم الحجري في الخارج، إضافة إلى أنها عاكفة على طرح تسعير الكربون في البلاد. في المقابل، تقلق بكين من أن تصبح خضراء جداً في وقت سابق لأوانه تماماً.
في سياق متصل، تبرز المسائل الجيوسياسة التي تتجلى في التوتر المتنامي بين الصين والولايات المتحدة وحلفائها، إذ لن ترغب الصين بمنح فوز دعائي على طبق من ذهب لبريطانيا والولايات المتحدة من خلال المساعدة في إنجاح القمة، غير أنه يتوجب عليها أيضاً أن توازن حساباتها التكتيكية على أساس الطموحات الاستراتيجية، كي تكون رائدة عالمياً في مجال تغير المناخ، ومصدرة للسيارات الكهربائية وألواح الطاقة الشمسية. ومن المحتمل أن تفعل الصين ما يكفي في “كوب 26” لتفادي تصويرها على أنها دولة مفسدة، في الوقت الذي تخبئ فيه مقترحات جادة لحدث مقبل يجري في مكان أكثر ودية.
وإذا بقي الوفد الصيني إلى حد بعيد متفرجاً سلبياً في غلاسكو، فإن ذلك سيوفر غطاءً لمشاركين آخرين كالسعودية، وأستراليا، والبرازيل، والهند. ومثلاً، لا تعتبر الهند أنها تتحمل نصيباً كبيراً من المسؤولية عن خفض الانبعاثات، باعتبارها لا تزال دولة تنمو وتعتمد بشكل كبير على الفحم، إضافة إلى عملها على توسيع عمليات توليد الطاقة التي تعتمد على الفحم. وسيظهر رئيس وزراء الهندي ناريندرا مودي، شأنه شأن بقية أعضاء “الفريق المحرج”، لالتقاط صور فوتوغرافية والاشتراك في كلمات ممجوجة، وأكثر من ذلك بقليل.
واستكمالاً، إذا فشل مؤتمر “كوب 26″، فسيكون ذلك بفعل رفض صاخب من قبل أولئك الذين لا يريدون الاشتراك في معالجة قضية التغير المناخي، إذ ستحدث تداعيات في الدولة المضيفة. وستوجه أصابع الاتهام، وتطرح تساؤلات عما كان يفعله جونسون حين برزت الحاجة إلى دبلوماسية ليّ الذراع؟ وأين كانت “بريطانيا العالمية” حينما جرى تقليص برنامج مساعداتها؟ في المقابل، من المرجح ألا يقلق رئيس الوزراء بشكل يؤرقه، بسبب إمكانية التعرض للتوبيخ على يدي إد ميلباند [من حزب العمال] وكارولين لوكاس [من حزب الخضر]، إذ سيواصل جونسون الادعاء بأنه أنقذ العالم، ولعله على الأرجح يصدق نصيحة دومينيك كامينغز المزعومة بأن ناخبي “الجدار الأحمر” [إشارة إلى مناطق التأييد القوي للمحافظين] لا يهتمون كثيراً بذلك [بالتغير المناخي]، على كل حال.
في سياق مُوازٍ، يتمثل الضرر المحلي الأعمق والأكثر خبثاً في ممارسة مزيد من الإحجام عن أخذ قرارات غير مستساغة سياسياً من شأنها أن تؤثر على الانتقال على المدى الطويل إلى اقتصاد خالٍ من الكربون. وفعلياً، قدمت المراجعة الصفرية لوزارة المالية، ذخيرة للمتشككين. وقد أشارت تحليلاتها إلى أن تكاليف إزالة الكربون ستكون أكبر الفوائد الاقتصادية المتأتية عن تلك الخطوة، إذ ستتعرض الإيرادات الحكومية لضربة كبيرة جراء خسارة ضريبة الوقود، وإحلال ضرائب جديدة غير محددة وغير شعبية محلها. وكذلك يعزز فشل برامج إزالة الكربون من المنازل شعور البعض بأن “الأمر في غاية الصعوبة”.
من جهة أخرى، ثمة نتيجة أكثر تفاؤلاً تتأتى من كون التقلبات السياسية صعوداً وهبوطاً في بلاد طرفية تضم 1 في المئة من سكان العالم وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، هي تقلبات ليست مهمة حقاً. وكذلك فإن المهرجانات العالمية المليئة بالضجيج هي إلى حد بعيد، عديمة الصلة بالتغييرات الهيكيلية الكبيرة الضرورية التي تحدث فعلاً. لقد شرع عالم الشركات فعلياً في ثورة تكنولوجية خضراء لها زخم حقيقي. وكذلك تتخلى المؤسسات المالية عن الاستثمار في الهيدروكربونات لأنها تهدد ميزانياتها، وليس ضمائرها.
وكخلاصة، يقود القوتان الأعظم، على الرغم من كل خلافاتهما، أشخاص يتبعون الطرق العلمية. ولا يزال هنالك إمكانية معقولة في تجنب الكارثة، شريطة قبول الصين والولايات المتحدة بأن أزمة المناخ تتجاوز التنافس الجيوسياسي، من حيث الأهمية.
السير فينس كيبل هو الزعيم الأسبق لحزب الديمقراطيين الأحرار، وقد خدم كوزير للأعمال والابتكار والمهارات بين عامي 2010 و2015
© The Independent
المصدر: اندبندنت عربية