أحمد مظهر سعدو
يتعين نجاح المفاوضات، أية مفاوضات بتوفر عدة شروط، تفضي بالضرورة إلى احتمالات الوصول نحو نتائج إيجابية، قد لا تكون مكتملة، لكنها بكل تأكيد تؤسس لما يمكن أن يبنى عليها، وتكون بمثابة أرضية ناجزة لتوفر البيئة الخصبة وصولًا إلى مخرجات جدية وحقيقية.
كل ذلك كان غائبًا في سياق الدورة السادسة لاجتماعات اللجنة الدستورية، التي انفضت اجتماعاتها في جنيف مؤخرًا دون الوصول إلى أية نقاط التقاء أو أساسات يمكن أن يُبنى عليها، ويبدو أن النظرة الموضوعية العاقلة باتت تقول إن كل الشروط الواجب توفرها في هذه المفاوضات الماراتونية بين طرف المعارضة بشقيها (المجتمع المدني) وتراكيب وتنوع المعارضة السياسية بواسع طيفها، في مواجهة طرف النظام الموحد بتسميتيه أيضًا، إذ كيف لمفاوضات أن تنجح إن لم تكن هناك إرادة دولية ضاغطة وراعية وجدية في الدفع نحو تحقيق منجز ما، والراعي الأساسي الروسي ومخترع فكرة اللجنة الدستورية كان قد أتى به تهربًا وتجميدًا فعليًا لمسار جنيف التفاوضي الأساسي الذي أنتجه المجتمع الدولي وفق قراراته، والذي استطاع أي الاتحاد الروسي باختراعه لفكرة اللجنة الدستورية أن يركن مسار جنيف بقضه وقضيضه على الرف، ويجمده كلية، أمام صمت مطبق من الإدارة الأميركية السابقة والحالية، وما يمكن تسميته بالمجتمع الدولي برمته.
كما أن الشرط الآخر لنجاح المفاوضات ليس متوفرًا، حيث لابد أن تمتاز المفاوضات بالندية بين الطرفين، والندية ترتكز إلى القوة العسكرية والسياسية التي لم تعد متوفرة هي الأخرى بعد أن تمكن نظام الأسد عبر الدعم الروسي منذ أواخر شهر أيلول / سبتمبر 2015 أن يقضم معظم الأراضي والجغرافيا التي كانت تسيطر عليها المعارضة السورية المسلحة. علاوة على أن شرط امتلاك القرار التفاضي هو الآخر ليس متوفرًا لدى المعارضة السورية، ولا مع وفد النظام، فالأولى وضعت كل بيضها في سلة الخارج، وبات القرار السوري المعارض جله ليس بيدها، ومن ثم فهي لا تملك حتى إمكانية الانسحاب من اجتماعات التفاوض، فيما لو قررت ذلك في لحظة زمنية ما، وهو ما أحرجها كثيرًا أما جماهير الشعب السوري في الشمال، إذ بينما يقوم وفد المعارضة بحضور اجتماعات تفاوضية مع نظام الأسد، كان جيش النظام وداعميه يقومون بارتكاب أبشع أنواع القتل والمجازر بحق المدنيين الآمنين في مدينة أريحا وجبل الزاوية وسرمدا القريبة من الحدود التركية.
تصريحات نظام الأسد المتكررة كانت تؤكد أيضًا على أن وفدها للتفاوض لا يمثل رأي الدولة السورية
أما الشرط الأهم فهو غير متوفر منذ بدايات تشكيل وفود اللجنة الدستورية، وهو عدم اعتراف نظام الأسد بطرف المعارضة واعتباره وفدًا تركيًا، وأيضًا وفدًا يمثل الإرهابيين المدانين إقليميًا ودوليًا، وهي مسألة بالأساس تنسف أية مفاوضات، وتؤدي إلى عدم الأمل بأي منجز يمكن أن تخرج به عملية التفاوض، فكيف يمكن لمفاوضات أصلاً أن تقوم بظل وجود وفود لا تعترف ببعضها، كما أن تصريحات نظام الأسد المتكررة كانت تؤكد أيضًا على أن وفدها للتفاوض لا يمثل رأي الدولة السورية، وكيف يمكن أن تلتزم الدولة السورية المفترضة بنتائج وفد لا يمثلها.
إضافة إلى أن الشرط العربي الضاغط سابقًا لم يعد متوفرًا ولا موجودا ولا يلوح بالأفق، وهو شرط كان يمكن أن يضع النظام في (خانة اليك) كما يقال، فيما لو بقي ليكون ضاغطًا ومحاصِرًا للنظام، حيث نشهد ومنذ عدة أشهر محاولات بعض أطراف النظام العربي الرسمي مهرولة بعملية متسارعة وواضحة نحو إعادة العلاقة مع نظام الأسد، من أجل عودته إلى الجامعة العربية المعطل وجوده فيها منذ عام 2013، حيث تتحرك الأردن بمبادرتها المعروفة وتواصلها التجاري والسياسي وكذلك دولة الإمارات العربية المتحدة وغيرهما، تهيئة لإدخال النظام من جديد في أتون الجامعة العربية واجتماعاتها.
إذًا وأمام غياب أو تغييب كل تلك الشروط التي يتعين بموجبها نجاح المفاوضات، نكون أمام اجتماعات للجنة الدستورية حتمي فشلها، ومتوقع عدم خروجها بأية نتائج إيجابية، حتى لو ادعى الاتحاد الروسي مؤخرًا بأن ما عوق وصولها إلى نتائج إيجابية كان انفجار باص المبيت العسكري بدمشق، وهو موضوع بات من شبه المؤكد أنه كان ألعوبة مدبرة لغايات في نفس يعقوب، وأنه لم يكن في وارد الروس ولا نظام الأسد ولا إيران بالضرورة الدفع نحو أية إنجازات في هذه الاجتماعات الدورية التي لا تُغني ولا تسمن من جوع، بينما تستمر حالات القتل والمقتلة الأسدية الروسية جارية نحو مزيد من التهجير القسري للسوريين في الشمال، ونحو مزيد من ممارسة سياسة المحرقة الروسية المندمجة في أتون سياسات لنظام الأسد لم يتنازل عنها أبدًا، بل كان الخيار العسكري والأمني هو خياره، وليس هناك أية معطيات ولا مؤشرات تبين أن هذا النظام كان ذاهبًا في يوم من الأيام أي منذ انطلاق ثورة الشعب السوري أواسط آذار / مارس 2011 وحتى الآن، نحو حل سياسي، ولم يكن مقتنعا به أصلًا، وليس من سياساته التي باتت هي الأخرى تابعة وملحقة بسياسات الدول التي استقدمها، من روس ينفذون مصالحهم، ووجود النظام من يحمي هذه المصالح، وإيرانيون أضحوا يتحركون فعليًا في سياق مشروعهم الفارسي الإمبراطوري في المنطقة، وجاء النظام ليحقق لهم ما حلموا به، وليكون النظام أداة مطواعة في أيدي ولاية الفقيه وأدواته من حرس ثوري وميليشيات حزب الله والميليشيات الطائفية الأخرى المستقدمة من العراق وباكستان وأفغانستان وسوى ذلك.
خيبة الأمل التي تحدث عنها (غير بيدرسون) ليست خيبة بمفردها، فهي لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، وهو يدرك تمامًا من يعرقل ومن ليس جديًا في الوصول إلى نتائج أفضل، وهو في تصريحاته تلك يفرغ بعضًا من حمولته التي يختزنها من خلال نتائج جولاته في المنطقة وخبرته مع النظام والروس والإيرانيين، لكن ضميره يفترض أن يحركه ليكون أكثر وضوحًا في إعطاء الأمم المتحدة عبر مطالعته إليها في قادم الأيام ليكشف حقيقة النظام لمن لم يكتشفه بعد، ويضع المجتمع الدولي برمته أمام مسؤولياته إن كان ما يزال يدرك هذه المسؤوليات، ويصمم على عدم السماح لدولة/ نظام الأسد، أن تستمر في ألاعيبها على المجتمع الدولي، وتسويفاتها مشتركة بذلك مع روسيا وإيران، في مسعىً واضح المعالم لعدم التوصل إلى أي حل سلمي، أو تحقيق وتنفيذ لقرارات دولية يفترض أن تكون ملزمة وتحت البند السابع، إذا لزم الأمر، وهو ما لا يبدو أنه في مخيال الدول الكبرى التي تُمسك بمصالحها وفقط، وترى أن هذا النظام وحده من يمكن أن يحقق لها مصالحها حتى لو كان على حساب دماء السوريين، وانتهاك كل القرارات الدولية، وخرق كل التفاهمات والتوافقات الإقليمية.
فهل كانت خيبة أمل للسيد (غير بيدرسون) أم أنها أمل الخيبة، وواقع الانهيار الدولي، في مواجهة آلة القتل والطغيان لنظام الأسد وداعميه من روس وإيرانيين، أم انزياح كُلي سياسي وإنساني عن كل القيم الإنسانية التي أسسها القانون الدولي الإنساني، وأيضًا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكل ذلك مغيب منذ زمن.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا