فؤاد عبد العزيز
تغيب أبسط متطلبات الحياة المعيشية عن أبناء الداخل السوري، من ماء وكهرباء وغاز ووسائل نقل وخبز، فضلا عن غلاء فاحش، وتجمدت الدخول عند مستويات متدنية، ما يضع الكثير من علامات الاستفهام حول قدرة المواطنين على البقاء في ظل ظروف معيشية غير مسبوقة أفرزتها الحرب المستمرة منذ نحو 10 سنوات، بينما يبلغ متوسط الدخل الشهري نحو 70 ألف ليرة (نحو 20 دولاراً).
يقول علاء الحسن، وهو يعمل محاميا ويسكن في أحد أرياف درعا المحاذي للحدود الأردنية، إن الندرة والفقر وغياب أبسط متطلبات الحياة المعيشية، فرضت أنماطاً جديدة مرعبة على حياة السوريين، لكن ما ينقذ الوضع حتى الآن، هو صور التكافل والتكاتف الاجتماعيين، بين أبناء الداخل السوري والمغتربين، مشيراً إلى أن الناس لم تعد تتعامل مع الدولة سوى كحالة استثنائية، أو مكسب إضافي لا أساسي.
ويضرب مثلا من بلدته، التي يبلغ عدد سكانها نحو 15 ألف نسمة، حيث قام مغتربوها، بعمل حملة دائمة، يتكفل فيها كل مغترب بدفع مبلغ 20 دولاراً كحد أدنى في الشهر، يتم توزيعها على الأسر التي لا يوجد لديها أي مصدر للدخل، وكذلك الأسر التي تعتاش على الرواتب الحكومية الضئيلة، لافتا إلى أن الحملة نجحت حتى الآن في تأمين الحد الأدنى من متطلبات بعض الأسر المهددة بالمجاعة.
ويشير الحسن إلى أنه في أغلب القرى السورية، هناك حملات مشابهة، يتكاتف فيها المغتربون مع أهاليهم وذويهم، وهي تشكل اليوم العمود الفقري في معيشة أبناء الداخل وصمودهم، في وجه حمى بيع الممتلكات والسفر ومغادرة البلد بأي ثمن، والتي تجتاح السوريين في المدن على وجه الخصوص.
ومع ذلك يقول الحسن، إن الوضع في الداخل مأساوي وكارثي، وبالذات على مستوى العلاقات الإنسانية والاجتماعية، “فإذا ما فكرت بزيارة صديق عزيز أو أحد أقاربك، بعد انقطاع فترة طويلة، فإنك على الأغلب لن تستطيع الجلوس معه لأكثر من عشر دقائق”. ويضيف: “الناس أصبحت شاردة، تائهة، لا تستطيع التآلف حتى مع آخر حميم.. تشعر وكأن هناك حالة من الانهيار العصبي الجماعي أو الاكتئاب العام لدى السوريين”.
وإذا كان الوضع في الريف ينقذه التكاتف الاجتماعي، فإن الوضع في المدن مختلف تماما، حيث شروط الحياة ومتطلباتها أكثر قسوة ووحشية، والناس أكثر حاجة للدولة وخدماتها.
ورغم ذلك، يقول أبو أسامة، من سكان مدينة دمشق لـ”العربي الجديد”، إن الناس تعتمد بالدرجة الأولى على تحويلات المغتربين في أوروبا ودول الخليج، ومن ليس لديه مغترب، فهنا الكارثة بعينها بحسب وصفه، مشيرا إلى أنه منذ قرابة العام، ساءت الأوضاع كثيرا في سورية، وهو ما دفع البعض لبيع أثاث منزله، أو حتى بيع منزله، لتغطية نفقات تهريب أحد أفراد الأسرة إلى أوروبا أو الخليج، من أجل أن يصبح معيلا لها في المستقبل.
وتقدر مصادر اقتصادية مستقلة حجم تحويلات المغتربين السوريين بنحو 4 ملايين دولار يومياً، فيما يرى البعض أنه رقم مبالغ به، أو على الأقل أن هذه التحويلات لا تمر عبر القنوات الرسمية، حيث سعر صرف الدولار وفقا للمصرف المركزي السوري يبلغ 2500 ليرة، بينما في السوق السوداء يبلغ نحو 3500 ليرة.
ويؤكد أبو أسامة، المعلومات التي تتحدث عن حركة بيع كبيرة للممتلكات في دمشق، بقصد الهجرة من سورية إلى مصر أو أربيل في إقليم كردستان العراق أو ليبيا، أو غيرها من الدول، بما فيها الصومال، مبينا أنه يعرف على الأقل عشر أسر في حي “دف الشوك” الدمشقي الذي يسكن فيه، باعت بيوتها، وهربت في الثلاثة أشهر الماضية.
وكانت المذيعة في تلفزيون “سما” شبه الرسمي، هناء الصالح، قد كتبت على صفحتها الشخصية في “فيسبوك”، قبل نحو أسبوعين، أنها ودعت في بضعة أيام، 7 أشخاص من معارفها، الذين غادروا سورية إلى أي مكان آخر يتوفر فيه الماء والكهرباء والأكل فقط.
وتتضارب الأرقام، التي تتحدث عن أعداد السوريين الذين غادروا البلد في الآونة الأخيرة، حيث قالت إذاعة “ميلودي إف إم” الموالية للنظام، إن الأعداد تقدر بنحو 50 ألف شخص، أغلبهم من الشباب، غادروا في غضون أسبوعين، بينما لم تنف مصادر الإعلام الرسمي هذا الرقم، وإنما اعترضت على أن يكون هؤلاء المغادرون هم من رجال الأعمال والصناعيين، بحسب ما ذكره، عضو غرفة صناعة حلب، مجد ششمان قبل عدة أيام.
كان تقرير صادر عن “نقابة عمال المصارف” في دمشق، مطلع العام الجاري، قد قدر خسائر الاقتصاد السوري منذ بداية الحرب في عام 2011 وحتى حينه بأكثر من 530 مليار دولار، أي ما يعادل 9.7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد عام 2010.
ويعيش نحو 90% من الشعب السوري تحت خط الفقر، وفقا لأرقام المنظمات الدولية، فيما يؤكد مراقبون أن التصنيف يجب أن يكون “ما دون خط الفقر”، لأن خط الفقر يخص الأسرة التي تعيش على دولار واحد في اليوم، بينما في سورية، تبلغ حصة الأسرة المكونة من خمسة أفراد، نحو نصف دولار في اليوم فقط، بالاستناد إلى متوسط الدخل الشهري، الذي تدفعه الحكومة للموظف، والبالغ 70 ألف ليرة، أي نحو 20 دولاراً فقط.
المصدر: العربي الجديد