سامر القطريب
فقدت السلطات الموزعة في سوريا القدرة على السيطرة على الموارد المائية وإنتاج الخبز، ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وانعدام أي أفق للحل السياسي تقترب الكارثة البيئية من المنطقة أكثر، وترتفع الأصوات المحذرة من تفشي مجاعة في سوريا.
شمال شرقي سوريا.. سلة غذائية فارغة
سلمان بارودو الرئاسة المشتركة للجنة الزراعة والاقتصاد في الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا، يحذر من أنه في حال استمر الجفاف الذي بدأ منذ العام الماضي يضرب شمال شرقي سوريا “فنحن نسير نحو كارثة بيئية قد تضرب المنطقة التي تعتمد 80 في المئة على الزراعة مما سيؤثر سلبا وبلا شك على الواقع الاقتصادي والتجاري والزراعي والاجتماعي وصولا إلى الوضع الأمني والانساني” على حد قوله لموقع تلفزيون سوريا.
ويذكر أن الجفاف اتضحت معالمه مع دخول شتاء العام 2020 من دون أمطار ليبدأ موسم زراعة القمح في تدهور ملحوظ تلاه تخفيض الجانب التركي تدفق مياه نهر الفرات بشكل ملحوظ تجاوز الـ 300 متر مكعب في الثانية خلافا للمتفق عليه 500 متر مكعب ضمن اتفاقية عام 1987 بين حكومة النظام وتركيا آنذاك “.
ويضيف أن انقطاع الأمطار وانخفاض منسوب نهر الفرات الذي يعتبر المصدر البديل للأراضي الزراعية المروية شمال شرقي سوريا كانا عاملين مترادفين لتعميق الأزمة، إضافة لانخفاض منسوب نهري البليخ والخابور الواقعين في الرقة والحسكة، ما دفع الأهالي للاستخدام الجائر للآبار، وبالتالي انخفض منسوب المياه الجوفية وازدادت ملوحتها ولم تعد صالحة للشرب “مما زاد من تعاسة الأمر وقلل خيارات الحل”.
الأمطار تأخرت
تأخرت الأمطار عن الهطول في سوريا وقد شارف تشرين الثاني على الانتصاف، ويؤكد “بارودو” أن مياه نهر الفرات انخفضت بمستوى تجاوز 5 أمتار شاقولية في سدي الطبقة وتشرين مما أخرج عشرات المضخات عن العمل على امتداد الفرات إضافة إلى جفاف نهري البليخ والخابور.
وظهرت أول بوادر ازدياد الجفاف عبر انخفاض مستوى الإنتاج من القمح في الموسم الأخير مقارنة بالموسم السابق، حيث بلغ حجم الإنتاج خلال العام الماضي نحو 450 ألف طن مقارنة بـ 700 ألف طن العام 2019- 2020.
وتوقع “بارودو” انخفاض مساحات الأراضي الزراعية بشكل كبير من 1.8 مليون هكتار إلى ما دون 1.5 مليون هكتار بسبب عزوف عشرات الفلاحين عن زراعة أراضيهم نتيجة للخسائر التي تكبدوها، إذ أقدم المئات من الفلاحين على تقديم أراضيهم المزروعة بالحنطة كأراضٍ لرعي الأغنام و إعادة فلاحتها وقلبها.
وتابع قائلا “طبعا هذه الكارثة البيئية ليست وليدة المناخ فحسب فالصراع السياسي والعسكري بين قوات سوريا الديمقراطية والقوات التركية يزيد الأمور سوءا ويعمق الأزمة في وقت تندر فيه خيارات الحل”.
خسائر اقتصادية
بالنسبة للآثار السلبية على الاقتصاد في المنطقة، يقول “بارودو” إن الجفاف والصراعات السياسية والعسكرية عاملان سيقلصان مستوى النمو والدخل، وبالتالي ستتدهور معيشة المواطن أكثر مع انهيار الاقتصاد والليرة السورية أساساً.
وسيؤدي أيضا لاستمرار انخفاض حجم الثروة الحيوانية (السمكية والمواشي بشكل عام) بسبب انحسار المراعي من جهة وارتفاع نسبة التلوث النهري من جهة أخرى، وتضخم أسعار السلع والمنتجات الغذائية بسبب انخفاص الكتلة المالية في السوق والتي مصدرها الدخل المحلي الناجم عن الزراعة والثروة الحيوانية المتدهورة أصلا، إضافة لارتفاع معدل البطالة خاصة في صفوف المزارعين ومربي الثروة الحيوانية .
فلاحون مفلسون ومديونون
أشار “بارودو” إلى أن الفلاحين مديونون “للإدارة الذاتية” بمئات الملايين من الليرات السورية، سدادا لقيمة البذار والأسمدة والمحروقات.
وتابع “طبعا إفلاس الفلاحين وخسارتهم لمواسمهم الزراعية وأيضا الثروة الحيوانية وهما المورد المالي لأكثر من 78 في المئة من الأهالي شمال شرقي سوريا سيتسبب باضطرابات نفسية واجتماعية قد تخلق صراعات لا مبرر لها وتدفع بكثير منهم للنزوح إلى مناطق أخرى أو إلى ترك أراضيهم الزراعية بورا مما قد يفاقم أزمة التصحر”.
وبحسب “بارودو” فإن المشكلات لن تقف عند هذا الحد “فالإدارة الذاتية أوقفت مطلع الشهر الحالي توزيع البذار والسماد على الفلاحين لعدم وجود مخزون كاف مما دفع الفلاحين هذا الموسم إلى السوق السوداء التي تبيع الأسمدة بسعر أعلى من سعر الإدارة الذاتية بـ 40٪ إضافة لبيع بذار القمح بسعر 1800 ل.س علما أن سعره لدى الإدارة 1200 ليرة وهذا نتيجة تدهور الموسم الماضي، أما تدهور الموسم الحالي إذا حصل فعلا.. فنتوقع أن تشهد المنطقة أزمة أمن غذائي لم تشهدها سوريا طوال الـ 70 عاما الماضية فالأمر يتعلق بسلة سوريا الغذائية والحيوانية”.
الجفاف يهدد الأنهار
سوزدار أحمد مسؤولة لجنة المياه في محافظة الحسكة قالت لموقع تلفزيون سوريا إن “المناطق الأكثر عرضة لخطر الجفاف في سوريا هي منطقة الجزيرة “الحسكة وريفها” فرغم انخفاض منسوب المياه لنهر الفرات لكنه يظل أفضل بكثير من وضع نهر الخابور أبرز روافد الفرات الذي بات جافا بشكل شبه تام، ولم يعد صالحا لري الأراضي الزراعية المجاورة له الأمر الذي دفع بعشرات الأهالي لترك قراهم والانتقال إلى مناطق أخرى كمدينتي القامشلي والحسكة بحثا عن عمل آخر غير الزراعة”.
كما أن محطة علوك التي تقع في مناطق سيطرة الجيش الوطني لا تعمل بالطاقة الكافية لمد الأهالي في مدينة الحسكة ومخيماتها بمياه الشرب، مما يدفعهم لشراء مياه الشرب من الصهاريج المتنقلة التي لا تخلو من التلوث وبأسعار تصل لـ 1500 ليرة للبرميل الواحد.
وتضيف أنه رغم إتمام مشروع استجرار مياه نهر الفرات إلى مدينة الحسكة من ريف دير الزور الغربي إلا أن هذا المشروع غير ناجع ما لم يرتفع منسوب نهر الفرات.
وأكدت سوزدار أن نسبة التلوث التي أصابت مياه الشرب تتزايد بشكل كبير وتتزايد معها معدلات الإصابة بأمراض معوية وتنفسية من جراء عجز المؤسسات المحلية عن مراقبة مياه الشرب وتنقيتها لا سيما مع اعتماد الأهالي على آبارهم المنزلية وصهاريج النقل الخاصة، حيث سجلت لجنة الصحة أكثر من 300 حالة تسمم خلال الصيف الماضي غالبيتهم أطفال.
فلاحون لا يزرعون وصيادون عاطلون
أضاف مصدر خاص (طلب عدم ذكر اسمه) من لجنة الثروة الحيوانية في مجلس الرقة المدني أن “الانخفاض الكبير في منسوب نهر الفرات تسبب فعلا باختفاء وشح أنواع سمكية مهمة مما يهدد التنوع السمكي في المنطقة الذي يعتبر عاملا أساسيا في التوازن البيئي منها على سبيل المثال (الفرخ (الجزر) وكرسين (المغوار المرقّط) والبراق والمجناس، ويرى بعض الصيادين أن إنقاذ الثروة السمكية ممكن عبر أحواض سمكية متعددة الأحجام.
ولفت المهندس إلى أن الجفاف الذي تعيشه مناطق شمال شرقي سوريا بدأ بالفعل مع عزوف الفلاحين عن زراعة أراضيهم لا سيما البعلية خصوصا وأن معدل الأراضي البعلية يفوق المروية بنسبة كبيرة حيث تبلغ نسبة البعلية 66٪ بينما المروية لا تتجاوز الـ34٪، وبالتالي انخفاض الهطولات المطرية من 400 ملم كمعدل طبيعي خلال السنوات المنصرمة مقارنة بمعدل 140 ملم معدل الهطول المطري كمتوسط في شمال شرقي سوريا أثر بشكل كبير على الزراعة في العام الحالي.
ويضيف المهندس “المواشي اليوم لم يعد لها مراعٍ.. والأعلاف ارتفعت أسعارها بنسبة تتجاوز الـ 50٪ مقارنة بالعام الماضي أي أن صاحب الماشية بات أمام خيار واحد ألا وهو عرض مواشيه للبيع للتخلص من تكاليف تربيتها البالغ 2000 ل.س يوميا كمتوسط حسابي يومي.. علما أن قطاع المواشي لا يقل أهمية عن قطاع الزراعة في المنطقة”.
زراعة خاسرة في دير الزور
يقول أحد الفلاحين من بلدة الجزرات غربي دير الزور لموقع تلفزيون سوريا: إن المحصول الزراعي الأكثر تضرراً في الوقت الحالي هو محصول القمح، لافتا إلى أنه في حال استمر الجفاف سوف تشمل الأضرار جميع المحاصيل الزراعية الموسمية مثل الذرة والشمندر والقطن.
وأضاف أنهم يملكون أرضاً زراعية مساحتها 500 دونم قاموا بزراعة 200 دونم منها وهم يتوقعون خسارة قدرها 50 في المئة.
وأشار إلى أن الأرض في السنوات الماضية كانت تدر أرباحا بنسبة تتراوح من 80 إلى 85 في المئة، لكنها بدأت بالانخفاض تدريجيا مع بدء الجفاف.
وأوضح أن الزراعة كانت مصدرا أساسيا للرزق في جميع أرياف منطقة وادي الفرات بشقيها الشامية والجزيرة، لكن الجفاف دفع بعض المزارعين إلى أعمال أخرى كالتجارة وتربية المواشي.
وتابع أن “الجفاف يؤثر بشكل كبير على الأراضي التي تعتمد على مياه الأمطار (العذي) وتقدر مساحاتها بآلاف الهكتارات من الرقة ودير الزور وحتى الحسكة، حيث توجد أراضٍ عزف أصحابها عن زراعتها بسبب هذا الجفاف.
وعن استخراج المياه عبر حفر الآبار قال الفلاح إنها عملية خاسرة، إذ يكلف حفر المتر الواحد قرابة 50 ألف ليرة، وقد يحتاج المزارع إلى حفر 10 أمتار أو أكثر من دون أن تخرج المياه.
وأضاف مزارع آخر من منطقة الحوس الواقعة على الحدود الإدارية بين محافظة دير الزور والرقة أنه قضى عمره في الزراعة ويمتلك عشرات الأراضي موزعة بين المحافظتين.
وتابع “إن الأعوام بين 1998 و2008 هي ذروة الزراعة في المنطقة، حيث وزع المزارعون أكياس الحنطة على بقية الأهالي نتيجة الخيرات التي عمت على منطقة الفرات وصنفت بأنها السلة الغذائية السورية حينذاك”.
وبحسب المزارع فإن الموسم عام 2019 شهد تحسنا كبيرا وملحوظا في منطقة وادي الفرات للأراضي الزراعية المروية والتي تعتمد على مياه الأمطار، وأصبح البذار يخرج من الأرض فور نثره نتيجة الأمطار الوفيرة، لكن الحرائق المفتعلة قضت على معظم الأرباح.
سوريا ساحة لـ حرب المناخ
ما زالت سوريا ساحة للصراع بين القوى الإقليمية والدولية، وقد تتحول إلى قاعدة لاندلاع “حرب المناخ” المرتقبة، ويرى ماثيو ريندال وهو محاضر في جامعة نوتينغهام، ركز في أبحاثه على التغير المناخي والعلاقات الدولية بأنه من المرجح للمناطق الأقل استقراراً والأكثر عرضة للكوارث مثل سوريا أو الصومال أن تتحول إلى ساحة حرب للتغير المناخي.
ويرى البعض بأن الحرب بدأت بالفعل، ويستندون في ذلك إلى تقارير أكاديمية مثيرة للجدل، ترى أن النزاعات التي قامت مؤخراً تقف وراءها التغيرات المناخية بشكل مباشر، على غرار حديث المبعوث الأممي السابق ستيفان ديمستورا الذي قال إن أحد أسباب الثورة في سوريا كان الجفاف، بينما حدد مستشارون واستراتيجيون عسكريون حروباً جديدة يمكن أن تندلع في كل من آسيا أو أفريقيا أو القطب الشمالي بسبب تلك التغيرات.
ويرى مجلس الأطلسي وهو منظمة بحثية أميركية بأنه في شهر آذار، أي في الوقت الذي اتخذت فيه كل من روسيا والصين طرقاً جديدة للشحن عبر المياه التي كانت في السابق متجمدة وغير قابلة للعبور وذلك حول غرينلاند وآيسلاندا ودائرة القطب الشمالي، صار من المحتمل أن تظهر حقبة جديدة لتنافس القوى الكبرى على هذه المنطقة، بحسب ديلي بيست.
فقد ردت بريطانيا والولايات المتحدة على النشاط الروسي والصيني الذي تزايد بشكل هائل في تلك المنطقة عبر تعزيز وجودهما العسكري والبحري فيها، حيث دخلت مؤخراً حاملة طائرات أميركية إلى منطقة دائرة القطب الشمالي للمرة الأولى منذ نهاية الحرب الباردة.
ويرى “ريندال” في إشارة إلى سوريا “أن تلك المناطق ساخنة بالأصل، ومعظمها بات فقيراً للغاية، وبالنتيجة يرجح لها أن تعاني من نقص حاد في الموارد، وهجرة جماعية للاجئين، وانعدام الاستقرار على المستوى السياسي. كما أن الصين وروسيا تمتلكان أسلحة نووية، ولهذا يمكن أن تتصارعا على القطب الشمالي، ولكن من غير المرجح أن تشنا حرباً عالمية ثالثة على تلك المنطقة، لأن هذه الحرب مكلفة للغاية”.
وفي عام 2015، قام فريق بحثي يترأسه كولين بي. كيلي، وهو باحث لدى جامعة كولومبيا، بإعداد دراسة تم تداولها بشكل كبير كونها خلصت إلى أن الحرب التي استمرت لعقد من الزمان في سوريا قد ساءت إلى أبعد الحدود بسبب موجات الحرارة المرتفعة والقحط الذي ارتبط بالتغير المناخي وما أعقب ذلك من اقتتال على الموارد، الأمر الذي أثار حالة اضطراب قام رأس النظام، بشار الأسد، بقمعها بطريقة وحشية.
ويوضح أولاف كوري أستاذ تحديات الأمن العالمي في جامعة ليدز بأنه في الوقت الذي لا بد فيه للتغير المناخي أن يخلف أثراً “هائلاً” على الأمن، يعتبر النزاع في سوريا أسوأ مثال على ذلك، لأنه وجد نقاط ضعف كبيرة في الأبحاث التي تربط بين النزاع في سوريا والمشكلات المرتبطة بالمناخ، ومن بين تلك العوامل يذكر: “كان من الخطأ إيراد حالات القحط والجفاف وربطها بأماكن اندلاع الاضطرابات التي كانت السبب وراء قمع الأسد.. فنحن لا نريد أن نبرر لهؤلاء المسؤولين شن حروب ظالمة ويتهموا المناخ حتى يخرجوا من المشكلة كما تخرج الشعرة من العجين”.
من جهتها قالت الفاو إن “75 في المئة من الأراضي حول العالم تغيرت خاصة للزراعة، كما أن 23 في المئة من الأراضي لم تعد منتجة، لقد أثر الجفاف والتصحر بحياة الملايين”.
الكاتب الصحفي في صحيفة التايمز البريطانية روجر بويز أشار إلى أن الدول الضعيفة في جميع أنحاء العالم تقترب من الانهيار، لأنها فقدت السيطرة على الأسس الثلاثة: الماء والأكسجين والخبز، حيث إن هذه هي الطريقة التي يقاس بها أداء الحكومة.
ونبه إلى أن تغير المناخ وارتفاع درجة حرارة البحار وتقلبات الطقس الشديدة قد تؤدي إلى الاقتراب من أول حرب مياه مباشرة منذ أيام بلاد ما بين النهرين القديمة.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا