حذر باحث إسرائيلي مختص بالعلاقات الدولية من تحولات عميقة محتملة في السياسات الخارجية الأوروبية خاصة في محور ألمانيا – فرنسا ويدعو إسرائيل للاستعداد لتبعاتها.
وقال دكتور عمانوئيل نافون الباحث في “معهد القدس للاستراتيجيا والأمن” إن انتهاء حقبة أنغيلا ميركل يطرح تساؤلات بشأن السياسة الخارجية للحكومة الألمانية الجديدة وإن أولاف شولتز، المستشار المقبل، هو الذي سيقود التحالف بين الحزب الاجتماعي- الديمقراطي وبين حزب الخضر والحزب الليبرالي.
واعتبر نافون في محاضرة قدمها الأربعاء في المعهد الذي يعمل فيه أن تأليف حكومة وسط – يسارية في الدولة الأكبر في أوروبا، اقتصادياً، بعد 16 عاماً من حكمٍ بقيادة الحزب المحافظ، يشكل تغيّراً سياسياً له وزنه، بعده سيأتي تغيير سياسي آخر: الانتخابات الرئاسية في فرنسا في نيسان/ أبريل 2022.
وتابع الخبير الإسرائيلي “صحيح أنه من المتوقع احتفاظ الرئيس ماكرون بمنصبه، لكن يجب ألّا نستبعد أن يُحدث إريك زمور مفاجأة على غرار ما فعله ماكرون في سنة 2017. إذا انتُخب ماكرون مرة ثانية فإنه سيقوم بتغييرات جوهرية في السياسة الخارجية والسياسة الداخلية. معنى هذا أنه يجب أن نتوقع تغيُّرات مهمة في السياسة الخارجية لأهم دولتين في أوروبا في سنة 2022″.
ويرى نافون أن ما أطلق عليه وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد اسم “أوروبا القديمة” (المقصود في الأساس فرنسا وألمانيا اللتان عارضتا الغزو الأمريكي للعراق في سنة 2003) ستشهد تغيُّرات سياسية وبرأيه يتعين على إسرائيل فهم هذه التغيُّرات واستيعابها وتحديث سياستها الخارجية بما يتلائم معها.
هل السياسة الإسرائيلية الخارجية استنفدت نفسها؟
على هذا التساؤل يقول نافون إن العلاقات بين إسرائيل وأوروبا تدهورت في سنة 1973 لسببين أولهما حظر منظمة أوبيك تصدير النفط في أعقاب حرب يوم 1973 الذي سمح لفرنسا بالحصول على تأييد المجموعة الاقتصادية الأوروبية لموقفها من النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني (المؤيد لمنظمة التحرير الفلسطينية، والذي يطالب إسرائيل بالانسحاب إلى خطوط السابع من حزيران/ يونيو). والسبب الثاني توسيع المجموعة الاقتصادية الأوروبية وانضمام بريطانيا وأيرلندا والدنمارك، وتأييد بريطانيا وأيرلندا الموقف الفرنسي.
وأوضح أن توسُّع المجموعة الاقتصادية الأوروبية مرة أُخرى (وانضمام إسبانيا والبرتغال في سنة 1986) أدى إلى زيادة الفجوة السياسية بين أوروبا وإسرائيل. كما يستذكر نافون أنه خلال ولاية الرئيس جاك شيراك (1995-2007) زادت انتقادات فرنسا لإسرائيل وتأييدها لياسر عرفات (وخصوصاً في فترة الانتفاضة الثانية). كما قاد شيراك معارضة أوروبا للحرب على العراق في سنة 2003، وأنّب دول أوروبا الشرقية (“أوروبا الجديدة”، بحسب رامسفيلد) لتأييدها الولايات المتحدة. ويضيف “مع توسُّع الاتحاد الأوروبي (الذي حل محل المجموعة الاقتصادية الأوروبية في سنة 1992)، بحيث ضم دول أوروبا الشرقية، بدأ منذ سنة 2004 تضاؤل الهيمنة الفرنسية التاريخية وضعُفت قدرتها على فرض مواقفها”.
اتفاقية لشبونة
واستذكر الخبير الإسرائيلي أيضا أنه بحسب اتفاقية لشبونة (2007)، جرى تعيين مفوض أعلى للسياسة الخارجية والأمن، لكن لم يكن هناك حتى اليوم سياسة خارجية مشتركة للاتحاد الأوروبي ونظراً إلى أن قرارات المجلس الوزاري للشؤون الخارجية تتطلب الحصول على إجماع كل الدول الأعضاء في الاتحاد، تمكنت إسرائيل في الأعوام الأخيرة من منع صدور قرارات في مجلس الأمن تتعلق بالشرق الأوسط بفضل علاقاتها مع مجموعة الدول (استونيا، ليتوانيا، لاتفيا، هنغاريا، بولندا، سلوفاكيا وأستونيا).
ويشير على سبيل المثال، لرغبة المجلس في إدانة قرار الولايات المتحدة نقل سفارتها إلى القدس المحتلة و”صفقة القرن” للرئيس دونالد ترامب جرى إحباطهما بفضل العلاقات الخاصة لإسرائيل مع دول أوروبا الشرقية، منبها إلى أن قدرة إسرائيل على انتهاج سياسة “فرّق تسُد” حيال الاتحاد الأوروبي نبعت من معارضة جزء من الدول لإملاءات بروكسل والمساس بالسيادة الوطنية المتزايدة في الأعوام الأخيرة.
ويقول الخبير الإسرائيلي إن الأزمة المالية في سنة 2009 (التي هددت اليورو) وأزمة اللاجئين في سنة 2015 (التي أغرقت أوروبا بالمهاجرين واللاجئين السوريين)، ألحقتا الضرر بثقة دول الاتحاد بالعملة المشتركة والحدود المفتوحة، وزادتا في شعبية الأحزاب والحكومات المشككة بالاتحاد الأوروبي. ويستذكر أن بريطانيا صوتت في سنة 2016 مع الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وهي انسحبت فعلاً في سنة 2020. ويتابع منبّها “يعبّر دبلوماسيون أوروبيون في أحاديث مغلقة عن استيائهم من عرقلة إسرائيل قرارات المجلس الوزاري للشؤون الخارجية بسبب ﭬيتو رئيس حكومة هنغاريا فيكتور أوربان، ويحذّرون إسرائيل بأن عليها الاختيار بين بروكسل وبين بودابست… بالإضافة إلى ذلك، وصلت العلاقات بين إسرائيل ودول أوروبا الشرقية إلى مفترق طرق في آب/ أغسطس 2021 مع نشوء الأزمة الدبلوماسية مع بولندا بسبب قانون يقيد مطالبات ضحايا الحكم النازي والشيوعي. وسيكون من الصعب على إسرائيل الاعتماد على تصويت بولندا على قرارات المجلس الوزاري للشؤون الخارجية”.
باريس برلين
في باب التوصيات يرى الخبير الإسرائيلي أنه من الأفضل لإسرائيل مواصلة تأييدها الخفي للعلاقات الخاصة مع حكومات أوروبا الشرقية من أجل وقف القرارات المعادية لها في المجلس الوزاري للشؤون الخارجية، لكن إلى جانب هذا، يتعين على إسرائيل فهم التغيُّرات السياسية في أوروبا، وخصوصاً في باريس وبرلين.
ويعتبر نافون أن ماكرون شكّل سابقة ومفاجأة عندما انتُخب رئيساً لفرنسا في سنة 2017 ليس فقط بسبب سنه الشاب (احتفل بعيد ميلاده الأربعين بعد دخوله إلى الإليزيه)، بل لأنه انتُخب من دون حصوله على تأييد أحزاب السلطة وبعد هذه المفاجأة لا يمكن استبعاد مفاجأة جديدة في انتخابات 2022 وتشمل التوقعات المرشح الجديد لليمين الفرنسي إريك زمور.
أصول يهودية
ويوضح أن زمور يعتبر نفسه فرنسياً يهودياً، زوجته وأولاده يهود، وأحياناً يشارك في صلاة يوم السبت وفي الأعياد في الكنيس الأرثوذكسي لكنه يتبنى النموذج الذي طلبه نابليون من اليهود في فرنسا في سنة 1807: المواطَنة الكاملة مقابل التنازل عن المكون القومي في الهوية اليهودية. وعن ذلك يضيف موضحا “بكلمات أُخرى، في إمكان اليهود الاحتفاظ بدينهم، لكن عليهم في الوقت عينه الاندماج والتماهي مع القومية الفرنسية. هو سمح لليهود بالصلاة في الكنيس، لكنه طلب منهم استبدال القدس بباريس. هذا هو السبب الذي يجعل زمور لا يعتبر نفسه صهيونياً. مع ذلك، هو يعترف بحق إسرائيل في اعتبار نفسها دولة قومية، وفي الدفاع عن نفسها”.
ماكرون مقابل زمور
وفيما يتعلق بانتخاب ماكرون مرة أُخرى يقول نافون إنه إذا تحقق هذا سيخلق فرصاً جديدة بالنسبة إلى إسرائيل وإنه خلال ولاية ماكرون، احتوى الأسطول الفرنسي السياسة الهجومية للرئيس التركي في الحوض الشرقي للبحر المتوسط؛ وهو يعارض بشدة حصول إيران على سلاح نووي، ويدين العداء للصهيونية ويعتبره نموذجاً جديداً من العداء للسامية.
ويتابع “إذا انتُخب ماكرون مجدداً، فإنه يمكن أن يذهب أبعد من ذلك. دبلوماسي فرنسي رفيع المستوى مقرّب جداً من ماكرون قال في حديث غير مُعَدّ للنشر: إذا انتُخب ماكرون مجدداً، فإنه سيغيّر السياسة “الديغولية” الفرنسية حيال إسرائيل والشرق الأوسط بصورة جذرية. وأوضح الدبلوماسي أن السياسة الفرنسية العربية لم تعُد مهمة في ضوء انهيار الدول العربية، والتهديد الإيراني وحقبة “ما بعد النفط” التي تقترب.
وأضاف أن القوة الفرنسية الصلبة والناعمة في الشرق الأوسط يمكن أن تستعين بالقوة العسكرية الإسرائيلية والتفوق التكنولوجي لإسرائيل”.
ومن هنا يخلص الخبير الإسرائيلي للقول إنه يتعين على إسرائيل متابعة ما يجري في السياسة الفرنسية في الأشهر المقبلة، والتوظيف في علاقاتها مع فرنسا وتعيين سفير أو سفيرة من أجل تحسين منظومة العلاقات التي أصبحت ناضجة لتغيُّرات جوهرية”.
المصدر: “القدس العربي”