محمد أمين الشامي
لا يكاد يخلو يوم من حدث، أو أحداث، تتعلَّق بالواقع السوري الذي لا يعرف هدوءً أو ركونًا. ولا أظننا نقدِّم جديدًا إن أشرنا إلى حالة التَّرهُّل الَّتي أصابت المؤسَّسات المعارضة، ولا أقول الثَّوريّة، والقائمين عليها، وهي المكلفة، فرضًا، بمتابعة أحوال السوريين في المناطق الواقعة خارج سيطرة النظام وفي معظم البلدان التي لجؤوا إليها هاربين بأشلائهم وما بقي لديهم من أمل في غد “قد” يقبل أبناءهم بين ظهرانيه. لكن، “أن يصل الأمر حدَّ الاستهتار بأطفالنا ومستقبلهم الضبابي أصلًا، فهذا أمر يحتاج إلى وقفة تأمل وكثير من نظام وبطاقات صفراء وحمراء ترفع في وجوه المهمل ولن أقول المتقصِّد”، هكذا كان حال معظمنا حين سمع بأمر المناهج الأخيرة، وأغلبنا تابع ما أثير قال عن قيل.
كلام كثير كتب وقيل بشأن الكتب المدرسية التي قام بتأليفها وأشرف عليها مركز الاستشراف، المسؤول العلمي على المناهج، ولغط أكثر تناول الواقعة وأسبابها ونتائجها وكل ما يتعلق بها، واتهامات راحت تُرمى جزافًا تتناول القائمين على الأمر دون تبصر أو تأكد من صدقية الواقع، كعادتنا حين تتغلب العاطفة على التعقل.
وما زاد الطين بلة، تواتر البيانات التي صدرت عن الجهة المسؤولة/المتهمة والتبريرات التي ساقتها بشأن وقوع خطأ في إرسال ملف أحد كتب السيرة سهوًا دون توثُّق منه، فجاءت تلك التبريرات أدهى وأمر من الخطأ نفسه.
الأمر يختصر بكلمتين: هناك تقصير وإهمال. تقصير في حال كان الأمر متعمدًا، وإهمال إن كان غير ذلك. كثيرون منا يعلمون أن أي كتاب يخضع لسلسلة من الإجراءات قبل طباعته ونشره، فكيف بكتاب مدرسي. أن يبقى لدى الجهة المسؤولة أو المشرفة ملف يحتوي على نسخة لم تُراجع أو تُنقَّح أو توضع بشأنها ملاحظات، فهذا تقصير كبير. وأن يتم إرسال ملف بدلًا من ملف دون التأكد من محتواه، في كتاب هو جزء من منهاج سيقدم لأطفالنا، فهذا إهمال ما بعده إهمال.
لا جدوى من الحديث عن الإجراءات التي اتخذت عند تعديل المنهاج السوري عام 2013-2014 على يد لجنة تابعة للحكومة المؤقتة، لكن، من المهم الإشارة إلى أن عملية متابعة دقيقة ولصيقة للمعلومات الواردة والمعدلة كانت تتم من لحظة استلام مسودات المراجعين لغاية استلام التقرير النهائي لكل مراجع. هذا، على الرغم من الإمكانات المحدودة التي كانت متاحة في حينه لتلك اللجنة وذلك المشروع. وعلى الرغم من كل هذا، لم يفلت المنهاج من انتقادات بعضها له أسبابه الإيديولوجية، وبعضها الآخر له أسبابه المغرضة. فكيف يمكن تبرير ما جرى والمتاح للمشروع تمويل ومركز متابعة وإشراف وهيئة من الأكاديميين والمتخصصين المشهود لهم بالعلم و”الثورجية”؟
لكن على المقلب الآخر، هناك ملاحظتان يثيرهما ما حدث، وأظن من الواجب الوقوف عندهما: الملاحظة الأولى، أننا لم نتعلم، كسوريين، من كل التجارب التي مررنا بها كيفية مقاربة مشكلة أو أزمة أو حدث من زواياه المختلفة، وليس من زاوية ضيقة تختلف باختلاف موقف المنتقِد من المنتَقَد. ولا أعني بهذا دعوة إلى تدوير الزوايا والاكتفاء باتباع سياسة الإدانة وحسب، بل أقصد الوقوف على الأسباب ودراسة الظروف التي أدت إليها، ومن ثم اتخاذ القرارات وإطلاق الأحكام أصولًا على “الفعل” وليس على “الفاعل” ومنع نتائجه من أن تتحول إلى أمر واقع. الملاحظة الثانية تعيد الكرة إلى ملعب وزارة التربية في الحكومة المؤقتة. أين هما، أقصد الوزارة والحكومة، من كل ما جرى ويجري؟ كيف يتم طباعة منهاج دون مراجعة من الوزارة لما يحتويه والموافقة أو إبداء الملاحظات أو حتى رفض ما فيه. أين وزير التربية، أو المكلف بتسيير أعمال الوزارة، من كلِّ هذا؟ وأين رئيس الحكومة، أيضًا، من الأمر برمَّته؟
لو كان لأحد أن يُحاسب، من وجهة نظري، فهما هذان: وزير التربية ورئيس الحكومة. ولو كان لأحد أن يُتَّهم بالتقصير والإهمال فهذان المسؤولان يتصدران لائحة الاتهام بلا منازع، ومن بعدهما يأتي القائمون على مركز استشراف. ولا أقول هذا دفاعًا عن أحد، بل أقوله لأن المنطق والعقل والتجربة والإجراءات الإدارية والروتينية والعلمية والبحثية كلها تؤكد ما أقول.
نعم، أخطأ الذين تصدَّوا لأمر المناهج، وأقصد بذلك مركز الاستشراف والقائمين عليه، مها كانت صفتهم، بتقصيرهم وإهمالهم. لكن الوزارة، بوزيرها، والحكومة، برئيسها، هما الآثمان، إن وصل الأمر إلى حد التَّأثيم، لقصورهما وتجاهلهما متابعة المشروع من بداياته على الرغم من حساسيته، بله خطورته. لكن، هل من محاسب يا ترى؟ سؤال بأمر الأثير ليحمله، كما جرت العادة، ويتلاعب به ثم يرميه في واد تتجمع فيه جثث أسئلة مشابهة كثيرة.
المصدر: اشراق