تمول الصين تحديث مطار إنتيبي الدولي في أوغندا كجزء من مبادرة “الحزام والطريق” الاقتصادية التي يسميها الكثيرون “طريق الحرير” الحديث.
نظريا، تمنح المبادرة الدول المشتركة فيها تسهيلات اقتصادية للتنمية مقابل تكوينها ما يشبه مجموعة اقتصادية تقودها الصين.
لكن، قراءة “البنود الدقيقة” من الاتفاقات، قد تكشف أن الصين لم تضح بأموالها مقابل سيطرة اقتصادية أو سياسية فحسب.
وتقول صحيفة وال ستريت جورنال الأميركية إنه “مع استحقاق الفواتير للتسديد لديون الدول في العالم النامي، فإن الأنظار تتحول لمعرفة الطريقة التي ستفرض فيها الصين سداد مستحقاتها”.
واهتم متابعون اقتصاديون في العالم، وسياسيون أيضا، بالضجة التي أثارها الكشف عن بند في اتفاق تمويل مطار إنتيبي الدولي، يشير إلى سلطة للبنك الصيني الذي قدم التمويل على طريقة إدارة المطار والتحكم فيه.
وتقول الصحيفة إن هذه الضجة سلطت الضوء على نفوذ بكين المحتمل على الدول المقترضة، والموجود في بنود العقود الاستثمارية.
وتضمن العقد الذي وقعته الحكومة الأوغندية قبل نحو ست سنوات مقابل 200 مليون دولار لبناء المطار بندا أثار اضطرابات سياسية محلية لأنه يشير إلى أن بنكا من الدولة الصينية في وضع قانوني يمكنه من ممارسة سيطرة مالية كبيرة على المطار.
ولا يمتلك هذا البنك حصة من الأسهم في المطار، كما أنه لا يوجد ما يشير إلى أن بكين تؤثر على عملياته، إلا أن السلطة المالية على المشروع بهذه الطريقة من قبل مقرض أجنبي أمر غير عادي، كما يقول المحللون والسياسيون المعارضون في البلاد.
وبموجب الاتفاق، سيقرض بنك التصدير والاستيراد الصيني أموالا لأوغندا التي تدفع لشركة بناء صينية مقرها بكين، لبناء مجمعات جديدة للركاب والبضائع، بالإضافة إلى إصلاح مدرجين وممرات برية.
وقد اكتملت عمليات التجديد بنحو 75 في المئة، ويرتبط المطار بطريق سريع صيني الإنشاء، مع العاصمة الأوغندية كمبالا.
وفي اقتراح القرض، سيتم تقسيم المشروع إلى مرحلتين مع قرض بقيمة 200 مليون دولار وقرض بقيمة 125 مليون دولار بسعر فائدة 2 بالمئة وبفترة سداد مدتها 27 عاما، بإجمالي سداد قدره 417.91 مليون دولار.
وفي أكتوبر، كشفت لجنة برلمانية بقيادة سياسيين معارضين أن الاتفاق يقضي أن جميع الإيرادات والنفقات التي تتكبدها أو تحصل عليها شركة تشغيل المطار، وهي هيئة الطيران المدني الأوغندية، ستمر عبر حسابات يسيطر عليها مصرف التصدير والاستيراد في فرع كمبالا التابع لمجموعة ستاندرد بانك المحدودة في جنوب أفريقيا، وهي مملوكة جزئيا من قبل أكبر بنك في بكين، البنك الصناعي والتجاري الصيني المحدودة.
وهذا يعني منح سلطة الرقابة المالية التي تمنح عادة لخزانة البلاد والبرلمان لبنك صيني، كما يحد الاتفاق من قدرة الحكومة الأوغندية على الاستفادة من عائدات السياحة والصادرات الأخرى.
ويعتبر المطار محوريا ضمن الإقليم الذي يقع فيه، حيث ارتفعت حركة السفر العقد الماضي، ومن المتوقع أن تنمو أكثر بسبب مشروع لتطوير النفط الخام بقيمة 15 مليار دولار على طول حدود أوغندا مع جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وقال جويل سينيوني، البرلماني الذي يرأس اللجنة البرلمانية التي كشفت تفاصيل القرض لوال ستريت جورنال إنه “أمر مروع”.
وقال وزير المالية الأوغندي، ماتيا كاسايجا، أمام البرلمان إنه “كان من الخطأ الموافقة على هذه الشروط، بيد أن المفاوضين الصينيين قدموا اتفاقا غير قابل للتفاوض، إما نوافق عليه بمجمله أو نتركه”.
وأضاف أنه “سيتم سداد القرض وليس هناك فرصة أن يقع المطار في أيدي الصينيين”.
وترفض بكين أي تلميح بأن لديها خططا بشأن المطار الأوغندي، أو أي من مشاريع البنية التحتية التي مولتها.
وذكر بيان صادر عن سفارتها في أوغندا أن الصين، مثلها مثل الدول الأفريقية، مرت بتجربة مؤلمة بسبب سيطرة دول أجنبية على شريان حياتنا الاقتصادي، وعانت من المعاملة والاستغلال والقمع غير العادلين”.
دول أفريقية أخرى
وفي كينيا وإثيوبيا، يشكك الساسة والمراقبون ووسائل الإعلام في فوائد استثمار باهظ الثمن في السكك الحديدية التي بنتها الصين.
ويتخوف المدينون الأفارقة من سيناريو تسليم ميناء سريلانكي لشركة تابعة للحكومة الصينية في عام 2016، حينما لم تتمكن البلاد من سداد ديون المشروع.
وكشف تغيير الحكومة في زامبيا هذا العام عن ديون لم يتم الكشف عنها من قبل مستحقة لبكين، فيما لجأت القيادة الجديدة إلى صندوق النقد الدولي للحصول على الدعم المالي.
ويتمتع المطار الأوغندي بشهرة كونه المكان الذي نفذت فيه قوات كوماندوز إسرائيلية عملية دقيقة لإنقاذ رهائن محتجزين في طائرة مختطفة تابعة لشركة الخطوط الجوية الفرنسية.
رد الصين
وردا على تقارير وسائل إعلام محلية حول شروط القرض، اعترضت سفارة بكين فى البلاد بشدة.
وقالت السفارة إن “الصين وحدها من وفر لأوغندا مثل هذا العمق واتساع المشاركة عبر تمويل الاستثمار والبنية التحتية”، ورفضت الإدلاء بمزيد من التصريحات.
وقد وقعت ما لا يقل عن 140 دولة على برنامج الحزام والطريق، ويزداد الاهتمام بشروط الإقراض الصيني لأن العديد من اتفاقيات الإقراض لا يتم الإعلان عنها، بما في ذلك في البلدان الديمقراطية مثل أوغندا.
وتصف بعض الحكومات والباحثين الغربيين تعهدات السداد للقروض الصينية بأنها قد تزعزع استقرار مجموعة من الدول المقترضة.
مع هذا فإن القروض الصينية تمنح وسط مخاطر مالية متصاعدة ومخاوف من ضياع تلك الأموال أو تأخير سدادها بسبب طبيعة اقتصادات الدول المقترضة.
وترد الصين على وجهات النظر في الغرب التي تقول إن قروضها تؤدي إلى “فخاخ الديون”، بالقول إنها تمول المشاريع بالتشاور مع البلدان المقترضة وأن بنوكها غالبا “تقرض حيث لا يقرض الآخرون”.
ويقول المسؤولون الأوغنديون إن بكين رفضت جهودهم لتأمين شروط أكثر ملاءمة لديون مطار إنتيبي، لا سيما فسخ ما وصفوه ببنود العقد “السامة” المتعلقة بالضمان والتنازل عن الحصانة السيادية.
وقال سياسيون معارضون أن أوغندا لديها ما لا يقل عن أربعة قروض أخرى من بنك التصدير والاستيراد لمشروعات بشروط إقراض مماثلة للمطار.
المصدر: الحرة. نت