أمير توماج
يعمد المرشد الأعلى و”الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني إلى التحكم بشكل أكبر بمهمة مراقبة الحركات الاحتجاجية وإدارتها، مما يسفر عن إنشاء وكالة استخبارات أخرى في خضم تلك العملية.
في 8 كانون الأول/ديسمبر، أعلنت إيران أنها أعادت هيكلة قوة شرطتها الوطنية، إحدى ركائز جهاز الأمن الداخلي للنظام. ومن بين القرارات الأخرى، تمّ تغيير اسم المنظمة من “قوة إنفاذ القانون” إلى “قيادة إنفاذ القانون”. وتعني إضافة مصطلح “قيادة” أن رئيس القوة يتمتع الآن بنفس المكانة القانونية التي يتمتع بها قادة “الحرس الثوري الإسلامي” والقوات المسلحة الوطنية (“أرتيش”). فضلاً عن ذلك، تم رفع مستوى وحدة استخبارات الشرطة لتصبح منظمة مستقلة بحدّ ذاتها. وتشير هذه التغيرات إلى أن الجمهورية الإسلامية لا تزال قلقة إزاء الاحتجاجات الجماهيرية بعد أن واجهت مظاهرتين على مستوى البلاد منذ أواخر 2017 واحتجاجين واسعي النطاق أحدهما في محافظة أصفهان والآخر في محافظة خوزستان في وقت سابق من هذا العام. وفي كل حالة، تمّ نشر وحدات إنفاذ القانون لمكافحة الشغب في الصفوف الأمامية.
وأعطى المرشد الأعلى علي خامنئي أمر إعادة التنظيم إلى “هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة” التي تعمل في كنفها “قيادة إنفاذ القانون”. وصرّح قائد “هيئة الأركان” محمد باقري، وهو لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، بأنه كان يتمّ الإعداد للمبادرة منذ “عدة سنوات”. وكشف عن إعادة الهيكلة في حفل حضره رئيس “قيادة إنفاذ القانون” حسين أشتري، وهو نفسه ضابط سابق في “الحرس الثوري الإسلامي”. ووفقاً لوكالة “مهر” الإخبارية شبه الرسمية، كان أحد أبرز مخططي المبادرة العميد أيوب سليماني، وهو قائد رفيع المستوى في “الحرس الثوري” ونائب قائد سابق في “قيادة إنفاذ القانون” تمّ تعيينه نائباً للتخطيط في “هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة” في عام 2020 (يُذكر أنه ليس قريب للجنرال الراحل قاسم سليماني).
وفي ظل الهيكل القيادي الحالي، يشغل وزير الداخلية في حكومة الرئيس الإيراني (الوزير حالياً أحمد وحيدي) منصب نائب قائد “هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة” لشؤون إنفاذ القانون. إلا أن سلطة الوزير الفعلية على هذه الشؤون تقتصر على “القضايا اللوجستية”، كما يصف ذلك الباحث سعيد جولكار. ويتم رسمياً تعيين صانع القرار الفعلي لـ”قيادة إنفاذ القانون” من قبل المرشد الأعلى، مما يمنح خامنئي فعلياً القيادة الكاملة للقوة دون أي مساهمة من الرئاسة.
ويتضمن جزء رئيسي إعادة الهيكلة تقسيم إدارتيْ الاستخبارات والأمن العام في القوة إلى كيانين منفصلين هما منظمة الاستخبارات وشرطة الأمن العام التابعتين لـ “قيادة إنفاذ القانون”. ولطالما شغل ضباط “الحرس الثوري الإسلامي” المناصب العليا في هاتين الإدارتين، وغالباً في كلتيهما في الوقت نفسه. يُذكر أن القائد الذي يشغل منصبيْن حالياً هو اللواء السابق في “القوات البرية” لـ”الحرس الثوري الإسلامي” محمد بابائي؛ وهو مرشح لرئاسة منظمة الاستخبارات الجديدة أيضاً، رغم أنه لم يتمّ بعد الإعلان عن هذا التعيين. والجدير بالذكر أن إعادة التنظيم تزيد إجمالي عدد وكالات الاستخبارات الوطنية في الجمهورية الإسلامية إلى سبع عشرة وكالة.
وكان النظام قد أعاد سابقاً هيكلة جهاز أمنه الداخلي بهدف تحسين قدرته على قمع أي معارضة. وفي عام 2009، وقّع خامنئي على ترقية مديرية الاستخبارات التابعة لـ “الحرس الثوري الإسلامي” إلى “منظمة الاستخبارات والأمن” المنفصلة بل التابعة لـ “الحرس الثوري” بعد اتهام وزارة الاستخبارات بالفشل في قمع الاحتجاجات الشعبية بفعالية والتي أعقبت الانتخابات الرئاسية الخلافية. ومنذ ذلك الحين، تفوّق جهاز “الحرس الثوري” على الوزارة الوطنية باعتباره جهاز الاستخبارات الرئيسي في إيران، مما خلق منافسات ومسؤوليات متداخلة تتفجر أحياناً إلى العلن (على سبيل المثال، حين يعتقل “الحرس الثوري” ناشطين في شؤون البيئة كجواسيس).
ومن الناحية النظرية، سيؤدي تأسيس منظمة استخباراتية منفصلة تابعة لـ “قيادة إنفاذ القانون” إلى السماح للنظام بتخصيص المزيد من الموارد لتجنيد المزيد من العناصر لمراقبة حركات الاحتجاج وإدارتها، وفي الوقت نفسه تحرير وكالات استخباراتية أخرى لكي تركز على التجسس ومكافحة التجسس والأنشطة المماثلة. وقد اكتسى الهدف الأخير أهمية خاصة في ضوء الإخفاقات الكبيرة المسجلة مؤخراً في مجال الاستخبارات على غرار اغتيال المسؤول النووي محسن فخري زاده وتفجير منشأة “نطنز” النووية. ويمكن أن نتوقع أيضاً تعاوناً وثيقاً بين المنظمة الجديدة و”الحرس الثوري الإسلامي”، وربما المزيد من عناصر “الحرس الثوري” – على الرغم من أنه لا يجب استبعاد المنافسة البيروقراطية الناتجة عن المسؤوليات المتداخلة.
بالإضافة إلى ذلك، يعمل المسؤولون على إنشاء منطقة قيادة جديدة لـ “الحرس الثوري الإسلامي” تشمل محافظة البرز والقسم الغربي من محافظة طهران. ومن المحتمل أن يتم إجراء هذا التغيير للتعامل بشكل أفضل مع الاحتجاجات الشديدة التي هزت بين فترة وأخرى مدينة كرج عاصمة محافظة البرز، التي تقع على بعد أقل من ساعة بالسيارة من طهران.
كما ستؤدي إعادة الهيكلة إلى تقسيم “أكاديمية أمين للشرطة” إلى جامعة لتدريب الضباط و “جامعة شاملة للدراسات العليا”، وفقاً للنمط المعمول به في “الحرس الثوري” مع أكاديمياته وجامعاته. ويتمثل الهدف بزيادة الاستثمارات في التكنولوجيا الانضباطية، وتجنيد المدنيين من الجامعة، وتسهيل عمل الأساتذة والطلاب مع “قيادة إنفاذ القانون”. وفي سياق متصل، تضيف القوة “مديرية للبحوث والتكنولوجيا والعلوم”، مما يعكس على الأرجح الرغبة في تحسين الرقابة المحلية من خلال منح الأولوية لدمج التكنولوجيا المتقدمة. وبعد وقت قصير من الإعلان عن إنشاء “قيادة إنفاذ القانون”، عرض نائب الرئيس الإيراني لشؤون العلوم والتكنولوجيا، سورينا ساتاري، التعاون مع سلطات إنفاذ القانون والتنسيق بشكل أفضل بين الجامعات والشركات القائمة على المعرفة بهدف تعزيز مهام إنفاذ القانون. وهذه العلاقة المحتملة تستحق المراقبة عن كثب.
وعلناً، أشاد العديد من المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين بالقرار باعتباره تحولاً مرحباً به. وأرسل القائد العام لـ “الحرس الثوري الإسلامي” حسين سلامي كتاباً إلى أشتري يهنئه فيه على “فصل جديد” سيعزز مكانة “قيادة إنفاذ القانون” في “هندسة أمن البلاد وعزيمتها”. كما تعهد بأن يكون “الحرس الثوري” وقوة “الباسيج” شبه العسكرية على استعداد تام “لتوسيع وتعميق التعاون الثنائي”. وبالمثل، صرح قائد “قيادة إنفاذ القانون” السابق ومقره في طهران مرتضى تالاي بأن التغيير “سيرفع المعنويات” ويضع القوة “على نفس مستوى القوات المسلحة الأخرى”. بدوره، ذهب المفوض السياسي السابق في “الحرس الثوري الإسلامي” حجة الإسلام علي سعيدي، الذي يدير حالياً مكتب الإيديولوجيا السياسية للقائد العام، إلى أبعد من ذلك بالإشارة صراحة إلى الاحتجاجات الجماهيرية، واصفاً القوة المعاد هيكلتها بـ “رأس الحربة في مواجهة الفتن”.
أمير توماج هو باحث مستقل في شؤون إيران، وأحد مؤسسي منظمة “مراقبة محور المقاومة” ومؤلف التقرير الذي نشره “معهد واشنطن” مؤخراً بعنوان “وجهات النظر الإيرانية تجاه التهديد الأمريكي باستخدام القوة الناعمة”.
المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى