منهل باريش
أسبوع من التصعيد الروسي على شمال غربي سوريا والطائرات الحربية لا تغادر سماء ريف إدلب، وحرب على لقمة العيش تطارد السوريين، وتهدف لفرض حالة من عدم الاستقرار وتدمير البنية التحتية وعوامل الإنتاج. هذا حال إدلب كما وصفها نائب مدير الدفاع المدني السوري للشؤون الإنسانية، منير المصطفى في تصريح لـ«القدس العربي».
ويترافق هذا التصعيد مع انتهاء جولة استانا الـ 17 لدول الصيغة، الضامنة الثلاث روسيا وإيران وتركيا، نهاية العام الماضي. وبدء الدبلوماسية الروسية بالتلويح بعدم تمديد تفويض آلية إدخال المساعدات عبر الحدود وتحويلها لصالح إدخال المساعدات عبر خطوط النزاع أو التماس بين قوات النظام السوري وحلفائه وفصائل المعارضة السورية بعد أن «ثبت نجاحها» كما بدأت البعثة الروسية في مجلس الأمن الدولي تروج. ووصف المسؤول في مؤسسة «الخوذ البيضاء» ان الهدف من مساعي روسيا والنظام بحصر إدخال المساعدات عبر مناطق سيطرة النظام هو أن «تجعل من قضية المساعدات الإنسانية سلاحا بيدها (روسيا) وبيد نظام الأسد وتمارس سياسة التجويع والحصار كما مارستها في درعا والغوطة وداريا والزبداني وحمص وحلب، وكما تمارسها الآن في مخيم الركبان» الواقع قرب مثلث الحدود السورية الأردنية العراقية، جنوب شرق البلاد.
وأشار المسؤول الإنساني الذي توثق مؤسسته خروقات قصف النظام وحلفائه، إلى مقتل 3 مدنيين وإصابة 11 آخرين «بالقصف الجوي الروسي خلال الأيام الأربعة الأولى من العام الحالي، والذي استهدف مناطق متفرقة شمال غربي سوريا، وكان النصيب الأكبر منها على ريف إدلب الجنوبي والغربي وبلغ عدد الغارات الجوية الروسية 35 غارة». حيث استهدف الطيران الروسي منزلاً ومخيماً للنازحين قرب مدينة جسر الشغور بريف إدلب الغربي في اليوم الأول من الشهر الجاري. كما أصيب عامل تشغيل في محطة ضخ مياه العرشاني في مدينة إدلب التي قصفها الطيران الروسي بشكل مباشر ودمر أجزاء كبيرة من المحطة في اليوم الثاني من كانون الثاني (يناير).
في السياق، سجلت مراصد المعارضة السورية قصف أطراف مدينة إدلب وقرى البارة ومعرطبعي جبل الزاوية، وكنصفرة بريف إدلب الجنوبي وأطراف مدينة كفرتخاريم وأرمناز والجديدة في الريف الغربي، ويتكرر قصف مدفعية النظام الثقيلة على منطقة سهل الغاب. كما تستمر الميليشيات الإيرانية والمتمركز في منطقة معسكر الشيخ سليمان بقصف محيط مدينة دارة عزة، أكبر مدن ريف حلب الغربي ونقطة الوصل بين إدلب ومنطقة عفرين وريف حلب الشمالي اللذين يسيطر عليهما «الجيش الوطني» السوري المعارض الموالي لأنقرة.
وتركز قصف الطيران الحربي الروسي على المجمعات الحيوانية في عمليات القصف خلال الأشهر الأخيرة، فمزارع الدواجن عادة ما تكون مكتظة بالنازحين الذين يشغرون عددا من الهناغر فيما يقوم المزارع بتشغيل هنغار واحد أو نصف هنغار في بعض الأحيان. ويقول نائب قائد الدفاع المدني للشؤون الإنسانية إن «حصيلة ضحايا القصف على مزارع تربية الدواجن منذ تاريخ 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 وحتى اليوم، بلغت 8 قتلى من المدنيين و11 مصاباً بالقصف المباشر على 7 مزارع لتربية الدواجن في عدة مناطق شمال غربي سوريا».
هذا ويتوزع «قتلى المداجن» بين مدجنة قرب معر تمصرين شمال إدلب في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) المذكور أعلاه، قتل خلاله 5 مدنيين وجرح 6 آخرين وكررت القاذفات الجوية قصفها نفس المدجنة بتاريخ 25 كانون الأول (ديسمبر) 2021 من دون تسجيل إصابات وتكرر استهدافها لمدجنة أخرى على أطراف المدينة بتاريخ 27 كانون الأول (ديسمبر) أدى لمقتل مدني وإصابة ثلاثة بجروح. كما قتل مدنيان في مزرعة لتربية الدواجن بمحيط بلدة كفر دريان شمالي إدلب بغارتين من الطيران الروسي على المدجنة بتاريخ 31 كانون الأول (ديسمبر) وأصيب عاملان بقصف جوي روسي على مدجنة بين مدينة كفر تخاريم وبلدة أرمناز بتاريخ 3 كانون الثاني (يناير) 2022 كما تعرضت مزرعة لتربية الأبقار والدجاج بمحيط مدينة دارة عزة لقصف جوي روسي.
ويعتقد المسؤول في الدفاع المدني ان القصف الروسي المباشر والمتعمد للمنشآت الحيوية بشكل عام ومزارع تربية الدواجن بشكل خاص يشكل «خطراً على مقومات البقاء ومصادر دخل مئات الأسر في شمال غربي سوريا عدا عن تأثيره على الارتفاع الكبير في أسعار المواد الأساسية والخطر الكبير الذي يهدد الثروة الحيوانية في عموم مناطق شمال غربي سوريا والتي تتسم بطابعها الذي يعتمد على الزراعة وتربية الدواجن والحيوانات التي تعد منتجاتها مصدر رزق لمئات العوائل التي فقدت مصادر رزقها بسبب التهجير وحرب النظام وروسيا على المدنيين خلال السنوات العشر السابقة».
ويتخوف «الدفاع المدني السوري» من حملات تهجير ونزوح مع بداية العام الحالي وبظروف شتاء قاسية على من يقطنون وطن الخيام «وسط تعام دولي عن محاسبة نظام الأسد وروسيا على جرائمهم بحق السوريين».
ولفت إلى أن الهجمات الروسية عبارة عن «رسائل للمجتمع الدولي أنها مستمرة في سياسة القوة والقتل والتدمير، فكلما رأت تراجعاً وتقهقراً في الموقف الدولي كلما زادت من جرعة الإجرام».
وفي البيانات، تلقت «القدس العربي» نسخة من الحصيلة السنوية للدفاع المدني السوري، يشير فيها إلى استجابة متطوعيه خلال عام 2021 لأكثر من 1300 هجوم من قبل النظام وروسيا تم فيها استخدام أكثر من 7000 ذخيرة متنوعة الاشكال والأنواع، منها أكثر من 145 طلعة جوية جميعها روسية تم فيها شن أكثر من 400 غارة جوية، و1000 هجوم بالقذائف المدفعية تم فيها إطلاق أكثر من 5650 قذيفة، و123 هجوماً صاروخياً تم فيها إطلاق أكثر من 700 صاروخ منها 43 هجمات بصواريخ أرض ـ أرض، منها اثنان محملان بقنابل عنقودية، إضافة لـ 34 هجوماً بالصواريخ الموجهة تم فيها إطلاق أكثر من 40 صاروخاً، فيما كانت الطائرات المسيرة حاضرة واستجاب الدفاع المدني السوري لـ 8 هجمات بالطائرات المسيرة، و المئات من الهجمات بأسلحة أخرى متنوعة.
كذلك وثقت «الخوذ البيضاء» خلال عام 2021 مقتل 225 شخصاً من بينهم 65 طفلاً و38 امرأة نتيجة لتلك الهجمات التي شنها الطيران الروسي وقوات النظام واستجابت لها فرق الدفاع المدني السوري فيما تمكنت الفرق من إنقاذ 618 شخصاً أصيبوا نتيجة لتلك الهجمات، من بينهم 151 طفلاً. وحددت ان هدف الهجمات بشكل عام هو منازل المدنيين والحقول الزراعية، فيما لم يتوقف استهداف المدارس، والمشافي، والمرافق الحيوية، واستجابت فرق الدفاع المدني السوري، لأكثر من 490 هجوماً على منازل المدنيين، وأكثر من 620 هجوماً على حقول زراعية و4 هجمات على مدارس ومنشآت تعليمية و8 هجمات على أسواق شعبية، و4 هجمات على مشافي ونقاط طبية، و4 هجمات على مراكز الدفاع المدني السوري، و4 هجمات على مخيمات تؤوي مهجرين، ومئات الهجمات الأخرى التي استهدفت معامل ومنشآت تجارية ومحطات، وقود، وأبنية عامة، وطرقات.
وفي الإحصاءات الإنسانية رصد فريق «منسقو استجابة سوريا» حجم الأضرار التي لحقت بمخيمات النازحين شمال غرب سوريا خلال عام 2021 وقالت المنظمة في بيان لها صدر الأربعاء 5 كانون الثاني (يناير) الجاري أن عدد المخيمات شمال غرب سوريا بلغ 1489 مخيما يقيم فيها مليون و512 ألفا و764 شخصا، منها 452 مخيما عشوائيا يقطنها 233 ألفا و671 شخصا.
وأكد مدير المنظمة، محمد حلاج في اتصال مع «القدس العربي» أن الكوارث الطبيعية تسببت بالحاق الضرر بنحو 611 خيمة، وهدمت أيضا 3245 خيمة، وقدّر عدد المتضررين جراء الكوارث 248 ألفا و732 شخصا. وأشار إلى عدد حرائق المخيمات بلغ 157 حريقا، احرق على إثرها 302 خيمة.
من الواضح، ورغم استقرار خطوط الجبهات في إدلب، إلا ان القصف مستمر وارتفعت شدته خلال الشهر الأخير من العام الماضي وخصوصا على صعيد القصف الجوي الروسي للمنطقة. اضافة إلى خفض التصعيد بإدلب مرتبط بتطبيق اتفاق موسكو، آذار (مارس) 2020.
وهذا ما يجعل التخوف من هجوم وشيك مشروع للغاية وحق بالنسبة للمدنيين السوريين المهجرين.
المصدر: القدس العربي