عماد كركص
بعد فشل مساعي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، لإعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية من بوابة تطبيع العلاقات معه خليجياً، لا سيما في زيارتيه إلى الرياض والدوحة، دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مبعوثه الخاص إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، إلى المنطقة، في تحرك يبدو أنه يأتي في السياق نفسه.
ويعد مسعى إعادة نظام بشار الأسد للجامعة العربية أبرز أهداف موسكو راهناً، بعد إنجاز إعادة انتخاب الأسد لفترة رئاسية جديدة منتصف العام الماضي، والتطلع للبدء بمرحلة إعادة الإعمار، التي تنتظرها الشركات الروسية، على أمل استجرار الأموال الخليجية لها.
ألكسندر لافرنتييف في السعودية
وزار لافرنتييف الرياض حيث التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بحضور رئيس الاستخبارات السعودية خالد بن علي الحميدان، وحضر الملف السوري كبند رئيسي في المباحثات.
بعدها توجه لافرنتييف إلى دمشق فالتقى الأسد ورئيس مكتب الأمن الوطني (أعلى منصب استخباراتي في سورية) علي مملوك. ولم تخرج من الرياض أي تسريبات عما دار خلال اللقاء، سوى أنه تطرق لتطورات الأحداث في سورية.
وكذلك كان الأمر في سورية، إذ اكتفت وكالة الأنباء التابعة للنظام “سانا” بنشر خبر لقاء لافرنتييف بالأسد بطريقة دبلوماسية، مشيرة إلى أن الحديث “دار حول آخر التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية، والقضايا السياسية ذات الاهتمام المشترك”.
وأضافت أن الأسد “اعتبر أن الضغوط الغربية التي تتعرض لها روسيا في العديد من الملفات تأتي كرد فعلٍ على الدور الروسي المهم والفاعل على الساحة الدولية، ودفاعها عن القانون الدولي ووقوفها في وجه السياسات اللاأخلاقية التي تنتهجها بعض الدول الغربية”.
وذكرت أنه تمت مناقشة مجالات التعاون الثنائي السوري الروسي، وأن لافرنتييف أكد للأسد بأن موسكو “تولي أهمية خاصة لتطوير العلاقة مع سورية بشكل مستمر وتعزيز التعاون بين المؤسسات من كلا الطرفين، ودعم الشعب السوري في كل ما يساعده على تجاوز آثار الحرب”.
وتأتي هذه التطورات على وقع تحركات للمعارضة السورية، بعد أن ثبت فشل المسارات السياسية الحالية للحل، لا سيما مسار اللجنة الدستورية المصاب بالعقم نتيجة تعطيل النظام بدعم من الروس، وكذلك مسار أستانة الروسي، الذي يحاول أن يجير كل مخرجاته لصالح النظام منذ انطلاقه في العام 2017.
وبرزت في السياق الزيارة التي أجراها رئيس الائتلاف الوطني المعارض، سالم المسلط، برفقة رئيس هيئة التفاوض المعارضة أنس العبدة إلى قطر، الأسبوع الماضي، ولقاؤهما وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.
كما التقى المسلط القائمة بالأعمال في السفارة الأميركية في الدوحة ناتالي بيكر، وبحث معها آخر التطورات السياسية في سورية.
كما تأتي أهمية زيارة المسلط للدوحة، بلقائه كلاً من رئيس الائتلاف الأسبق معاذ الخطيب، ورئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب، إذ أشار المسلط إلى أن الحديث دار مع الرجلين اللذين التقى كلا منهما بشكل منفصل، على توحيد رؤى المعارضة السورية مستقبلاً.
وبعد يوم على استقبال المسلط والعبدة، كان وزير الخارجية القطري يستقبل أحمد عاصي الجربا، الرئيس الأسبق للائتلاف ورئيس “جبهة السلام والحرية”، والذي يعد من شخصيات المعارضة المقربة من السعودية.
وأشار الجربا بعد لقائه الوزير القطري إلى أن “اللقاء كان أخوياً ودياً صادقاً وشفافاً وسياسياً بامتياز”، معتبراً أن قطر “كانت وما زالت تلعب دوراً هاماً في دعم قضية الشعب السوري”.
وأفصح الجربا بشكل غير مباشر عن الرغبة بإيجاد مبادرة عربية جديدة لحل الأزمة السورية، بالقول إن “السوريين اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى مبادرة عربية مؤهلة لأن تقوم بها مصر، وقطر، والسعودية، لقيامة سورية والحفاظ على هويتها ضمن وحدة التراب السوري”.
محاولة إقناع السعودية بالتطبيع مع سورية
وحول التحرك الروسي الجديد، لفت الأكاديمي والباحث في الشأن الروسي محمود الحمزة، إلى أن لافرنتييف أهم ممثل روسي للملف السوري لكونه يتبع وزارة الدفاع والاستخبارات.
وأشار إلى أن هذا اللقاء الثاني للافرنتييف بولي العهد السعودي بعد الزيارة التي أجراها في مارس/آذار من العام الماضي للرياض والتي كانت تمهيدية لجولة لافروف الخليجية ولقائه بن سلمان.
وقال الحمزة في حديث مع “العربي الجديد”، إن “لافرنتييف يبحث قضية أساسية، وهي إقناع السعودية بالتطبيع مع النظام السوري، والحصول على موافقتها على إعادة النظام إلى الجامعة العربية”.
وأضاف “لا يزال الموقف السعودي رافضاً لهذا الطرح، إلى جانب قطر، والتأكيد أن النظام لا يمكن أن يعود للجامعة ولا يمكن التطبيع معه لأنه لم ينفذ الشروط أو يعمل على إزالة الأسباب التي أدت إلى تجميد عضويته في الجامعة، بالإضافة للضغوط الدولية التي تحد من القدرة على عودة النظام إلى المحيط الإقليمي والدولي، إذ يدرك الغرب أن النظام لم يتقدم بأي خطوة باتجاه إنجاز الحل السياسي ولم يطبق أيا من القرارات الدولية للحل”.
ولفت الحمزة إلى أن الأمر الأساسي بالنسبة للسعودية في سورية، هو الوجود الإيراني، وتريد أخذ وعود من النظام عن طريق الروس أو غيرهم لتحجيم دور إيران في سورية.
وتابع “أعتقد أن الأخوة في السعودية لن يقعوا في شرك هذا الوهم لأن إيران متغلغلة في سورية بطريقة معقدة، ومن الصعب تحجيم دورها، خصوصاً أن بشار الأسد عاجز عن إحداث أي تغيير في الملف السوري، فكل شيء خارج يده، وبقبضة طهران وموسكو”.
أما بخصوص تحركات المعارضة في قطر، فأشار الحمزة إلى أنها روتينية، لكنه لم يقلل من أهمية تفعيل نشاط الشخصيات المستقلة، ولا سيما الندوة التي يدعو إليها رياض حجاب.
وأضاف أنه بحسب المعلومات التي وردته عنها، لا تهدف هذه الندوة لخلق جسم سياسي جديد، وإنما البحث مع مراكز الدراسات والشخصيات الوطنية المعارضة عن مخارج جديدة للحل في ظل العقم الحاصل في المشهد السياسي السوري.
واعتبر الحمزة أن هذه التحركات إيجابية بالتوازي مع التحركات الروسية لإعادة النظام للمحيط العربي، مشيراً إلى أن هدف موسكو فتح الطريق أمام النظام للمجتمع الدولي من خلال البوابة العربية، وإقناع العرب والمجتمع الدولي بالبدء بمرحلة إعادة الإعمار، من خلال الأموال الخليجية.
المصدر: العربي الجديد