جاءت الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أمس، إلى دمشق، بمثابة رد على التحذيرات الغامضة التي أطلقها الجنرال الأميركي، مايك إريك كوريلا، المرشح لتولي منصب قائد القيادة المركزية الأميركية، بخصوص انعكاس الصراع الأوكراني على الشرق الأوسط عموماً وسوريا خصوصاً.
وعلى الرغم من أن شويغو التزم خلال زيارته سوريا ببرنامج بروتوكولي لم يتضمن إصدار أية مواقف حول خلفيات الزيارة ودوافع القيام بها في هذا التوقيت، حيث اكتفى الوزير الروسي بلقاء الرئيس السوري بشار الأسد، ومن ثم تفقد قاعدة حميميم، إلا أن شكوكاً كثيرة حامت حول أهداف موسكو من برمجة هذه الزيارة في توقيت سياسي بالغ الحساسية جرّاء تأزم الوضع في أوكرانيا.
ولم يخفِ معارضون سوريون خشيتهم من أن تكون سوريا قد تحولت ورقةً يستخدمها الكرملين على طاولة مفاوضاته مع الولايات المتحدة والغرب من أجل الحصول على مكاسب جيوسياسية في حديقته الخلفية المهددة بالانضمام إلى حلف “الناتو”. والمفارقة أن ما جاهر به بعض المعارضين من زاوية انتقاد سياسة دمشق، نقلته صحيفة “الوطن” السورية، المقربة من دوائر صنع القرار في دمشق، عن مصادر واسعة الاطلاع، الأمر الذي عزز الخشية من رؤية موسكو للمشهد السوري وموقعه في الصراع المحتدم الذي تخوضه مع الغرب من أجل استعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي الغابر.
وقالت الصحيفة: “إن زيارة شويغو دمشق ولقاءه الرئيس الأسد يتصلان بشكل عميق بالتصعيد المتزايد على الجبهة الأوكرانية، وذكرت تلك المصادر أن اللقاء ركّز على الوضع في أوكرانيا وربط هذه القضية بالجبهة السورية”.
وأضافت الصحيفة “أن شويغو وضع الرئيس الأسد بصورة المناورات العسكرية التي ستُجريها القوات الروسية انطلاقاً من السواحل السورية، وتوقيتها المرتبط بالتسخين الحاصل على الجبهة الأوكرانية.
وبحسب المصادر التي نقلت عنها “الوطن”، “فإن قاعدة حميميم لم تعد مجرد قاعدة لمحاربة الإرهاب وأن دورها تجاوز بكثير حدود الجغرافيا السورية، لتكون عسكرياً رأس حربة في حوض المتوسط والاشتباك الدولي الروسي – الغربي”.
وكان اللفتنانت جنرال إريك كوريلا، المرشح لمنصب القائد العام للقيادة المركزية الأميركية، قد حذّر، الأسبوع الماضي، أعضاء مجلس الشيوخ من أنه إذا غزت روسيا، أوكرانيا، كما يخشى كثيرون، فقد يؤدي ذلك إلى عدم استقرار أوسع في الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا.
ورداً على سؤال حول احتمال حدوث تداعيات في الشرق الأوسط في حال وقوع غزو روسي لأوكرانيا، قال كوريلا إنه يعتقد أنه يمكن أن يمتد إلى سوريا، حيث تمتلك روسيا بالفعل قاعدة عسكرية وقوات.
وجاءت زيارة شويغو بالتزامن مع وصول أسلحة روسية استراتيجية إلى سوريا للمشاركة، وفق ما هو معلن، في المناورات العسكرية التي يشهدها حوض المتوسط.
ونقلت وكالة “إنترفاكس” الروسية للأنباء، الثلثاء الماضي، عن وزارة الدفاع، قولها إنّ موسكو نشرت مقاتلات “ميغ-31 كيه” وصواريخ “كينزال” الأسرع من الصوت وقاذفات قنابل طويلة المدى “توبولوف تي.يو-22 إم” الاستراتيجية في قاعدتها الجوية بسوريا لإجراء مناورات في البحر المتوسط.
وستشارك الطائرات المقاتلة التي أُرسلت إلى قاعدة حميميم الجوية في مناورات شرق المتوسط، في إطار تصاعد النشاط العسكري الروسي وسط مواجهة مع الغرب بخصوص أوكرانيا والأمن في أوروبا.
وأعلنت موسكو في 20 كانون الثاني (يناير) الماضي أنّ قواتها البحرية ستنظم مجموعة من المناورات تشمل كل أساطيلها من المحيط الهادئ إلى المحيط الأطلسي بمشاركة عشرة آلاف جندي و 140 سفينة حربية وعشرات الطائرات.
وكشفت “الوطن، ايضاً عن زيارة قريبة سيقوم بها وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى روسيا، وأكدت أنه سيصل إلى العاصمة الروسية مطلع الأسبوع المقبل في زيارة تستمر لأيام عدة تلبية لدعوة من نظيره الروسي، وعلمت “الوطن” من مصادر دبلوماسية، أن زيارة المقداد هي الثانية له إلى روسيا منذ توليه منصب وزارة الخارجية، وسيلتقي خلالها الوزير سيرغي لافروف وعدداً من كبار المسؤولين الروس.
وكان مسؤول روسي قد طالب منذ أسابيع قليلة بنشر صواريخ “تسيركون” الفرط صوتية في ميناء طرطوس. وقال رئيس لجنة الدفاع في مجلس “الدوما”، أندريه كارتابولوف، إن نشر سفن روسية مزوّدة بصواريخ “تسيركون” الأسرع من الصوت في ميناء “طرطوس” بسوريا ستكون له فائدة “لتغطية البحر المتوسط بشكل كامل”.
وأضاف كارتابولوف خلال لقاء على قناة “سولوفييف لايف” في “يوتيوب”، نقله موقع RT الناطق بالعربية يوم أمس الثلثاء: “لدينا قاعدتنا في البحر الأبيض المتوسط. توجد (حميميم) وهناك (في ميناء طرطوس) توجد أنظمة صواريخ ساحلية”.
وتابع: “يمكن أن ترسو هناك سفن مسلّحة بصواريخ “تسيركون” التي تفوق سرعة الصوت، والتي ستغطي كامل البحر الأبيض المتوسط”.
وعلل كارتابولوف نشر الصواريخ الحديثة بأن التدابير العسكرية “ليست بالضرورة للحرب، بل هي لخلق تهديدات مباشرة للعدو، تدفعه إلى التفكير بأفعاله اللاحقة”، حسب تعبيره.
وقال: “ذلك يعني أنهم حين يدركون أنهم يواجهون تهديداً مباشراً بتدمير أصولهم الهجومية، الموجودة في أوروبا الشرقية، وأنظمة التحكم، ومجموعات حاملات طائراتهم، فما الفائدة من بدء شيء ما إذا كنت تخسر سلفاً؟ إنهم حساسون للغاية من الهزائم”.
ويشير كارتابولوف بالتهديدات إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إذ حشدت روسيا عشرات الآلاف من القوات بالقرب من أوكرانيا، وطالبت بعدم السماح لجارتها الجنوبية بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، إضافة إلى عدم نشر أي أسلحة هجومية هناك أو في أي من البلدان المجاورة لها.
المصدر: النهار العربي