علي دمير
أعوام طويلة شهدت مرحلة توتر كبير بين تركيا والاحتلال الإسرائيلي، وذلك بسبب السياسات الإسرائيلي السلبية تجاه تركيا وتجاه القضية الفلسطينية.
وحتى اليوم لا تستقبل تركيا سفيرا للاحتلال الإسرائيلي على أراضيها، كما أنها سحبت سفيرها الذي يمثلها لدى الاحتلال، لكن الأضاع بدأت تتغير مع تزايد الرغبة الإسرائيلية بالتقرب بشكل أسرع من تركيا، حيث يؤكد مراقبون أن هناك مساعٍ حثيثة ورغبة واضحة من قبل الجانب الإسرائيلي لإعادة المياه إلى مجاريها مع تركيا.
مصادر عديدة لدى الاحتلال الإسرائيلي، دبلوماسية وإعلامية، حسب ما تتابع “وكالة أنباء تركيا”، تؤكد أن “إسرائيل باتت اليوم منفتحة على التقارب مع تركيا”، ما يؤكد سعي الاحتلال للتقرب أكثر من تركيا.
ويرى محللون وسياسيون أن “إسرائيل تعلم جيداً حجم ثقل تركيا ووزنها في المنطقة، فضلا عن قوة علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية”.
لتركيا كلمة مسموعة عند أمريكا
أستاذ العلاقات الدولية حسن غريبة أكد في حديث مع “وكالة أنباء تركيا” أن “التقارب التركي الإسرائيلي هدفه اقتصادي بامتياز”، إلا أنه أشار في الوقت نفسه إلى أن “الجميع يعلم أن تركيا عضو في حلف الـ(ناتو) وتبقى كلمتها مسموعة لدى أمريكا، وبالتالي نجد أن الرئيس الأمريكي جو بايدن وحفاظا على تركيا كعضو في الـ(ناتو) اختلف بسياسته عن الرئيس السابق دونالد ترامب فيما يتعلق بالنفط والغاز”.
وبالعودة إلى الشأن الاقتصادي كونه محور رئيسي يدفع لإعادة الدفء في العلاقات التركية الإسرائيلية، أوضح غريبة أن “عودة العلاقات الإسرائيلية التركية مرتبط وبقوة بالشأن الاقتصادي في المرتبة الأولى”.
“إسرائيل”: نحن خائفون
صحف عبرية وعلى رأسها صحيفة “هآرتس” ترى أن عودة العلاقات الدافئة بين “إسرائيل” وتركيا تخدم “إسرائيل” في المقام الأول، مشيرة إلى أن “إعادة السفراء بين الطرفين يخدم مصلحة إسرائيل”، على حد تعبيرها.
وحسب صحيفة “هآرتس العبرية” فإن “الإسرائيليين متخوفون من مساعي إسرائيل للتقارب من تركيا”، ناقلة اعتراف مصدر إسرائيلي رفيع على محاولة إعادة العلاقات بين إلى مسارها، حيث عبّر عن ذلك بعبارة واحدة “نحن خائفون”.
وأضافت الصحيفة العبرية “في إسرائيل لا يستبعدون احتمالية أن العلاقات موجودة في مسار الترميم، لكنهم قالوا إن الأمر يتعلق بعملية بطيئة ومحسوبة.. الخوف هو بالأساس من شخصية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومن دعمه المستمر للفلسطينيين، ومن أنه يحاول استخدام إسرائيل من أجل تحسين وضع تركيا الاقتصادي وتعزيز قوتها الإقليمية”.
تركيا هي الدولة الإقليمية المسلمة الأكبر
بدوره، يرى الكاتب والمحلل السياسي أحمد مظهر سعدو، أن “إسرائيل إذا أرادت الولوج في المنطقة برمتها فلا بد لها أن يكون هذا الدخول من باب الدولة الإقليمية المسلمة الأكبر وهي تركيا، والأكثر سيطرة وامتدادا وحنكة في التعاطي مع جميع المسائل الإقليمية، فتركيا تمتلك الكثير من العلاقات القوية مع الإيرانيين والروس، وأيضا ومؤخرا مع دول الخليج العربي، علاوة على أنها جزء مهم من حلف الـ(ناتو)”.
وفي حديثه مع “وكالة أنباء تركيا”، أضاف سعدو قائلا “يبدو أن إسرائيل تحاول بذلك أن تؤمن مصالحها وأطماعها عبر مزيد من المرور بسياقات تطبيعية مع دول المنطقة، كي تكون مقبولة سياسيا وجغرافيا في مكان وتموضع جغرافي مازالت تعي أنها مرفوضة فيه”.
ورأى أيضًا أنه “في الزيارة المرتقبة للرئاسة الصهيونية الغاصبة لفلسطين تؤمّل إسرائيل نفسها بعلاقات مع تركيا والمنطقة أكثر قبولا ورحابة.. لكن أوهامها لن تكون واقعية لأن السياسة التركية الحالية لا تساوم أبدا على القدس والمسألة الفلسطينية التي هي قضية العرب والمسلمين قاطبة”.
واعتبر أن “كل ذلك عبارة عن محاولات إسرائيلية مدعومة أميركيا لإنجاز ما عجزت عنه إسرائيل في فترات سابقة”، مضيفا “ولعل الاستمرار في احتلالها للأراضي السورية والفلسطينية وقضم الأراضي واغتصاب الأرض والسكن وعدم الدخول بأي عملية سلمية جدية، سيجعل منها وإلى فترات قادمة غير متقبلة في المنطقة كلها وليس في تركيا فقط”.
إسرائيل والضغط على “حماس” من البوابة التركية
مراقبون آخرون رأوا أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى “لاهثا” للتقرب من تركيا محاولا الضغط بشكل خاص على حركة المقاومة الإسلامية “حماس” من البوابة التركية.
وفي هذا الجانب كانت صحيفة “يسرائيل هيوم” قد ذكرت في أحد تقاريرها أن “إسرائيل قدمت طلبات متكررة لتركيا طالبة منها طرد قيادات من (حماس)”.
وهنا، قال الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو إنه “على الرغم من أن العلاقات التركية الإسرائيلية دخلت فعليا في مسار إعادة تطبيع العلاقات منذ أشهر عبر سلسلة اتصالات وتصريحات إيجابية بينهما، إلا أن الأيام الأخيرة شهدت حراكا مكثفا وخاصة من الجانب التركي من أجل تسريع هذا المسار”.
وفي حديث مع “وكالة أنباء تركيا”، قال عودة أوغلو “في هذا الإطار وفد تركي رفيع زار الاحتلال الإسرائيلي تحضيرا لزيارة هرتسوغ إلى أنقرة الشهر المقبل، والهدف المعلن الانتقال للحديث حول الملف الأهم الذي دفع أنقرة لمراجعة علاقاتها مع تل أبيب، وهو إمكانية توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية والاتفاق على مشروع لنقل غاز شرق المتوسط إلى أوروبا عبر تركيا”.
ومضى موضحاً “لكن إلى جانب الاتصالات السياسية المعلنة تحدثت مصادر إعلامية إسرائيلية وتركية متطابقة عن اتصالات سرية تكثفت خلال الأيام الماضية على مستوى الاستخبارات، وعلى الرغم من التصريحات الإسرائيلية الأخيرة التي صدرت من مسئولين إسرائيليين تقول إنه لا توجد أي شروط مسبقة لإخراج (حماس) من تركيا، إلا أن الواقع على الأرض يبدو غير ذلك”.
وختم عودة أوغلو قائلا “على كل الأحوال يبدو أن زيارة الرئيس الإسرائيلي ستضع النقاط على الحروف وتتوج مسار عودة العلاقات، فيما تبقى أسئلة مهمة تشغل بال الكثيرين: ما هو مدى حدود التطبيع، وعلى حساب من؟، والأهم: هل سيؤدي هذا التطبيع إلى إحداث تغيير في سِياسة (تركيا ـ أردوغان) تجاه حلفائه خصوص حركة (حماس) تحديدا؟”.
وتتوجه الأنظار إلى شهر آذار/مارس المقبل، إذ من المتوقع أن يزور رئيس الاحتلال الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، تركيا، حسب ما أعلنت مصادر رسمية تركية.
الجدير ذكره أن وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، أكد في وقت سابق من العام الجاري 2022، أن “أي خطوة ستتخذها تركيا في إطار تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لن تكون على حساب القضية الفلسطينية، كما فعلت بعض الدول لدى تطبيع علاقاتها مع تل أبيب.. إذ إن موقفنا من قضية فلسطين ثابت”.
المصدر: وكالة أنباء تركيا