أحمد مظهر سعدو
يتعين دور ووجود الميليشيات الطائفية الإيرانية في سورية بدلالة خدمتها وانخراطها في المشروع الفارسي الإيراني الطائفي الاحتلالي للمنطقة، ويتمظهر وجودها وخطرها على الواقع السوري، بمدى قربها وانضوائها تحت أتون السياقات الإرهابية المتغولة على المنطقة برمتها، ومنها بالضرورة الواقع السوري، منذ بدايات انطلاق ثورة الحرية والكرامة وحتى الآن. فقد استشعر الإيرانيون أن ثورة الشعب السوري قد أصبحت مع أوج انطلاقتها تشكل خطرًا على استمرار بقاء سلطة بشار الأسد ودوره الوظيفي في المنطقة، ومدى خدمته واحتسابه ضمن محددات المشروع الإيراني، الذي يعود إلى تاريخ ليس بقريب، بل يمكن القول إنه راح يتكون ويتجذر منذ أن انتصف العرب من العجم، أي منذ معركة القادسية التي لقنت الفرس درسًا لايمكن نسيانه، ومن ثم فقد راحت تتكون داخل المجتمع الفارسي بوادر التفاف على الفتح الإسلامي فيما بعد، من منطلق أنه لايمكن إلا أن يتسلق الإيراني/ الفارسي على قدسية الدين الإسلامي وصولًا إلى القبض على الدين، والعودة باسمه كدور، فكان التشيع الصفوي الذي ينتح من معين الأطماع الفارسية في المنطقة العربية، وليس من أجل خلاف مفتعل مع الإسلام الحنيف أو في مواجهة السنة، لانجاز ما أسموه الانتقام إلى عملية مقتل (الحسين) رضي الله عنه واتباعه، والعودة إلى بدايات الدولة وصلاحية وأولوية واحقية الخلافة الإسلامية. حيث لم يكن ذلك على الإطلاق بل كان معطىً سياسيًا يريد إعادة بناء الامبراطورية الفارسية المنقرضة ذات البعد القومي الشوفيني المتغول على المحيط الإقليمي بشكل عام والعرب منه بشكل خاص.
لقد حمل هذا المشروع دعاة دولة وحكم الملالي في إيران بعد انتصار ثورة الشعوب في ايران عام 1979على حكم الشاه، محاولين الإشتغال على فكرة سيطرة وهيمنة الدولة الإسلامية والجمهورية الاسلامية الوليدة، وأيضا فكرة تصدير الثورة الإسلامية التي رفع شعارها (آية الله الخميني)، وبدأها بحرب(البسوس) الإيرانية ضد العراق والتي دامت ثماني سنوات بين 1980 و1988. ثم انتهت إلى خسارة كبرى وتقهقر كبير لدولة الإمام المنتظر وحكم الخميني، وهو الذي تجرع السم بموافقته على وقف الحرب التي خسر فيها الكثير. لكن هذه الخسارة لم تثنه ولا حكم الملالي من بعده عن متابعة المشروع الفارسي الطائفي للمنطقة، حيث اشتغل طويلًا على زعزعة أوضاع المنطقة المحيطة، وولوجًا بعملية تحالف نفعي مع البريطانيين والأميركان لإنهاء حكم (صدام حسين) في العراق والدخول إلى العالم العربي من بوابة العراق، بدعوى أنهم جاؤوا لحماية الشيعة العرب، علمًا بأن شيعة العراق لم يكونوا يومًا تبعًا للفرس وهم يدركون الخطر الفارسي على المنطقة كلها. ويبدو أن المجال الأوسع والأرحب للإيرانيين كان بعد عام 2011 حيث تمكنوا من الولوج في الحالة السورية واليمنية واللبنانية، وكان التواجد الإيراني وعبر حزب الله ومنتجات مايسمى “الحرس الثوري الإيراني” كان الأخطر عبر دخوله على خط مناهضة الثورة السورية، وحماية حكم الأسد الذي كاد أن ينهار مع مطلع العام 2013. فقد استنفر الإيرانيون بكل ما استطاعوا ليستقدموا الميليشيات الإيرانية والأفغانية واللبنانية والعراقية والباكستانية وسواها ليواجهوا ثورة السوريين، ويوقفوا تدفق جحافلها، ومن ثم منع قيام دولة الحرية والكرامة على أنقاض دولة الاستبداد الشمولي الأسدي، وقد جلبوا هذه الميليشيات وراحوا يطلقون عليها تسميات ذات بعد طائفي لتتم شيطنة الثورة السورية ويستفزوا بذلك السوريين، ويساهموا في ايقاظ النزعات الطائفية الماقبل وطنية، التي كان قد تجاوزها الزمن، فالسنة في سورية لم يكونوا يومًا إلا عماد الدولة الوطنية السورية بامتياز، ولايمكن بالضرورة حشرهم في سياق بعد طائفي تصادمي، وهو مقتل أي ثورة أو عمل وطني ديمقراطي، بل كانت شعارات السلطة السورية وبنصائح إيرانية ذات بعد طائفي كي يتمكنوا من حشد الميليشيات الطائفية المستقدمة التي وجدت في الساحة السورية ضالتها الطائفية، للدفاع عن (المراقد والقبور والمزارات )، وهي مزارات إسلامية لاتخص الشيعة بحد ذاتهم.
(النجباء) و(الفاطميون) و(حزب الله اللبناني) و(حزب الله العراقي) والكثير سواهم، لم يكونوا إلا أدوات إيرانية لتنفيذ سياسات الدولة الإيرانية كمصلحة لتحقيق المشروع الإيراني/ الفارسي للمنطقة برمتها، وهم أدوات مباشرة لخدمة الممول الأساسي الإيراني الذي ضخ الأموال والسلاح في الواقع السوري، وراح يعمل على الهيمنة على غير مكان في سورية من حلب إلى البوكمال إلى درعا إلى حمص من أجل إعادة بناء واقع طائفي يتبع حكم الملالي، ويساهم في بقاء الأسد كألعوبة بيد الإيرانيين ومن أجل تنفيذ مصالحهم في سورية والمنطقة، تحت دعاوى تقول: إن طريق القدس يمر من القصير أو حلب، واستطاعوا بذلك أن يجندوا الكثير من الفلسطينيين في هذا المشروع الخطير الذي اتكأ على القدس وفلسطين ضمن سياقات (الدجل والممانعة)، بينما هم يشترون ويبيعون السلاح لإسرائيل ـ بينما يدعون محاربتها، وليس بعيدًا عن مخيالنا فضيحة (إيران غيت) أثناء الحرب العراقية الإيرانية.
لم تكن الطائفة الشيعية في جبل عامل في لبنان عبر التاريخ ولا التشيع العربي العراقي في جنوب العراق إلا تشيعًا وطنيًا عربيًا لايمت إلى الفارسية ومشروعها بصلة، لكن الدور الإيراني اليوم وضخ الأموال إلى حزب الله، وكل هذه الميليشيات الطائفية هو ماساهم في خراب وتخريب الكثير من أبناء الطائفة، كما كانت انتفاضىة تشرين في العراق التي بدأت من الجنوب العراقي ومنذ البداية ضد الوجود الإيراني الإحتلالي في العراق، بل وضد كل الدور الإيراني في الواقع العراقي والسوري والعربي.
إن ماتفعله ميليشيات حزب الله والنجباء وسواهم في الواقع السوري، وبوجود نظام التابعية الأسدي، الذي أضحى يتحدث عن (التجانس) بحيث بات يسمح لمن وقف مع نظامه من هذه الميليسشيات أن يحصل على الجنسية السورية، في وقت يسحب فيه الجنسية ممن يعارضه، فأصبح الباكستاني والأفغاني والإيراني سوري بجنسية الأسد وتجانسه الطائفي الإحتلالي. وقد راح النظام وشبيحته يساهمون باستمرار في بيع العقارات في ريف دمشق إلى مئات الآلاف من هؤلاء القادمين من دول أخرى لنصرة الأسد، وهذا في الواقع خطر ديمغرافي كبير، قد يفعل فعله في قادم الأيام عبر تغيير التركيبة الديمغرافية/ السكانية إذا عرفنا أن نظام الأسد قد هجر بين نازح داخلي ومهجر قسري خارجي ماينوف عن 14 مليون إنسان سوري، ليأتي بآخرين غير سوريين ويحلوا أماكنهم ويسيطىروا عل منازلهم وعقاراتهم، ويبنوا الوطن السوري بسمات أخرى وأبعاد مختلفة من الممكن أن تشكل خطرًا كبيرًا على الواقع والمستقبل السوري.
واقع الحال يقول: إن هذا التغيير الديمغرافي الذي أحدثه ويحدثه وجود الميليشيات الطائفية المستقدمة من كل بقاع الدنيا، هو الخطر الأكبر بعينه، وهو سيساهم في تشظي الواقع السوري إذا لم يستيقظ السوريون ويعيدوا بناء الوطن السوري على أسس جديدة تستوعب الدرس وتنتج عقلًا جمعيًا وهوية وطنية سورية جديدة تلم ولا تفرق تجمع ولا تبدد وتننتج العقد الاجتماعي السوري المطلوب، خاصة ونحن نُتِم أحد عشر عامًا من عمر الثورة السورية. فهل نعي ذلك قبل فوات الأوان؟ سؤال مابرح مشهرًا برسم كل الساسة السوريين، وكل الوطنيين السوريين، وكل النخب السورية، مهما اختلفت وتعددت أثنياتهم وطوائفهم.
المصدر: وكالة ثقة للأنباء