نبيل السهلي
دورٌ كبير ومحوري قام الفلسطينيون أصحاب الكلمة، وأهل الباع الطويل في تشكيل هويتهم الوطنية والحفاظ عليها أمام محاولات التصفية، ولأنهم كذلك فقد تساووا جميعاً في عيونِ خصومهم مع رواد الخنادق والبنادق، فتجد أنّ العربدة الإسرائيلية وصلت إليهم في بعض الأحيان، صحفيين وفنانين وشعراء وأدباء ومفكّرين ورجال أعمال وعلماء.
إنجاز موسوعة مبسطة
لو عدنا إلى اللّبِنة الأولى، نجد أنّ منظمة التحرير الفلسطينية كانت أصدرت القسم الأول من الموسوعة الفلسطينية عام 1984، بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم؛ وتتألف الموسوعة من أربع مجلدات مرتبة حسب الحروف الهجائية العربية، وقد تضمنت أسماء القرى والمدن والخرب والأنهار في فلسطين، إضافة إلى شخصيات ورموز في ميادين الحياة المتعددة؛ في مقابل ذلك صدر القسم الثاني من الموسوعة عام 1990، الذي احتوى على ستة مجلدات وفهرست؛ وتضمنت دراسات متخصصة حول تاريخ وجغرافية فلسطين التاريخية؛ وتاريخ الحضارة؛ ودراسات القضية الفلسطينية.
مضى على إصدار الموسوعة الفلسطينية بقسميها أكثر من ثلاثة عقود من الزمن؛ وهي ذات أهمية كبيرة بالنظر إلى ما احتوته من معلومات ودراسات وقضايا مفصلية حول فلسطين القضية الوطن والشعب والهوية الوطنية.
وتهدف موسوعة الهوية الوطنية والثقافية الفلسطينية المبسطة التي أنجزتها في نهاية عام 2021، إلى تسليط الضوء على سير بعض الرموز والقامات الفلسطينية داخل فلسطين التاريخية وفي المهاجر القسرية القريبة والبعيدة، والتي كان لنتاجاتها دور بارز ومهم في الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية من خلال الأدب والفكر والفن والعلم والإعلام والرياضة، وكافة مجالات الحياة الفلسطينية الأخرى التي تشكل بمجملها الهوية الوطنية؛ لمواجهة سياسة الطمس والتغيب التي تنتهجها إسرائيل وداعموها؛ دون التطرق إلى سيرة نشأة الفصائل الوطنية والإسلامية الفلسطينية وكذلك النظام السياسي الفلسطيني والتحولات التي شهدتها القضية الفلسطينية وسيرة سياسيين وقادة كثر؛ برزوا خلال مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني، حيث التغطية الإعلامية والبحثية مستمرة حول ذلك.
ومن المعروف أن لأي شعب في العالم وطن خاص ترسخ عبر بقعة جغرافية محددة، فضلاً عن تشكل هوية بطابع خاص قوامها اللغة والعادات والتقاليد والإرث الحضاري من فن وأدب ومسرح وعمارة وفن تشكيلي وسينما، فضلاً عن المصير المشترك؛ والشعب الفلسطيني كذلك؛ وطنه الوحيد فلسطين، التي تقع على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، بين خطي الطول 34.15 و35.40 درجة شرقي غرينتش، وخطي العرض 29.30 و32.15 شمالاً، وتحدها من الشرق سوريا والأردن، ومن الشمال لبنان وجزء من سوريا. وتحدها من الجنوب مصر وخليج العقبة، وتبلغ مساحة فلسطين العربية حوالي 27,009 كيلومترات مربعة.
والثابت أن الوطن والشعب الفلسطيني، هما الرمزان الأساسيان للهوية الوطنية المتشكلة والتي تحاول إسرائيل طمسها وتغييبها عبر سياسة التطهير العرقي والإحلال لفرض ديموغرافيا تهويدية في نهاية المطاف.
وبالنسبة للوطن الفلسطيني، فإنه على الرغم من صغر مساحة فلسطين وبساطة تكوينها فإنه يمكن تقسيمها إلى أربع مناطق، تتميز كل منها عن الأخرى في نظام سطحها ومناخها ونباتها، وهي:
ـ منطقة السهول: وأبرزها السهل الساحلي وسهل مرج ابن عامر، وتشكل 17% من مساحة فلسطين، ومنطقة النقب وتشكل 50% من المساحة العامة تقريباً، إضافة الى المنطقة الجبلية وتشكل 28% من المساحة العامة، فضلاً عن وادي الغور ويشكل 5% من المساحة العامة لفلسطين، وقد قسمت إدارة الانتداب البريطاني فلسطين منذ تموز/ يوليو 1939 إلى ستة ألوية (1)، وهي؛ لواء الجليل: ويقع في أقصى شمال فلسطين قرب الحدود اللبنانية ومركزه مدينة الناصرة، ويتألف من خمسة أقضية هي؛ عكا، بيسان، الناصرة، صفد، طبريـة، وكان عدد سكان اللواء في عام 1945 (231) ألف نسمة ومساحته (2,801,383) دونماً، أي (10.4%) من مساحة فلسطينن ولواء حيفا ومركزه حيفا، ويتألف من قضاء حيفا فقط ومساحته (1,031,755) دونماً تمثل (3.8%) من مساحة فلسطين، وسكانه في عام 1945 (242,630) نسمة، لواء نابلس ومركزه مدينة نابلس، ويتألف من ثلاثة أقضية، هي: نابلـس وجنين وطولكرم، ومساحته (3.262.292) دونماً، تمثل (12.1%) من مساحة فلسطين، وسكان اللواء المذكور في عام 1945 (232,220) نسمة؛ لواء القدس ويتوسط فلسطين ومركزه مدينة القدس، ويتألف اللواء من ثلاثة أقضية، هي: القدس، وتتبعه بيت لحم، وأريحا، والخليل ورام الله ومساحته (4,333,534) دونماً؛ أي حوالي (16%) من مساحة فلسطين، وعدد سكانه (384,880) نسمة، إضافة إلى لواء اللد ومركزه مدينة يافا، ويتألف من قضائي يافا والرملة، ومعظم أراضيه سهلية، ومساحته (1,205,558) دونماً أي حوالي (4.5%) من مساحة فلسطين، وسكانه في عام 1948 (501,070) نسمة.
وقد احتفظت منطقة الجليل رغم كافة السياسات الصهيونية بأغلبيتها العربية، مع أنها المكان الذي أمعن فيه الصهاينة في تطبيق سياسة التهويد لمحاولة فرض يهودية الكيان”، وأخيراً لواء غزة ويقع في جنوب فلسطين، ويشمل جزءاً من السهل الساحلي الفلسطيني ومنطقة النقب التي تعادل وحدها نصف مساحة فلسطين التاريخية، ومركز اللواء مدينة غزة، ويتألف من قضائي غزة وبئر السبع، ومساحة اللواء (13,688,501) دونماً أي حوالي (50.7%) من مساحة فلسطين، وعدد سكانه (190,880) نسمة، أي أن الكثافة السكانية فيه كانت عام 1945 نحو (14) نسمة في الكيلومتر المربع الواحد؛ وتمّ إنشاء إسرائيل على القسم الأكبر من الوطن الفلسطيني في أيار/ مايو من عام 1948، واستكمل الجيش الإسرائيلي احتلاله لفلسطين في الخامس من حزيران/ يونيو 1967.
رمز الهوية
يعتبر الشعب الفلسطيني الرمز الأهم للهوية الوطنية، التي تشكلت وترسخت وتجذرت عبر تاريخ طويل من الجد والعمل والتطور في كافة مجالات الحياة. ثمة مشتركات بين الهوية الوطنية الفلسطينية والهوية العربية من لغة وعادات وتقاليد ومصير مشترك ، لكن الشعب الفلسطيني واجه احتلالات عديدة عبر التاريخ ؛ كان اخطرها الاحتلال البريطاني (1920- 1948)، الذي أسس بشكل عملي لإنشاء إسرائيل في الخامس عشر من أيار/ مايو من عام 1948؛ على نسبة 78 في المائة من مساحة فلسطين التاريخية وطرد 61 في المائة من مجموع الشعب الفلسطيني. وقد اعتمدت إسرائيل مجموعة سياسات وإجراءات لطمس الهوية الوطنية الفلسطينية؛ ولهذا فإن الشعب الفلسطيني أحوج ما يكون للحفاظ على هويته الوطنية لأنها مستهدفة من عدو استعماري إجلائي، ويرتكز وجوده على مرتكزات أساسية أهمها؛ أن “فلسطين وطن بلا شعب لشعب بلا وطن”.
وفي هذا السياق أكد المؤرخ رشيد الخالدي في بعض صفحات كتابه (الهوية الفلسطينية) على واحدة من الحقائق الهامة، وهي أن بناء الهوية الوطنية والحفاظ عليها وتطويرها يحتاج إلى الآخر النقيض بما يخلق حاجة للدفاع عنها مرة بعد أخرى؛ وفي ما يتعلق بالهوية الفلسطينية قال الخالدي: “كان الآخر النقيض هو الصهيونية الإحلالية؛ والانتداب الإنجليزي المتعاون معها والانتهاء، ذات يوم، باحتلال الأرض وتشريد الفلسطينيين على مجموعات تعيش في ظروف بيئة سياسية واقتصادية وحقوقية مختلفة أشد الاختلاف بدءا من إسرائيل ومرورا بكل الدول العربية ودول العالم البعيدة”.
ولهذا فإنه يمكن الجزم بأن الهوية النضالية الفلسطينية التي انبجست في فجر اليوم الأول من عام 1965 بقيادة حركة “فتح”، كانت بمثابة عاصفة فلسطينية للحفاظ على الهوية الوطنية التي تواجه مخاطر التصفية والتغييب في مناحي فلسطين من خلال المخططات الإسرائيلية لتهويد الزمان والمكان؛ كما كان يوم الأرض عام 1976 وهبة الأقصى الرمضانية في أيار/ مايو من العام المنصرم 2021 من أهم التعبيرات على وحدة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، للحفاظ على هويته الوطنية المتجذرة في وطنه فلسطين، العصية على التهويد والطمس والتغييب.
*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
المصدر: عربي 21