منهل باريش
يشكل مقتل العقيدين في سلاح القوة الجو-فضائية بالحرس الثوري الإيراني، فجر الاثنين 6 آذار (مارس) الحدث الأبرز في بنك الأهداف الإسرائيلي ضد المشروع الصاروخي الإيراني وبرنامج الطائرات المسيرة منذ نحو خمسة أعوام.
فرغم الاستهدافات الإسرائيلية المتكررة للقوات الإيرانية، إلا أن الاستهداف الأخطر على برامج إيران العلمية وغير التقليدية، منذ ربيع 2018 عندما استهدفت طائرات إف16 إسرائيلية قاعدة تياس الجوية (مطار التيفور العسكري) ونجحت بقتل 7خبراء عسكريين بينهم العقيد مهدي دهقان يزدلي المسؤول عن برنامج الطائرات بلا طيار الإيرانية في سوريا ولبنان، وهو أحد قادة «قاعدة الشهيد عبد الكريمي للمركبات الجوية» بدون طيار الملاصقة لمطار كاشان الواقع على بعد 190 كيلومتراً جنوبي طهران، إضافة إلى المهندس أكبر زوار جنتي الموفد من القاعدة الجوية نفسها، وأربعة خبراء آخرين تحفظ الحرس الثوري حينها على ذكر الأسماء، كما قضى في الهجوم القيادي في الباسيج مهدي لطفي نياسر ونحو عشرة عناصر من حماية وحرس الهنغارات الإيرانية في المطار الواقع على الطريق بين مدينة حمص وتدمر.
وفي طهران، شيع الحرس الثوري الإيراني العقيدين مرتضى سعيد نجاد وإحسان كربلائي بور بحضور لافت لقادة الصف الأول في الحرس، يوم الأربعاء، حيث حضر القائد العام لـ«حرس الثورة الإسلامية» اللواء حسين سلامي وقائد القوة الجو-فضائية العميد علي حاجي زادة، الأمر الذي يعزز التسريبات الإسرائيلية باعتبار القتيلين يعملان في برنامج الطائرات المسيرة (بلا طيار). واكتفى الحرس الثوري في بيان له بوصف الرجلين بأنهما من «المدافعين عن المقدسات اللذان استشهدا جراء الغارة الإسرائيلية على سوريا». وحثّ الحضور الشعبي في حفل التشييع على الرد القاسي ضد إسرائيل، وبطريقة «تليق بالجمهورية الإسلامية الإيرانية وبدماء الشهداء» حسب ما نقل الإعلام الرسمي.
ويوم الثلاثاء، أعلن بيان للحرس الثوري انتماء العقيدين إلى صفوفه، متهماً إسرائيل بالوقوف وراء القصف الصاروخي. وشدد البيان الذي نشره موقع «سباه نيوز» التابع لـ«الحرس الثوري» على أن إسرائيل «ستدفع ثمن جريمتها هذه» في حين عزا المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، القصف الإسرائيلي الذي أدى لمقتل ضابطين من «الحرس الثوري» إلى «النزعة الوحشية للكيان الصهيوني» لافتاً إلى أن الرد «ضمن أهداف محور المقاومة في المنطقة».
بعد بيان الحرس الثوري، رفعت إسرائيل حالة التأهب على الحدود الشمالية مع سوريا وشمل ذلك وحدات الدفاع السيبرانية والجوية، خشية الرد الإيراني المحتمل على مقتل الضابطين في صفوف الحرس. وجاء ذلك، بعد تهديد الحرس الثوري تل أبيب. ونقلت الصحافة الإسرائيلية عن مصادر عسكرية أنّ الضابطين الإيرانيين كانا يعملان في مشروع تحسين دقة الصواريخ الذي توليه إيران أهمية كبيرة، وهو ما لا ترضاه إسرائيل وتحذر منه مراراً كونه سيمنح «حزب الله» اللبناني قوة إضافية غير تقليدية، تغير ميزان القوة لصالحه.
وتخشى إسرائيل من تطور محتمل في برنامج الطائرات المسيرة، وهذا ما دفعها إلى رفع حالة التأهب في الجبهة الشمالية ونقل بطاريات منظومة القبة الحديدية إلى الحدود الشمالية تحسبا للرد المحتمل. وتنظر إسرائيل إلى برنامج المُسيرات الإيراني بخوف شديد، خصوصا في السنتين الأخيرتين، بعد تصدير المسيرات إلى الحوثيين واستهداف أرامكو في السعودية ودولة الإمارات.
ولا يقتصر الاستعداد الإسرائيلي على الهجوم بالطائرات المسيرة، بل ينظر الجيش الإسرائيلي إلى أن إيران سترد بقصف صاروخي باتجاه مقرات عسكرية في شمال فلسطين على محمل الجد.
بالتوازي مع التصعيد الحاصل، كشف الجيش الإسرائيلي في بيان رسمي أنه أسقط في اذار (مارس) 2021 طائرتين إيرانيتين بلا طيار في محاولة لنقل أسلحة ومواد متفجرة إلى فصائل فلسطينية في الداخل. وأشار البيان إلى أن مقاتلات إف35 أسقطت طائرتين مسيرتين انطلقتا من إيران، والجدير بالذكر أن العملية كانت رسالة لإسرائيل على مدى تطور الطائرات ثابتة الجناح وهي بمثابة الرد على اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني. وتعتبر إسرائيل أول دولة في العالم تقوم بمهمة اعتراض طائرات مسيرة من خلال استخدام طائرة إف35.
ومع التصعيد، تحاول إسرائيل القول بشكل غير مباشر أنها لم تتقصد قتل الضابطين الإيرانيين وإنما كان هدفها استهداف مشروع البنية التحتية لمنشأة التطوير الصاروخي في سوريا فقط، ولم تكن تتقصد قتل أي من الخبراء. وتخالف هذه التلميحات السياسة الإسرائيلية في استهداف الكوادر العلمية العسكرية الإيرانية دون توقف. على الأقل في عام 2018 عندما استهدفت مطار التياس (التيفور) تقصدت قصف مكان إقامة المهندسين وخبراء تطوير الطائرات المسيرة بلا طيار، عدا عن استهداف الموساد المستمر للعلماء الإيرانيين العاملين في البرنامج النووي بقلب العاصمة طهران عبر تفجير سياراتهم بلصق عبوات متفجرة على الطرق المزدحمة بواسطة راكبي الدراجات النارية. ويعتبر مقتل رئيس البرنامج النووي الإيراني، محسن فخري زادة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 من أكثر عمليات الاغتيال دقة، استخدمت إسرائيل خلالها الذكاء الصنعي، حيث نفذ العملية روبوت وانتهت دون وقوع ضحايا مدنيين في أقل من دقيقة، ولم تعثر طهران على دليل أو متورط، على اعتبار أن الموساد لم يكن موجودا بعد ما ثبت عملاؤه المدفع الرشاش المربوط بالأقمار الاصطناعية والكاميرات الصغيرة على الأشجار على جانبي الطريق لتحديد هوية زادة.
ويشار إلى أن طائرات إف 16 الإسرائيلية قصفت ثلاثة مواقع تابعة لإيران، أبرزها مقر التطوير الصاروخي قرب مطار دمشق الدولي والذي قضى به العقيدان، إضافة إلى مستودع عسكري جنوب دمشق ومقر لوجستي في القطيفة بريف دمشق. والجدير بالذكر أن الاستهداف الإسرائيلي جرى بعد يومين على وصول طائرة شحن إيرانية إلى مطار دمشق الدولي وإفراغ الحمولة وتوزيعها. ومن غير المعروف فيما إذا كان العقيدان المستهدفان قد وصلا حديثا إلى سوريا على متن الطائرة أم أنهما أساسا يعملان في مقر التطوير الحربي المذكور.
ويشكل الهجوم تحديا كبيرا لقيادة الحرس الثوري، ومع أن فيلق القدس اتبع استراتيجية الرد على الاستهداف الإسرائيلي في حال طالت ضباطا بارزين أو خبراء عسكريين، في زمن قاسم سليماني الذي يفضل فصل المسارات ولا يربط الرد بالحسابات الدبلوماسية المتعلقة بمسار المفاوضات النووية أبدا. وغدا أي تهديد إيراني بالرد على إسرائيل هو أمر واقع ينتظر جيش الأخيرة التعامل معه وإحباطه.
من الواضح أن إسرائيل تستغل فرصة الجمود الحاصل في ملف المفاوضات بفيينا حول البرنامج النووي الإيراني في الأيام الأخيرة، وتريد التذكير بأن التفاهمات مع طهران غير مجدية وان برنامجها الصاروخي ما زال مستمرا ويشكل خطراً على أمنها (إسرائيل) القومي وأمن العالم ومن غير المفيد تجاوزه على اعتباره يشكل الأساس في مقدراتها العسكرية.
في المقابل، لن تتراجع طهران عن سياسة الرد العسكري ضد المصالح الإسرائيلية في أي مكان في العالم التي سنها قاسم سليماني وسوغها مع الوقت لدى تل أبيب. ولكن كما جرى سابقا فإن الرد سيكون محدودا وصغيرا وفي حال تطوره ستسعى الدولتان إلى تطويقه كما جرى عام 2018 عندما أسقطت الدفاعات السورية طائرة إف 16 إثر التوتر الحاصل نتيجة القصف الإسرائيلي مواقع إيرانية في محيط دمشق.
المصدر: القدس العربي