إبراهيم هايل
بعد 11 عاماً من انطلاق الشرارة الأولى للثورة السورية ضد بشار أسد وميليشياته، وجد السوريون في الشمال المحرر أنفسهم أمام واقع متغير من الانقسام في الولاءات بين إدلب والشمال السوري، أفرزته المتغيرات المحلية والخارجية، حيث تحول الجيش الحر لفصائل متعددة الولاءات، في حين توجد في سوريا 4 حكومات تتبع لكل من ميليشيا حكومة أسد وميليشيا قسد وهيئة تحرير الشام ومؤقتة تتبع للائتلاف.
وأفضى هذا الانقسام وتعدد الولاءات إلى جعل الثورة تتراجع بشكل كبير خاصة بمواجهة ميليشيات قسد وأسد، وفي حين أن الأخير يمر بأضعف حالاته إلا أنه لم تفتح معركة عسكرية ضده لفترة طويلة بالرغم من خرقه المتواصل لقواعد الاشتباك التي وضعت بالتنسيق مع الأتراك.
فصائل متناحرة متعددة الولاءات
وعلى مدار السنوات الماضية، تمايزت صفوف الفصائل العسكرية تحت تأثير عدد من المتغيرات الإقليمية والدولية التي أفرزت للشمال السوري بعد 11 عاماً قوتين إحداهما هيئة تحرير الشام التي تحكم عبر حكومة “الإنقاذ” محافظة إدلب وجزء من ريف حلب الغربي، والأخرى “الحكومة المؤقتة” التي تحكم عبر فصائل الجيش الوطني مناطق عفرين شمال حلب، وريف حلب الشمالي، ومنطقتي تل أبيض شمال الرقة ورأس العين شمال غرب الحسكة.
كما ساهم الواقع العسكريتاري في الشمال المحرر بخلق حالة جديدة لم يعد همها في بعض الأحيان سوى تحقيق مصالح بعض المتنفذين والداعمين لهم، حيث بات يحكم المشهد في تلك المناطق المصالح الذاتية الآنية بعيداً عن مصالح السوريين، حسب الكاتب الصحفي أحمد مظهر سعدو.
وقال سعدو في تصريح لـ”أورينت نت”، إن وجود حكومتين اثنتين تتصارعان وبينهما حدود وحواجز تتصارعان في منطقة صغيرة لا تتعدى ربع مساحة سوريا، يشير إلى عمق الفجوة ومستوى الصدأ الذي لحق بالجميع، في حين أنهما تغيبان عن تأمين مصالح الناس وتتركان ميليشيا أسد يعيث فساداً.
وحول الوضع المتردي في المناطق المحررة، أشار سعدو إلى أن الشمال السوري أصبح أشدّ بؤساً بالرغم من تحريره من طغيان آل الأسد، حيث يعاني الناس فيه خاصة سكان المخيمات من ظروف معيشية سيئة وانعدام للأمن، وسط فساد من قبل القيادات العسكرية.
من جهته، قال المحلل العسكري والاستراتيجي، العقيد أحمد حمادة، إن الحالة الفصائلية حالة غير صحيحة وهي التي تؤثر سلباً على الثورة السورية ونجاحها.
ولفت حمادة في تصريح لـ”أورينت نت” إلى أن عدم وجود قيادة سياسية قادرة على الاستفادة من الجهود التي بذلت في سبيل تحقيق أهداف الثورة كانت سبباً في الوصول إلى هذه الحالة، إضافة إلى الحالة الفصائلية والبحث عن زعامات ووجود حب الذات وتنوع الداعمين.
وبشأن انحراف الثورة عن بوصلتها في هذه المناطق، بيّن حمادة أن هناك من ارتضى “نصف ثورة” عبر الدخول في ماراثون تفاوض بدون أي سقف وتقييد حركة الثورة هو ما أدى إلى نتائج سلبية، مؤكداً أن العودة بالثورة إلى سيرتها الأولى وتغيير شكل المعركة مع ميليشيات أسد هو الحل الأفضل.
انقسام سياسي
كان الأمل بنجاح الثورة السورية كبيراً جداً لدى السوريين، إذ إن الرهان على التخلص من ميليشيا أسد وشبيحته لطالما كان حلماً يراود السوريين طوال السنوات الماضية، إلا أن تحول الصراع من داخل سوريا إلى “صراع عليها” من قبل الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة لا سيما روسيا وإيران والولايات المتحدة وتركيا، خلق واقعاً سياسياً جديداً ساهم في إطالة أمد الثورة.
وبالرغم من أن الثورة لا تزال في قلوب كل السوريين الذين يسمُون إلى الكرامة وإلى الحرية، إلا أن الأجسام السياسية التي أفرزتها بما فيها الائتلاف والحكومة المؤقتة وهيئة التفاوض وغيرها من الأجسام السياسية المتعددة الولاءات الإقليمية والدولية كانت سبباً للانقسام السياسي الذي حصل، حسب الناشط السياسي، عبد الكريم عمر.
وقال عمر في تصريح لـ”أورينت نت”، إن عدم إجماع القوى السياسية على مشروع واحد وواضح لإسقاط حكومة ميليشيا أسد، إضافة لعدم وجود قيادة وطنية موحدة زاد من المأساة والكارثة التي حلت بالسوريين في الشمال المحرر، مشيراً في السياق إلى أن كل السوريين يرفضون عمل اللجنة الدستورية التي لم تحقق شيئاً من اجتماعاتها حتى الآن.
وأكد أن أهم ما يحتاجه السوريون في الذكرى الـ11 لانطلاقة الثورة هو وجود قيادة سياسية موحدة تحتضن الثورة وتبرز قضية السوريين ضد ميليشيا أسد أمام المجتمع الدولي.
انقسام عسكري
وعلى الصعيد العسكري، فقد وقع الشمال السوري منذ عام 2017 تحت سيطرة دويلات صغيرة، واحدة تتبع لحكومة “الإنقاذ” وأخرى لـ”الحكومة المؤقتة”، وثالثة تتبع لميليشيات “قسد” ورابعة تتبع لحكومة ميليشيا أسد، حيث فرض هذا الانقسام وجود حدود داخلية ومعابر تنتشر فيها نقاط عبور للبضائع والأشخاص.
وفرضت حالة الانقسام هذه، واقعاً سياسياً واقتصادياً هشاً أثر في حياة المدنيين الذين دفعوا تكلفته على حساب قوت يومهم خاصة مع تكرار حوادث استهداف مدنيين بتهمة “التهريب”، كان آخرها استهداف امرأة في معبر دير بلوط بإدلب كانت تهرب “بيدون” مازوت لكسب قوت يومها.
وفي هذا الصدد، يرى الخبير السياسي والاجتماعي مصطفى النعيمي، أنه لا شك بأن الثورة السورية أفرزت الكثير من القيادات السياسية والعسكرية وبنسب متفاوتة في الخبرات والكفاءات، وخاصة على صعيد القيادات العسكرية التي لم تدرك حجم التحديات وتبعات اتخاذ بعض القرارات، لا سيما ما يخص متغيرات المشهد السياسي.
إلا أنه في الوقت نفسه، لفت النعيمي في تصريح لـ”أورينت نت” إلى أن الكثير من القيادات العسكرية لم تتح لها الفرصة لممارسة دورها بشكل فعال في ظل وقف الدعم العسكري المقدم لها، إضافة إلى أن البعض منها لا يتمتع بالصبر الاستراتيجي في إدارة الملف العسكري والحساس جدا ما أدى إلى ظهور الكثير من القادة الثوريين المدنيين.
وأشار إلى أن البعض من أولئك القادة لا يمتلك الحنكة العسكرية والسياسية في إدارة متغيرات المرحلة سياسياً وعسكرياً وليس لديه القدرة في إدراك متغيرات المواقف الدولية وتداعيات انحسار الدعم الدولي للملف السوري.
تفاؤل رغم الانقسام
وعلى الرغم من تردي الواقع المعيشي في الشمال المحرر على كافة الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والصحية وغيرها، إلا أن الكثير من السوريين خرجوا بمظاهرات شعبيّة عارمة جاءت تأكيداً على مطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة.
وشهدت مناطق مختلفة من الشمال المحرر مظاهرات رفع خلالها السوريون أعلام الثورة السورية لا سيما في المنطقة الجنوبية والوسطى والشرقية، وهذا بحد ذاته رسالة للعالم أجمع أنه ورغم التهجير القسري ما زال الكثير يرفض حكم الميليشيات الولائية متعددة الجنسيات، حسب ما قال النعيمي.
وتفاءل النعيمي بمستقبل الثورة السورية بعد 11 عاماً من انطلاقها على الرغم من كل الانقسام الحاصل، مشيراً إلى أن الثابت الوحيد هو أن مستوى الوعي زاد لدى الشعب السوري، حيث بات يدرك مخاطر المتغيرات الدولية ويبحث في نتاج الأزمات الإقليمية والدولية لا سيما الغزو الروسي لأوكرانيا ودعمه اللامحدود ضمن القدرات المتاحة، وخاصة على الصعيد الإعلامي، وكذلك عبر الندوات التي تعقدها الكثير من المراكز البحثية والنخب السياسية، مؤكداً أن ما أسهم في رفع مستوى اهتمامهم هو مشاركة وجهة نظرهم وتطويرها لفهم المشهد الحالي.
يذكر أنه في آذار/مارس 2011، خرجت أولى صيحات الحرية والكرامة في مدينة دمشق ضد ميليشيا حكومة أسد، وأعقب ذلك خروج مظاهرات سلمية على امتداد الخارطة السورية، إلا أن ميليشيا أسد واجهت المظاهرات باستخدام العنف والقتل والترهيب، لتستعين لاحقاً عام 2015 بالاحتلال الروسي إلى جانب ميليشيات طائفية من إيران والعراق ولبنان، حيث ساهموا بتشريد وقتل الشعب السوري والتسبب بمأساة إنسانية لم يشهدها العصر الحديث، وسط غياب أي إرادة دولية في تحقيق العدالة للسوريين.
المصدر: موقع اورينت