حسان شمس
لدى إحصاء عدد المرات التي تناول فيها كاتب هذه السطور، على “فيسبوك”، دور حكام أبو ظبي الملتبس في قيادة الثورات المضادة للربيع العربي، منذ الإجراء المبكر الذي اتخذته حكومة الإمارات بحق الأنشطة المعارِضة السورية على أراضيها، في شباط/فبراير 2012، المتمثل بـ”منع استخدام علم الثورة السورية بأي شكل من الأشكال، بما في ذلك ارتداؤه على الملابس”، بداعي إنها ما زالت تعترف بحكومة الأسد، وأن رفع علم الثورة سيتسبب بافتعال مشاكل داخل الإمارات، على ما ذُكِر وقتها، تبين أنها جاوزت تسعين مرة.
كان من المستحيل ألا تفضي تصرفات حكام الإمارات، بدءا من تلك الحادثة أعلاه، قبل نحو عشر سنوات، مرورا بإعادة فتح سفارتهم في دمشق، أواخر عام 2018، وصولا إلى التصريحات المعسولة لسفير الإمارات لدى النظام، بعدها بعام، بحضور فيصل المقداد: “أتمنى من الله أن يسود الأمن والأمان والاستقرار ربوع الجمهورية العربية السورية، تحت ظل القيادة الحكيمة لفخامة الرئيس الدكتور بشار الأسد” وكذلك جيش المحللين السياسيين الإماراتيين الذين أوكلت إليهم مهمة تبييض الدور الإماراتي الملتبس وغير النظيف، في قيادة الثورات المضادة وإعادة تدويرها لنظام الأسد، وإظهاره على أنه “براغماتية تستوجبها الظروف الراهنة”، كان من المستحيل ألا تفضي لعبة الدومينو المفضوحة تلك إلا إلى ما أفضت إليه وألا تُتوج بزيارة لبشار الكيميائي، رئيس النظام السوري، إلى الإمارات أو العكس.
التباس الدور الذي يضطلع به حكام أبو ظبي لم يقتصر على ما يقومون به على المقلب السوري إنما على الساحة الإماراتية ذاتها، لدرجة يبدو معها أن حرص كثير من الكتاب العرب على الإمارات والقضايا المتعلقة بأمنها القومي، كاحتلال إيران لجزر طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى، أكبر أضعافا مضاعفة من قلق وحرص الإمارات نفسها.
الشريك الاقتصادي
لكن، قبل هذا وذاك، وبصرف النظر عن الدور الفاضح الذي مارسه حكام الإمارات في المهلكة السورية، منذ اندلاع الثورة حتى تاريخه، وما تخلله من تجاهل لدماء السوريين؛ متى كان للإمارات موقف من إيران، باعتبارها دولة محتلة باطشة بقوة السلاح على ثلاث جزر إماراتية؟ إيران التي لها استثمارات في الإمارات لا تُعد ولا تُحصى، باعتبارها أكبر شريك اقتصادي لدبي في المنطقة، إضافة إلى كون الإمارات ثاني أكبر مستورد للبضائع الإيرانية.
مثل هذا الوقت، قبل عامين، غرد محمد بن زايد، على “تويتر” بأنه اتصل ببشار الأسد وأكد له “دعم الإمارات للشعب السوري الشقيق في هذه الظروف الاستثنائية”، في خطوة تطرح على أي سوري هذا التساؤل المشروع: كيف لِمَن ينحر السوريين بيد أن يحمل باليد الأخرى ترياقا يداوي به جراحهم!؟ وهذا، بالتالي، يقود إلى الاستنتاج بأن مَن يدعم، بكل قوته، أنظمة عربية بائدة ومجرمة متسلطة على شعوبها بقوة السلاح، من سوريا إلى مصر فليبيا، لغاية قهرها وإجهاض أحلامها بالحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، في وقت يداه ملوثتان بدم هذه الشعوب، التي لها وحدها تعود مسألة تقرير مصيرها واتخاذ قرارات السلم والحرب عبر ممثليها المُنتخبين بشكل حر ونزيه، وفي الوقت ذاته تروج ماكينته الإعلامية، بكل استخفاف، بأن توجهاته “السلمية” نحو إسرائيل تصب في مصلحة أهالي الأرض المحتلة كما في صالح شعبه، يقود إلى الاستنتاج أن مَن يفعل كل ذلك ليس أكثر من مُتَذاكٍ يتقمص دور الأنظمة الفاجرة ذاتها التي يدعمها ويضع بيضه في سلتها.
في إسرائيل، الشعب قادر، في أي وقت، عبر ممثليه في الكنيست أو حتى عن طريق استفتاء، أن يلغي أي اتفاقية أو معاهدة تبرمها حكومته مع أي كان لو شَعَر أنها تتضارب مع مصالحه، أما شعب الإمارات، “المبلوف”، لا يستطيع فعل ذلك كونه، من الأساس، مسلوب الإرادة والقرار، على يد حكامه، تماما كغيره من الشعوب العربية المحكومة بأنظمة على شاكلة نظام الأسد، التي يدعمها نظام أبو ظبي. وعلى صعيد متصل؛ أية خلطة عجيبة ومزحة سَمِجَة هذه، التي تكمن في إبرام الإمارات اتفاقية سلام مع إسرائيل، إحدى أهم موجباتها المعلنة مواجهة التغول الإيراني، في وقت تدعم فيه نظام الأسد الذي لا يمثل، بأحسن الأحوال، أكثر من تابع لملالي طهران!؟
حتى على مستوى بعض الإماراتيين العاديين، ممن زاروا هضبة الجولان السورية المحتلة، بعد توقيع معاهدة السلام الإسرائيلية -الإماراتية، ووقفوا على إحدى المرتفعات المطلة على الجانب السوري، بجوار الحدود السورية – الإسرائيلية، متغنين كالبُلهاء بـ “كيف يتم تلقين إرهاب إيران وحزب الله دروسا لا تُنسى على يد إسرائيل من هنا”؛ مطلوب منهم حل تلك المتاهة/البلاهة التي تعتمدها بلادهم كإستراتيجية لها والإجابة على ما يلي: لماذا الإمارات، وهي تدعي مقاومة إيران، التي تحتل جزرها الثلاث، وإرهابها وميليشياتها، وعلى رأسها “حزب الله”، سواء في سوريا وغيرها، تُعتبَر أكبر سوق تجارية لإيران، إضافة إلى كونها الداعم الأول لرجل الإيرانيين في سوريا، بشار الأسد، والتي كانت أول من بادر لإعادة فتح سفارتها لديه والعمل على إعادة تدويره، علاوة على أن الإمارات كانت، على الدوام، منفذا أكيدا لتبييض أموال الأسد الحرام واستثماراته، ومتنفسا للالتفاف على الحصار الاقتصادي الذي يخضع له بفعل “قانون قيصر” وغيره!؟
نحر أحلام السوريين
يبدو أن الدور الذي قرر حكام الإمارات العربية المتحدة لعبه، على رؤوس الأشهاد، والمتمثل بنحر أحلام السوريين والرقص على دمائهم، منذ اللحظة الأولى التي فجروا فيها ثورتهم، ليس له شبيه إلا الدور الإسرائيلي نفسه، الذي مثّل، من طول عمره، شريانَ حياة لنظام الأسد وكان السند الجاهز أبدا لإمداده بطوق النجاة في ساعات حشرته، لا سيما بعد قتل رفيق الحريري عام 2005، ثم صفقة الكيميائي المشؤومة في سبتمبر/أيلول 2013. وبالتالي، لم يكن من قبيل المصادفة أبدا هذا التناغم الإماراتي – الإسرائيلي إزاء الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا، حيث تتجلى ميوعة مواقف حكام تل أبيب وأبو ظبي في أبهى حلتها، إضافة لما تمثل تلك الدولتان، حديقتين خلفيتين للأوليغارشيين الروس وملجأين آمنين للالتفاف على العقوبات الاقتصادية الغربية على موسكو، كما ورد في تقارير كثير من وسائل الإعلام العالمية والغربية منها على وجه التحديد.
يبقى القول إن ما فعلته دولة الإمارات ليس أكثر من “شَقة رِجل”، كما يقال في العامية، وسيعقبها انفتاح جُل الأنظمة العربية إنْ لم يكن كلها، سواء تلك التي دأبت، منذ سنوات، على المجاهرة في رغبتها بإعادة نظام الأسد إلى “الحضن العربي”، أم التي اعتمدت التقية أسلوبا في تعاملها معه.
كاتب من الجولان السوري المحتل
المصدر: القدس العربي