سونيا العلي
لم تستطع سميرة الحسون (36 عاماً) من مدينة سرمين إجراء أية تحضيرات استعداداً لقدوم شهر رمضان نظراً لارتفاع الأسعار وسوء أوضاعها المالية، وعن ذلك تقول لإشراق: “لشهر رمضان أجواء وتحضيرات خاصة، ولكن كل شيء هذا العام أغلى بكثير من العام الفائت، لذا لم أعد قادرة على تجهيز المأكولات والعصائر والمواد الغذائية التي اعتدت على شرائها سابقاً .”
وتبين الحسون أنها كانت تبدأ بالتحضير قبل حلول شهر رمضان بأيام، من خلال شراء التمور والجبن البلدي واللبنة وقمر الدين، ولكن تضاعف الأسعار هذا العام جعلها تقتصر على الأساسيات من سكر وأرز وطحين.
تزامناً مع قدوم شهر رمضان المبارك تشهد أسواق إدلب شمال غربي سورية، غلاء غير مسبوق في المواد الغذائية، فضلاً عن تردي الأوضاع المعيشية وشح فرص العمل، إلى جانب عيش الكثيرين في خيام بالية لاتقي برد الشتاء أو حر الصيف، الأمر الذي يثقل كاهل الأهالي ويعمق معاناتهم .
ويظل النازحين في مخيمات شمال غربي سورية الأشد معاناة، بسبب العيش في خيام متهالكة، ووقوع معظم العوائل النازحة تحت خط الفقر، وبعدهم عن منازلهم وأرزاقهم، فالسكن في خيمة وسط مخيمات مكتظة وفي بيئة اجتماعية غير معتادة مختلف كل الاختلاف عن قضاء الشهر في البلدة والمنزل.
جميل العبيد (55 عاماً) نازح من مدينة معرة النعمان إلى مخيم في بلدة حزانو بريف إدلب الشمالي، يعيش مع زوجته وحفيديه الأيتام وسط أوضاع مزرية في المخيم، يتحدث عن قدوم شهر رمضان بالقول: “كنت أتمنى أن تنتهي معاناة النزوح، ونعود إلى مدينتنا ومنزلنا لنستعيد أجواء الشهر الفضيل التي حرمنا منها طويلاً، ولكن قسوة الواقع حطمت جميع أحلامنا .”
ويشير العبيد أن رمضان الحالي سيكون أكثر قسوة بسبب فقر حاله وشح المساعدات الإنسانية في المخيم، ويضيف بملامح حزينة: “نقاسي الأمرين لتوفير لقمة العيش لأطفالنا، ومع دخول شهر رمضان، نفتقد ما يسد الرمق، كما نفتقد طقوس وعادات الشهر؛ سواء مائدة الإفطار أو العادات الاجتماعية .”
ويؤكد العبيد أنه مضطر رغم الصوم للخروج للعمل في منشرة لتقطيع الحجارة، لتحصيل لقمة العيش لأسرته وعن ذلك يقول: “رغم كبر سني سأواصل العمل لأن وضعنا مأساوي، وفي حال توقفت عن العمل فلن نجد ما نأكله .”
من جانبها عائشة البديوي (45 عاماً) النازحة من قرية التح إلى مخيم كللي بريف إدلب الشمالي، ماتزال متمسكة بالأمل رغم حياة النزوح والتشريد والأوضاع المزرية التي تعيشها، وعن فرحتها بالشهر الفضيل تقول: “رمضان شهر الخير والبركة في كل الأحوال، وهذه الأيام ستمضي وتصبح من مخلفات الماضي، وسنعود إلى قريتنا، ونعيش أجواء رمضان باللمة والألفة كما كنا في السابق.”
وتشير أنها فقدت زوجها منذ عام 2018 بإصابة حربية، وهي أم لخمسة أبناء تعتمد كبقية الأُسر النازحة على المساعدات الغذائية التي تتلقاها من منظمات خيرية لمواجهة النقص الحاد في الغذاء وضروريات الحياة .
وتلفت البديوي أن أجمل ما في شهر الصوم، هو اجتماع العائلة على مائدة واحدة، ولكنها تفتقد لتلك المائدة الرمضانية التي كانت تجمعها مع الأهل والأخوة أغلب أيام الشهر. قائلة: “تفرقت عن أهلي وأخوتي بعد النزوح، وبات كل منا في مكان، ومن الصعب أن نجتمع معاً في مكان واحد .”
صلاح الخمورة (47 عاماً) من مدينة إدلب، صاحب محل لبيع مشتقات الحليب؛ يعزو سبب غلاء الأسعار في الأسواق لطمع بعض التجار من ضعاف النفوس الذين يعملون على احتكار المواد الغذائية، فضلاً عن استغلال زيادة الطلب على بعض المواد لرفع أسعارها إلى جانب ضعف الرقابة على الأسواق والمحلات التجارية .ويقول لإشراق: “بلغت معاناة الناس ذروتها بسبب ارتفاع الأسعار، لاسيما مع دخول رمضان، حيث ارتفعت أسعار الخضروات بنسبة 200 %، في حين وصلت أسعار اللحوم إلى مستوى قياسي .”
وسط ظروف معيشية متردية، ومع استمرار النزوح تغيب فرحة استقبال شهر رمضان المبارك عن الكثير من العوائل في إدلب، دون أن يغيب الأمل عن نفوسهم المتعبة بقادم أفضل وفرج قريب وعودة كريمة إلى مدنهم وبلداتهم.
المصدر: اشراق