هدى الطرابلسي
قيس سعيد استبعد الحوار مع من نهبوا مقدرات الشعب أو من أرادوا الانقلاب على الدولة وتفجيرها من الداخل. يبدو أن الرئيس التونسي، قيس سعيد، اقتنع أخيراً بضرورة إجراء الحوار الوطني، المرتقب منذ أشهر، فانطلق في عقد لقاءات بمجموعة من قوى المجتمع المدني، على رأسها المنظمة الشغيلة، إلا أن غياب الأحزاب السياسية أثار جدلاً حول إمكانية نجاح هذا الحوار، لا سيما مع إقصاء الطبقة السياسية.
الغموض الذي يغلف ملف الحوار الوطني زاد غموضاً بتصريح قيس سعيد، الذي قال فيه إن “الحوار سيجمع الصادقين والثابتين على مبادئهم”. ويأتي هذا التحرك نحو إيجاد حل سياسي للأزمة، بعد أن حل الرئيس التونسي مجلس نواب الشعب الذي ظل مجمداً لثمانية أشهر، بعد أن صادق قبل أيام في جلسة افتراضية على إلغاء كل الإجراءات الاستثنائية، التي أقرها رئيس الجمهورية في 25 يوليو (تموز) الماضي.
مقاربة وطنية
تمهيداً لإطلاق الحوار الوطني، اجتمع الرئيس سعيد مع نائب رئيس هيئة الانتخابات، ورئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ورئيسة اتحاد المرأة التونسية، وعميد المحامين التونسيين. كما استقبل في وقت لاحق، رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، وأعضاء عن المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل.
وشدد رئيس الجمهورية، خلال اللقاء، على أن التعاطي مع القضايا الراهنة يجب أن يكون في إطار مقاربة وطنية، مضيفاً أن “الحوار لا يكون مع كل من نهب مقدرات الشعب ونكل به، أو حاول الانقلاب على الدولة والمس من استمراريتها ووحدتها”.
وعن آليات الإعداد للحوار، الذي لم يكشف رئيس الدولة عن طريقة إدارته، ولا عن الأطراف المشاركة فيه، أفاد رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، جمال مسلم، مساء الاثنين 4 أبريل (نيسان)، عقب لقائه قيس سعيد، بأنه “سيشمل كل القوى المدنية الوطنية والأحزاب التي ليس لها ماضٍ في العشرية الأخيرة، ولم تسهم في الوضع السيئ للبلاد، ولا تتحمل مسؤولية الوضع الراهن”.
وقال رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، خلال فيديو نشرته الرئاسة التونسية، إن “الحوار سيناقش تصورات تطبيق الدستور والنظام السياسي الجديد، وأيضاً سيشمل مسألة الحقوق والحريات، والنص على عدم المساس بها، إضافة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للتونسيين”.
من جانبه، شدد قيس سعيد، خلال اللقاء، على احترام القانون والحريات والحقوق، وقال إن دور الرابطة في تنظيم حوار يستند إلى ما خلصت إليه نتائج الاستشارة الإلكترونية.
لا تراجع عن المكتسبات
من جانب آخر، أكدت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، راضية الجربي، أن سعيد شدد على ضرورة مشاركة المرأة في خيارات بلادها. وأضافت أن الرئيس شدد على أنه لا تراجع عن مكتسبات المرأة التي حصلت عليها.
كما قال نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فاروق بوعسكر، خلال لقائه الرئيس قيس سعيد، الاثنين، إن الحديث دار حول وضعية هيئة الانتخابات من الناحية القانونية، ومدى استعدادها للوفاء بالاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
وأضاف بوعسكر، أن اللقاء كان فرصة أكد خلالها الرئيس التونسي احترامه مؤسسة الانتخابات وضرورة استقلالها وحيادها. وسبق هذه اللقاءات، اجتماع قيس سعيد بوفد من الاتحاد العام التونسي للشغل، برئاسة الأمين العام، نور الدين الطبوبي.
يذكر أن الاتحاد من الأطراف الاجتماعية التي تسهم في التوازنات السياسية بالبلاد، ويبدو أن هذا الاجتماع أذاب الجليد، الذي كان بين المنظمة الشغيلة ورئيس الدولة .
وقال قيس سعيد، إن “الاجتماع دليل على أن الحلول لن تنفرد بها جهة واحدة، بل ستقوم على الحوار، الذي لا يمكن أن يكون مع من نهبوا مقدرات الشعب، أو مع من أرادوا الانقلاب على الدولة وتفجيرها من الداخل”.
يطبخ على نار ساخنة
بعد أزمة سياسية خانقة، عاشت تونس حواراً وطنياً سنة 2013، جمع كل المنظمات الوطنية والأحزاب السياسية، انتهى بالتوافق بين كل الأطراف ووضع خريطة طريق، إلا أن الأمر مختلف اليوم، فمشاركة الأحزاب السياسية، التي كانت تقود البلاد طيلة العشرية السابقة، أصبحت غير مضمونة في الحوار الوطني.
في هذا الصدد، قال المحلل الصحافي خليفة شوشان، “يبدو أن الحوار الوطني يطبخ على نار ساخنة وليست هادئة هذه المرة، وملامح المنظمات الوطنية المشاركة بدأت تتضح إثر اللقاءات الأخيرة، التي عقدها رئيس الجمهورية مع مجموعة من رؤساء كبرى المنظمات الوطنية التاريخية”.
وأضاف شوشان، “حسب الكواليس، تأكدت مشاركة كل من الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والهيئة الوطنية للمحامين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والاتحاد الوطني للمرأة التونسية”.
أما بخصوص مشاركة الأحزاب، فيرى شوشان أنه “خلال الأيام القليلة المقبلة ستتضح ملامح الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية التي ستشارك في الحوار على قاعدة شبه متفق عليها ضمنياً بين رئيس الجمهورية والمنظمات الوطنية، حسب تصريحات رؤسائها”، مستدركاً “على أن تقتصر المشاركة على الأحزاب الداعمة لمسار 25 يوليو، التي لم تتحمل مسؤولية الحكم خلال عشرية التخريب الأخيرة، ولم تتعلق بها شبهات فساد أو تمويلات مشبوهة أو إرهاب واستقواء بالأجنبي”.
مخاطر الإقصاء
من جانبه، يعتقد الصحافي الصغير الحيدري، أنه “من السابق لأوانه الحديث عن إقصاء كل الأحزاب من الحوار الوطني المرتقب، إذ ما يرشح من كواليس لقاءات رئيس الجمهورية الأخيرة يؤكد أنه لن يتم استبعاد إلا من أقصى نفسه، خصوصاً هؤلاء الذين حاولوا زعزعة استقرار البلاد بالسعي لخلق شرعيتين”.
مع ذلك، تبقى فرضية إقصاء الأحزاب السياسية واردة، حسب الحيدري، موضحاً “إذا تم الإقصاء فإنه ينطوي على عدة مخاطر، أبرزها عدم القبول بمخرجاته على الرغم من عجز هذه الأحزاب عن التعبئة في الشارع، ناهيك بالضغوط الدولية حتى يكون المسار الانتقالي الحالي مساراً تشاركياً”.
المصدر: اندبندنت عربية