زكريا الكمالي
قوبلت عملية إطاحة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر باحتفاء شعبي، نظراً للأداء الباهت الذي اتسمت به الحكومة منذ انقلاب الحوثيين أواخر عام 2014، ثم إطلاق التحالف العربي عاصفة الحزم في مارس/آذار 2015 لإعادة الشرعية، قبل أن تطول الحرب حتى اليوم من دون أن يتحقق أي من أهدافها.
لكن الطريقة التي جرت من خلالها عملية نقل السلطة ورفض الحوثيين التعاطي مع مجلس القيادة الرئاسي، يثيران العديد من المخاوف بشأن السيناريوهات المستقبلية التي تنتظر اليمن.
وتتركز المخاوف من أن المجلس الرئاسي اليمني لن يكون قادراً على حل الأزمات، وإنهاء الحرب، أخذاً بعين الاعتبار عاملين اثنين، الأول هو موقف الحوثيين الرافض ما جرى، وفي ذلك رسالة واضحة بشأن رفض الدخول في شراكة ضمن الصيغة الجديدة التي تجرى محاولة إرسائها.
أما العامل الثاني فيرتبط بحقيقة أن المجلس لا يعبر عن توافق يمني – يمني، بقدر ما هو بمثابة هيكل أُنشئ لتقاسم النفوذ بين السعودية والإمارات بشكل مباشر، بعدما ظل التحالف، الذي تقوده الرياض، يمارس تدخله العسكري في اليمن طيلة سبع سنوات تحت اسم “تحالف دعم الشرعية” شهدت العديد من الخلافات والتباينات في المصالح بين الرياض وأبوظبي، وانعكست على الأرض في أكثر من مناسبة.
ولا يمكن إغفال التوقيت الذي أُعلن فيه عن المجلس والذي يتزامن مع ترسخ القناعة لدى السعودية بأن الحلول العسكرية مهما طالت لن تنهي الأزمة اليمنية، وبالتالي لا داعي للاستمرار في الحرب التي تحولت إلى مستنقع استنزاف لها وفشلت عملياً في تحقيق أي من الأهداف التي أطلقتها لأجلها.
وبناء على ذلك، تقرر التركيز على الوضع السياسي مع ما يتطلبه ذلك من إنهاء “الشرعية”، التي كانت إعادتها سبباً للتدخل العسكري، واستبدالها بمجلس قيادة رئاسي يضم في صفوفه عدداً من قادة المليشيات والفصائل المسلحة.
وكان عبدربه منصور هادي أعلن، فجر الأول من أمس الخميس، نقل السلطة إلى مجلس رئاسي، يترأسه القيادي البارز في حزب المؤتمر الشعبي العام رشاد العليمي، وبعضوية 7 شخصيات تمثل أبرز المكونات الفاعلة على الأرض شمالاً وجنوباً، تم تعيينهم بدرجة نائب رئيس المجلس.
وإلى جانب رئيس المجلس رشاد العليمي الذي ينتمي إلى حزب المؤتمر، شملت عضوية المجلس أيضاً شخصيتين من الحزب ذاته، هما نجل شقيق الرئيس اليمني السابق العميد طارق صالح، ومستشار الرئيس هادي، الشيخ عثمان مجلي.
وجرى التقسيم بالمناصفة شمالاً وجنوباً، إذ ينحدر رئيس المجلس ومعه طارق صالح وسلطان العرداة وعثمان مجلي من شمال اليمن، فيما ينحدر عبد الرحمن المحرمي وعيدروس الزبيدي وفرج البحسني وعبد الله العليمي باوزير من محافظات الجنوب.
المجلس نتاج توافق سعودي إماراتي
وظهر المجلس بشكل توافقي بين السعودية والإمارات، اللتين تتزعمان التحالف، أكثر من كونه توافقاً بين القوى السياسية اليمنية المشاركة في مشاورات، بدت صورية في الرياض، لأكثر من أسبوع، وتم القفز عليها عشية اليوم الختامي. وعلى الرغم من أن المشاركين في المشاورات فوجئوا بالقرارات المعلنة من قبل هادي، ولم يعلموا بشأنها إلا بعد صدورها، لكنهم باركوها في بيانهم الختامي.
وأكد المشاركون في المشاورات، في بيانهم الختامي، “تعزيز مؤسسات الدولة لتمكينها من أداء كافة واجباتها الدستورية على الأراضي اليمنية ومواجهة تحديات المرحلة الحالية”، مرحّبين بـ”قرار هادي تشكيل مجلس القيادة الرئاسي لإدارة الدولة سياسياً وعسكرياً وأمنياً، خلال الفترة الانتقالية، وتفويضه بكامل صلاحيات رئيس الجمهورية”.
كما أكد البيان، بحسب وكالة الأنباء اليمنية “سبأ” بنسختها التي تديرها الحكومة اليمنية، “الدعم الكامل لمجلس القيادة الرئاسي والكيانات المساندة له، لتمكينه من ممارسة مهامه في تنفيذ سياسات ومبادرات فعالة من شأنها تحقيق الأمن والاستقرار باليمن”، وسط دعوة “مجلس القيادة إلى البدء في التفاوض مع الحوثيين تحت إشراف الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي نهائي وشامل”.
دعم أممي وأميركي للمجلس الرئاسي
كما تلقى المجلس الجديد دعماً من الأمم المتحدة، التي أعلنت، على لسان المتحدث باسمها ستيفان دوجاريك، استعدادها للعمل مع مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، وكذلك الأطراف اليمنية، للتوصل إلى هدنة دائمة وتسوية مستدامة وشاملة وتفاوضية للصراع اليمني.
وكتب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، في تغريدة أمس الجمعة رحب فيها بالمجلس، إن “الولايات المتحدة تدعم تطلعات الشعب اليمني إلى حكومة فعالة وديمقراطية وشفافة، تضم أصواتاً سياسية، ومجتمعاً مدنياً متنوعاً”. وحث “مجلس القيادة الرئاسي على الالتزام بالهدنة التي تفاوضت بشأنها الأمم المتحدة والتعاون مع الجهود الأممية لإنهاء الصراع”، مؤكداً “التزام الولايات المتحدة بالمساعدة في التوصل إلى حل دائم وشامل للصراع في اليمن”.
وتترقب الأوساط اليمنية بحذر ما ستسفر عنه الفترة المقبلة من تطورات سياسية، وما إذا كان المجلس الرئاسي سينجح في إقناع الحوثيين بالجلوس حول طاولة مشاورات للوصول إلى الحل الشامل، أم أن الأمور ستتجه إلى جولة جديدة من التصعيد العسكري، أثناء الهدنة الإنسانية الحالية التي ترعاها الأمم المتحدة، أو بعد انتهائها في 2 يونيو/ حزيران المقبل.
قفز على نقاشات مشاورات الرياض
ورغم القناعة المسبقة لدى الكثير من المشاركين بأنها مجرد غطاء لحلول جاهزة، إلا أن مشاورات الرياض، التي اختتمت الأول من أمس، شهدت بعض الجدية في نقاشات المحور السياسي فقط، وتحديداً يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين.
وتمحور الخلاف بين المكونات الرئيسية، وهي “المؤتمر الشعبي العام” و”التجمع اليمني للإصلاح” والحزب الاشتراكي و”التنظيم الناصري” و”المجلس الانتقالي الجنوبي” والمكتب السياسي لقوات طارق صالح ومؤتمر حضرموت الجامع، على شكل مؤسسة الرئاسة بدرجة أساسية.
وذهب “المؤتمر” و”الناصري” إلى طرح تعيين نائب واحد توافقي، وتشكيل هيئة استشارية للرئيس من كافة المكونات، فيما تمسك “الإصلاح” بعلي محسن الأحمر نائباً للرئيس. في المقابل، اتفق “المجلس الانتقالي” وطارق صالح على مطلب موحد بتعيين نائبين من الشمال والجنوب.
وبعد خلافات عميقة بين المكونات السياسية في مشاورات الأربعاء الماضي، قامت السعودية باستدعاء رؤساء المكونات فقط، وذلك من بعد تناول وجبة الإفطار وحتى ساعات الفجر الأولى، وفقاً لمصادر مطلعة.
السعودية ذهبت للحل على طريقتها
وقال أحد الأعضاء المشاركين في مشاورات المحور السياسي، لـ”العربي الجديد”، إنه “حتى إعلان المجلس، كان خيار تشكيل مجلس رئاسي مطروحاً على طاولة النقاش، لكنه مستبعد، ولم تُقترح أي أسماء”. وأوضح أن “السعودية ضغطت بقوة على رؤساء المكونات، وما حصل حصل. كانت المشاورات ستتوه بين نائب توافقي أو نائبين من الشمال والجنوب، والآن السعودية ذهبت للحل على طريقتها وتتحمل مسؤولية ذلك”.
وبعد ظهور الإعلان عن تأليف المجلس الرئاسي، يتضح أن الديباجة الطويلة وفقرات الإعلان كانت خلاصة جهد طويل مسبق، وليست مجرد أيام معدودة في المشاورات. لكن كان من الواضح أن استعجال رعاة المشاورات جعلهم يتغاضون عن عدد من الأخطاء التي ظهرت تحديداً في أسماء الشخصيات.
وحاول مهندسو المجلس الرئاسي تفادي السلبيات التي رافقت المجالس السابقة، من خلال توزيع وتحديد الصلاحيات الخاصة برئيس وأعضاء مجلس القيادة، لكنهم وقعوا في إشكالية شرعيته، وفقاً للباحثة اليمنية ميساء شجاع الدين.
إشكالية شرعية المجلس الرئاسي
وقالت شجاع الدين، وهي كبيرة الباحثين في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، إن “الإشكالية الوحيدة تتمثل في شرعيته، باعتباره نتيجة توافق سعودي ـ إماراتي، وليس يمني ـ يمني، جرى طبخه في الكواليس. حتى إن المتشاورين في مشاورات الرياض سمعوا بخبر الإعلان عنه مثل بقية الناس”.
وأضافت أن “المجلس جاء بقرار إقليمي، ولم يستند إلى إطار دستوري، مثل مرجعية الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وقرارات الأمم المتحدة، ولذلك سيكون أعضاء المجلس مساءلين أمام السعودية والإمارات وليس أمام اليمنيين”.
وفيما أشارت إلى أن تركيبة المجلس طبيعية نظراً لتمثيله القوى الموجودة على الأرض بغض النظر عن داعميها، اعتبرت شجاع الدين، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن بإمكان هذا النوع من المجالس القيام بمهامه لفترة من الزمن، لكنه سيتحول إلى مشكلة إن طالت.
وحظى المجلس بدعم فوري لا محدود من الرياض. وخلافاً لتصريحات الخارجية السعودية التي حثت أعضاء المجلس على التفاوض مع الحوثيين على عملية السلام، كانت المفاجأة في إعلان البيان الختامي لمشاورات الرياض فشل الحل العسكري، وإعطاء الأولوية للحل السياسي.
ومن الواضح أن إعلان كهذا لا يخدم المجلس الرئاسي بالشكل المأمول، في ظل رفض الحوثيين التعاطي بالأساس مع فكرة نقل السلطة، أو مع مخرجات مشاورات الرياض. وقالت شجاع الدين إن “هذا التصريح يُضعف إمكانية التفاوض بالنسبة للحكومة. فكرة استبعاد الخيار العسكري تقوي الطرف الذي لا يزال يتعامل مع الحرب بشكل جدي”.
وتباينت وجهات النظر في الأوساط اليمنية إزاء عملية تشكيل المجلس الرئاسي. وخلافاً لمخاوف من عدم التجانس بين الأعضاء، الذين يستندون إلى قوة عسكرية هائلة قد تربك عمله المستقبلي، يرى خبراء أن هناك عيوباً فنية رافقت ولادة المجلس وجعلته يبدو مشوهاً.
وقال الصحافي والمحلل السياسي اليمني خالد عبد الهادي: “بالتغاضي عن حجمه وشكله الفضفاض، يمكن القول إن المجلس الرئاسي المعلن هو حصيلة المطالبات المستمرة منذ سنوات بإصلاح قيادة الشرعية، لكن بطريقة ينقصها الكثير من التشذيب والعمل الفني”.
هروب إلى الأمام
وفي حين أشار إلى أن المآخذ على حجم وشكل المجلس ستختفي إذا استطاع إصلاح القيادة الشرعية، رأى عبد الهادي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الهيئات واللجان المعلنة إلى جانب المجلس، مع بقاء مجلسي النواب والشورى، “هروب إلى الأمام وترهيل غير مفهوم لهيئات العمل العام”.
ونص الإعلان الرئاسي بنقل السلطة على إنشاء “هيئة التشاور والمصالحة”، بعضوية 50 شخصية سياسية من كافة المكونات، أغلبها قيادات حزبية، مع تخويل رئيس مجلس القيادة الرئاسي تعيين من يراه من الكفاءات الوطنية لعضوية الهيئة عند الحاجة، على ألا يزيد عدد الأعضاء عن 100 عضو.
كما نص الإعلان على تشكيل فريق قانوني لصياغة الأعمال المنظمة للمجلس، مكون من 10 أعضاء، برئاسة إسماعيل أحمد الوزير، وهو رئيس لجنة صياغة الدستور المنبثقة عن مؤتمر الحوار الوطني في العام 2014، فضلاً عن فريق اقتصادي مهمته تقديم المشورة للحكومة في ما يخص الإصلاحات العاجلة، ويتكون من 15 شخصية برئاسة حسام الشرجبي.
تجاهل تام لتصورات الأحزاب
وعشية الإعلان الرئاسي عن نقل السلطة، كانت الأحزاب والمكونات السياسية قد وضعت، بشكل منفرد، تصورات لمكامن الخلل في منظومة الحكومة ومعالجات مقترحة، لكن الجانب السعودي، المشرف على مشاورات الرياض، تجاهل كل ذلك بشكل تام، في ظل إصراره على إزاحة هادي ونائبه من المشهد.
وكانت بعض التصورات الحزبية، التي اطلعت عليها “العربي الجديد”، احتوت على انتقادات لاذعة لأداء السلطة، حيث اتُهمت الحكومات المتعاقبة، منذ مؤتمر الرياض في العام 2015 وحتى الآن، بأنها “لم تقدم برنامجاً عملياً واضحاً لإدارة الدولة في الظروف الراهنة، ولم تتمكن الحكومات المتعاقبة من إعادة بناء مؤسسات الدولة المدنية على أسس مهنية ووطنية وفقاً لمخرجات الحوار”.
كما اتهمت الأحزاب الحكومة بـ”إجراء التعيينات الإدارية من دون أسس قانونية سليمة”، و”عدم اتخاذ أي إجراءات لمواجهة الفساد المالي والإداري”، بالإضافة إلى “عدم إيجاد معالجات للتردي الكبير في الخدمات في أنحاء الدولة”.
ويبدو أن الانتقادات الموجهة لأداء التحالف الذي تقوده السعودية قد أزعجت رعاة المشاورات. وفي بعض التصورات النهائية، أشارت بعض الأحزاب إلى “عدم وجود استراتيجية واضحة لدور التحالف في مساعدة اليمن لإنهاء الانقلاب واستعادة الشرعية”، و”عدم الإسهام إيجابياً في بناء جيش وطني حقيقي، وفق الأسس التي أُقِرَّت في مؤتمر الحوار الوطني الشامل”.
وانتقدت الأحزاب بشكل لافت “إسهام التحالف في إيجاد سلطات أمر واقع في المناطق المحررة من سيطرة الحوثيين، والتغاضي عن وجود مليشيات لا تأتمر بأوامر الحكومة الشرعية، بل تنازعها السلطة”. كما اتُّهِم التحالف بـ”عدم القدرة على التعامل مع الواقع السياسي اليمني كما هو، وعلى نحو خاص التعددية السياسية، واستمرار دول التحالف في التعامل مع رموز تقليدية لا تعبر عن الإرادة الشعبية الحقيقية، وتغييب دور القوى السياسية”.
وعلى الرغم من الصدمة التي تعرضت لها عقب الإعلان عن نقل السلطة، إلا أن الأحزاب السياسية ابتلعت ألسنتها إزاء ما حدث. ووفقاً لمصدر سياسي مطلع لـ”العربي الجديد”، فإن إطاحة هادي ومحسن كانت مكسباً للغالبية، وهو ما جعلهم يتغاضون عن باقي الإجراءات التي تمت، خصوصاً هوية الأسماء المطروحة لعضوية المجلس الرئاسي.
المصدر: العربي الجديد