هذا ما يفعله نظام الطاغية بشار الأسد مع الفلسطينيين في مخيم اليرموك، مثلما فعل مع إخوتهم السوريين في سوريا النازفة المنكوبة، في الغوطة الشرقية مؤخراً وقبل ذلك في أماكن أخرى، عندما قام، بحجة “تطهير المنطقة من الإرهابيين”، بضرب المدنيين السوريين ومصادرة ممتلكاتهم وسرقة “تعفيش” بيوتهم، وتهجيرهم إلى مناطق بعيدة اختارها بتخطيط مسبق، مثل إدلب، ضارباً مكانهم وذكرياتهم، وذلك لعزل السنة والتضييق عليهم، وإنشاء مناطق علوية تابعة و”نظيفة”، بدعم روسي وإيراني، وبمحاكاة، واعية أو موضوعية، للمحتل الصهيوني ناتنياهو الذي يريد صياغة “دولة يهودية نقية” !
والآن، ها هو نظام الطاغية يدمر مخيم اليرموك، بالطيران والمدفعية، ويتحول المخيم إلى “خرابة”، كأن زلزالاً ضربه، أو كأننا أمام مشهدٍ فظيع من حرب عالمية، أو أنقاضٍ تلت إلقاء قنبلة نووية!
مخيم اليرموك تمت تسويته بالأرض، لقد اختفت الشوارع والأزقة والساحات التي كان أهل المخيم يتجولون فيها، وكانت النسوة ترشها بالماء، وتُعقد فيها حلقات الدبكة والأعراس، وتنصب فيها مراجيح الأطفال أيام العيد.
المخيم الذي كان معروفاً بحيويته، وصخبه الجميل، ونشاطه التجاري، ودفئه للفلسطينيين والسوريين، يتحول إلى ركام موحش وساكن. إنه ضرب المكان.. والذكريات.. ومضاعفة الوجع! حزن مفاتيح بيوت مخيم اليرموك التي انتظرت العودة إلى المخيم، يضاف إلى حزن مفاتيح البيوت التي انتظرت العودة إلى فلسطين!
سنوات صمود أهل المخيم، وتفضيل البقاء فيه رغم المرض والجوع، وانتظار الفرج، ضاعت وذهبت سدى.
القاتل والمدمر واضح: إنه نظام الطاغية الأسدي، الجبان أمام العدو الصهيوني المستأسد على السوريين والفلسطينيين، الخانع لروسيا وإيران، تدعمه وتبرر أفعاله فصائل فلسطينية فاشلة ويسار ضائع وتافه نسي الثورة والماركسية والشعب، ارتهنوا للجغرافيا السياسية وباعوا بندقيتهم وقرارهم وضمائرهم وتصريحاتهم لطاغية الشام، ولولي نعمتهم ورواتبهم، الولي الفقيه الإيراني.
أما حكاية “الإرهاب” التي يتلطى بها النظام فقد غدت واضحة لكل ذي عين وعقل وضمير. نظام الطاغية بأساليبه ومخابراته بقيادة علي مملوك، هو من مهد وساعد وشجع على ضرب سلمية الثورة السورية منذ البداية، وصنع وأطلق قيادات وتنظيمات “إسلامية متطرفة”، كي يشوه الثورة السورية، ويخلط الأوراق، ويظهر بمظهر المحارب للإرهاب، كي يغطي جرائمه أمام العالم، بينما هو العقل المدبر والمنفذ للإرهاب والإجرام.
إنه نظام يتقن الإجرام والكذب معاً، وألاعيبه الخبيثة واختراعاته المخابراتية يعرفها السوريون واللبنانيون والفلسطينيون الذين لهم خبرة غنية ومريره معها.
وداعش التي استخدمها النظام كأداة وفزاعة، كان عناصرها يدخلون إلى المخيم ويخرجون منه عن طريق حواجز النظام، وكانوا يذهبون للعلاج في مشفى المجتهد، والمهايني، يشربون الشاي مع عناصر جبهة النصرة في الليل ويتقاتلون في النهار، وزعماء داعش غادروا المخيم قبل أيام من ضرب المخيم بالطيران والمدفعية!
مخيم اليرموك أصبح تل زعتر جديد، في ظروف أسوأ، وربما سيصبح صبرا وشاتيلا جديدة، ومن تبقى من سكانه سيصبح ضحية الاعتقال والقتل والتهجير إلى المجهول، على يد بطل المقاومة والممانعة!
المحتل الصهيوني والمستبد الأسدي، يلتقيان في ضرب المكان والحنين والذكريات، وصناعة الحزن والتشرد والنكبات.