جمعت ساحات سجون النظام السوري ومعتقلاته خلال الأيام الثلاثة التي تلت صدور مرسوم العفو، حشداً من أهالي المعتقلين السوريين من مختلف المحافظات السورية، بعد توارد أنباء عن إطلاق سراح عشرات المعتقلين من سجني صيدنايا العسكري وعدرا المركزي.
وأصدر رئيس النظام بشار الأسد السبت، مرسوماً تشريعياً بمنح عفو عام عن “الجرائم الإرهابية” المرتكبة من السوريين، قبل تاريخ 30 نيسان/أبريل 2022. وقالت وكالة أنباء النظام “سانا”” إن المرسوم لا يشمل الجرائم “الإرهابية” التي أدت إلى موت إنسان، ولا تؤثر على دعوى الحق الشخصي.
وروى بعض الأهالي في الساحة القريبة من سجن صيدنايا العسكري ل”المدن”، تفاصيل الانتظار والساعات الطوال التي قضوها على أمل أن تشابه نهايات المسلسلات الرمضانية السعيدة، واقعهم.
ترابط أم محمد (60 عاماً)، لليوم الثالث على التوالي في ساحة السجن على أمل أن تحمل سيارات الشرطة العسكرية، أو الباصات التي تحمل المفرج عنهم خبراً عن أولادها الأربعة، الذين اعتقلتهم مخابرات النظام في مداهمة لمنزلهم في مدينة الكسوة بريف دمشق عام 2013. وعلى الرغم من أنها أقامت خيمة عزاء لهم، بعد أن تسلمت بطاقاتهم الشخصية من مختار مدينتها، إلا أنها ما زالت تطارد الأمل.
وتقول ل “المدن”: “قضيت 48 ساعة أطارد السراب، فتارة يقولون ستخرج دفعة جديدة بعد ساعة، وتارة أخرى عند المساء، انتظر لعلي أصل إلى هدفي المنشود”. وتضيف “في الساعات ال24 الأولى خرجت بعض الدفعات، ركضت بأقصى قوتي، ولكن هناك الآلاف مثلي، يحملون صور أولادهم ومفقوديهم، ليسألوا عنهم أولئك “المساكين” الذين ينظرون إلينا وكأننا من عالم آخر”.
وبَردَ قلب أم محمد عندما تبادلت أطراف الحديث مع امرأة أخرى، من بلدة الذيابية في ريف دمشق الجنوبي، التي كانت تنتظر مثلها أولادها الستة الذين فقدتهم مع زوجها في سجون النظام، من دون أن تصل إلى طريق إليهم حتى الآن.
وأما عن ملامح وأجساد المعتقلين الذين خرجوا، فتصفهم سارة التي ذهبت بغية الحصول على خبر عن زوجها وابنها المفقودين منذ العام 2012، ب”أشباه البشر”، “لا يعرفون إلى أين هم ذاهبون؟ ومن نحن؟ وماذا نفعل هنا؟”.
وتقول سارة ل “المدن”، إن “6 من المعتقلين المفرج عنهم كانوا في أحد الباصات الذي نقلهم من داخل السجن إلى الساحة القريبة منه. وعندما وقف الباص، وتدافع الأهالي عليهم، سقط أحدهم مغشياً عليه من الخوف، وآخر قام بتغطية رأسه خوفاً على ما يبدو من ضربه، وآخر راح يفرغ من الخوف ما توافر في معدته من لقيمات تصدق عليه بها السجان خلال الساعات الأخيرة التي سبقت خروجه”.
وتؤكد في حديثها أن “البعض منهم، هم بالفعل فاقدون للذاكرة، حتى أن أحدهم لم يتعرف حتى على أهله، الذين تعرفوا إليه من صيحات الجندي المرافق للباص الذي نادى: (يلي من درعا يجي لهون”.
سماسرة ومخبرين
ولا تخلو كل مناسبة سعيدة كانت أم حزينة من السماسرة والمُخبرين، المرتبطين بالأفرع الأمنية غالباً أو ببعض الضباط داخل السجن، بغية الحصول على بعض الأموال، وكأنما لم يكفيهم ما سرقوه من جيوب أولئك طيلة تلك السنوات.
“هل لديك من يهمك أمره؟ أستطيع أن اساعدك”، هذا ما قاله أحد السماسرة لحسام (40 عاماً)، من جديدة عرطوز، الذي تجدد لديه الأمل في خروج أخيه المعتقل منذ العام 2012، بعد الحديث عن إطلاق النظام للعشرات منهم.
ويضيف حسام ل”المدن”، أن السمسار طلب منه مليون ليرة سورية، مقابل وضع اسم أخيه في قائمة المُفرج عنهم في العفو، مشيراً إلى أن “هذه الحادثة ليست فردية، وإنما جميع من هنا يتعرضون لمحاولة الاحتيال ذاتها”، مؤكداً في الوقت ذاته أن السماسرة هؤلاء يتبعون للأجهزة الأمنية بسبب صولاتهم وجولاتهم العلنية بين مخبري أفرع الأمن الذي ينتشرون بين الناس لمنع التصوير، وخروج الصور لتجمهر الأهالي من تلك المنطقة للإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي.
وحذرت “الحملة الدولية لإنقاذ المعتقلين السوريين” ذوي المعتقلين من عمليات ابتزاز يقوم بها “نصابون” بحجة أنهم يساعدون بزج اسم معتقل بالعفو مقابل مبلغ من المال، مؤكدة في بيان لها أن “لوائح العفو واضحة والأسماء قد حددها النظام من قبل”.
ولا توجد حصيلة نهائية موثقة للذين خرجوا من تلك المعتقلات حتى اللحظة. في حين تمكن المرصد السوري لحقوق الإنسان من توثيق خروج 150 معتقلاً خلال الساعات 48 الأخيرة التي تلت صدور العفو 150، من مختلف المحافظات السورية، موضحاً أن عملية الإفراج من المفترض أن تستمر حتى حزيران/يونيو.
المصدر: المدن