مصطفى محمد
تطرح التصريحات الأميركية الأخيرة عن اعتزام إدارة الرئيس جو بايدن إعفاء الاستثمارات الأجنبية في المناطق السورية الخارجة عن سيطرة النظام السوري في شمال وشرق سوريا من عقوبات قيصر تساؤلات عديدة، لجهة تزامنها مع عكوف تركيا على تنفيذ مخطط إعادة أكثر من مليون لاجئ إلى الشمال السوري.
من جانب آخر، يؤكد التصريح الذي جاء على لسان القائمة بأعمال مساعدة وزير الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند، دقة التسريبات السابقة حول وجود مخطط أميركي لإحداث تقارب بين المعارضة وقسد.
وكانت نولاند قد تحدثت خلال اجتماع “التحالف الدولي لمكافحة داعش” الذي عُقد الأربعاء في مدينة مراكش المغربية، عن اعتزام إدارة بايدن إصدار رخص عامة تحرر الشركات من قيود العقوبات الأميركية، لتسهيل نشاط الاستثمار الاقتصادي الخاص في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام السوري (المعارضة) والمحررة من داعش في سوريا.
وأوضحت أن نقاشات مستفيضة خاضها المسؤولون الأميركيون، حول الرخص التي ستنطبق على الزراعة وأعمال إعادة الإعمار، وليس على النفط فقط.
لا تفويض أميركي للروس
ويرى الباحث في مركز “الحوار السوري” محمد سالم أن واشنطن باتت تنظر إلى تركيا على أنها حاجة لها في المنطقة، نتيجة التبدلات بالمواقف الدولية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
ويضيف ل”المدن”، أن إدارة بايدن تحاول خلق صيغة للموازنة بين دعمها لقسد، وحاجتها لتركيا، بسبب ضعف مستوى التنسيق بين واشنطن وموسكو على خلفية التوتر بينهما بسبب أوكرانيا، موضحاً أنه “قبل الحرب في أوكرانيا كانت أميركا تسمح نسبياً لقسد بتقوية علاقاتها مع الروس، لكن اليوم تغير ذلك، ولا تبدو واشنطن ماضية في توسيع التفويض للروس شرق سوريا”.
ولعل التفصيل الأهم في تصريحات نولاند، هو حديثها عن عدم اعتراض تركيا على كل ذلك، رغم أن “أنقرة تعتبر قسد منظمة إرهابية”.
ويبدو أن واشنطن قد أخذت موافقة مسبقة من أنقرة على ذلك، وهو ما يؤكد عليه الكاتب الصحافي التركي عبد الله سليمان أوغلو قائلاً: “هناك تواصل دبلوماسي جيد بين أنقرة وواشنطن، والمواقف الأميركية المتشددة تجاه تركيا أصبحت أكثر ليونة بعد الحرب الروسية الأوكرانية (…) نشهد غزلاً متبادلاً بين الطرفين بين الحين والآخر”.
تنازلات من الجانبين
ويقول أوغلو ل”المدن”، إن السياسة التركية تتميز بالبراغماتية الشديدة وفق مصالحها، لكن هذا لا يعني تنازل تركيا عن اعتبار قسد منظمة إرهابية تهدد مصالح وأمنها، قبل تقديم تنازلات أهمها فك ارتباطها بحزب “العمال” الكردستاني.
وفي ضوء ذلك، لا يستبعد أن يكون هناك تنازلات من الطرفين، موضحاً أن “أنقرة قد تتساهل في شروطها، مقابل دعم واشنطن والغرب عموماً لمخطط تركيا الهادف إلى تسريع إعادة اللاجئين إلى الشمال السوري، أي تمويل بناء الوحدات السكنية والبنى التحتية اللازمة، وخلق أرضية صناعية لتحسين الوضع المعيشي”.
النفط خارج الإعفاء
ومن الواضح أن إدارة بايدن تحاول تفادي العقبات القانونية بتجنبها إعفاء الاستثمار في النفط من مفاعيل “قيصر”، ويرى البعض أن هذه الخطوة تندرج في إطار حرص واشنطن على عدم استفزاز روسيا والنظام السوري بشكل صارخ.
لكن الكاتب والمحلل السياسي درويش خليفة يؤكد ل”المدن”، أن واشنطن تريد الاستمرار بالاحتفاظ بورقة النفط السوري للضغط على روسيا والنظام السوري، مضيفاً “كذلك تريد واشنطن قطع الطريق على تخطيط بعض الدول الأوروبية الشريكة في التحالف الدولي، للوصول إلى نفط شرق سوريا، وتحديداً بسبب تأثر إمدادات النفط والطاقة بعد الحرب في أوكرانيا”.
التقارب بين المعارضة وقسد
وإذا ما طُبقت هذه الخطوات، فإن من شأنها فتح قنوات اتصال بين المعارضة وقسد، وهو ما تسعى إليه واشنطن، التي تعوّل على إسهام التبادل التجاري بين الجانبين في فتح حوار سياسي بينهما.
وعن ذلك، يقول خليفة إن واشنطن أعادت منذ شهور طرح مشروع توحيد إدارة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، حيث عقدت الخارجية الأميركية اجتماعاً افتراضياً مع مجموعة من الناشطين السوريين، لبحث سبل تفعيل هذا المشروع القديم المتجدد.
ويضيف أن المشروع اصطدم سابقاً باعتراض أنقرة، ولذلك واصلت واشنطن العمل على تنفيذه في شرق سوريا، من خلال تقريب وجهات النظر بين قسد والمجلس الوطني الكردي المتحالف مع المعارضة.
ومن وجهة نظر خليفة، فإن التغيرات الدولية التي فرضتها الحرب في أوكرانيا، قد تشكل أرضية مناسبة لإعادة طرح المشروع مجدداً، مضيفاً “قد يضمن هذا الشكل الإداري الجديد في حال نجاحه، فرصة لإعادة الاستقرار الجزئي، لكن شريطة العمل على إحياء الحياة السياسية والحزبية في هذه المناطق، وإجراء انتخابات على مستوى المجالس المحلية”.
المصدر: المدن