عيسى نهاري
جورج بيب مستشار ديك تشيني السابق الذي حذر من مواجهة نووية قبل ثلاث سنوات يتحدث لـ “اندبندنت عربية” عن عواقب الأزمة في أوكرانيا
في أكتوبر 2018، استحضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال لقاء مع مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون، رموز الشعار الوطني للولايات المتحدة الذي يجسّد نسراً أصلع يمسك بمخلبه الأيسر 13 سهماً، وبالآخر غصناً مكوناً من 13 حبة زيتون. ويظهر الرسم الذي أثار بوتين الحديث حوله رأس النسر متّجهاً إلى ناحية الزيتون، في رسالة بأن أميركا تعتبر السلام أولوية لا جدال حولها، ولكنها سوف تكون على الدوام مستعدّة للحرب. حينها، باغت سيد الكرملين، بولتون الذي كان يقود ملف انسحاب الولايات المتحدة من “معاهدة القوى النووية المتوسطة” التي تحد من التسلح النووي قائلاً، “يبدو أن النسر قد التهم حبات الزيتون، فهل الأسهم كل ما بقي”؟ فرّد مستشار دونالد ترمب المثير للجدل، قائلاً، “أرجو أنني أملك بعض الأجوبة، لكنني لم أحضر مزيداً من الزيتون”، ليردف بوتين، “هذا ما توقعته؟”.
على رغم الخلاف الدائر آنذاك بين الولايات المتحدة وروسيا حول جدوى استمرار المعاهدة النووية التي يعود تاريخها لفترة الحرب الباردة، فإن المشهد الباسم والمحتقن في آن بين بوتين وبولتون كان وليد فترة هادئة بين الكرملين والبيت الأبيض، عزّزتها سياسة الرئيس ترمب الذي كان يذكّر الجميع بأن بوتين ليس عدوّه الشخصي، وفق الكاتب جون سولومون المقرب من حلفاء الرئيس الجمهوري.
لكن وبينما كان العالم يتابع بأعين متحفّزة الدفء بين رئيسي دولتين تنظر كل واحدة للأخرى بأنها عدوّتها التقليدية، كان جورج بيب، المسؤول السابق عن التحليلات الخاصة بروسيا في الاستخبارات الأميركية يحذّر في كتابه المعنون “فخ روسيا” الذي نشر قبل سنوات من اندلاع الحرب الحالية في أوكرانيا، من تحول حرب الظل بين أميركا وروسيا إلى كارثة نووية لا تحمد عقباها.
على الرغم من التقارب بين زعيميّ الدولتين، فإن السيد بيب كان يقول إن العوامل كلها متحققة لحدوث مأساة مشابهة للحرب العالمية الأولى التي انطلقت بسبب حدث صغير وغير متوقع، محذّراً من أن ينخرط البلدان وسط تآكل قواعد ما بعد الحرب الباردة، وتنامي التقنيات المتطورة، في نسق تصعيدي يقود في النهاية إلى حرب نووية.اليوم، وبينما يستعرض الدبّ الروسي مخالبه النووية في وجه “الناتو”، ويميل رأس النسر الأميركي في أوكرانيا نحو الأسهم لا الزيتون الدالّ على السلام، تبدو تحذيرات بيب أكثر واقعيّةً وجدّية، الأمر الذي دفع “اندبندنت عربية” إلى إجراء حوار مع الرجل الذي دقّ ناقوس الخطر قبل نشوب الحرب الطاحنة في أوكرانيا.
روسيا بوتين ليست ألمانيا هتلر
يقول بيب في حوارنا الهاتفي معه، صباح الثلاثاء الماضي 17 (مايو) أيار، “كتبت الكتاب (فخ روسيا) لأحذر من أننا كنا في دوامة تصعيدية مع الروس ستستمر حدّتها ما لم يتم العمل بشكل مشترك لإيقافها”، لكن الجانبين، روسيا والغرب، اتخذا خطوات لم تزد الوضع إلا سوءاً بحسب المسؤول السابق، الذي يحذّر من أن يقود ذلك في النهاية إلى “صراع مباشر بين أكبر قوتين نوويتين في العالم”.
ويحذّر بيب، الذي عمل مستشاراً خاصاً في الشؤون الروسية لنائب الرئيس ديك تشيني، من أن الحروب لا تبدأ كلها بـ “تصميم”، ولكنها تتصاعد عبر “نسق تصعيدي” لا يشعر به الناس أو يخشونه، إلى حين وقوع الكارثة كما حدث في الحرب العالمية الأولى. ولدى سؤاله عمّا إذا كانت هذه الفكرة تنطبق على الحرب الروسية – الأوكرانية، ردَّ بإجابة قاطعة “نعم”، ثم أخذ يسترسل في تحليل الوضع.
يقول كبير محللي الشأن الروسي في الاستخبارات الأميركية سابقاً، إن الغرب مخطئ في التعامل مع الموقف في أوكرانيا كما لو كان مشابهاً للوضع في ألمانيا النازية في ثلاثينيات القرن الماضي، وذلك حين أدرك الغرب متأخراً أن لهتلر طموحات إقليمية محددة، وأن محاولة عقد صفقة معه لاسترضائه شجّعت العدوان عوضاً عن تثبيطه.ويؤكد أن ما يحدث بين روسيا وأوكرانيا “ليس حالة عدوان مخطط له” ولا “قضية دولة ذات طموحات استراتيجية كبيرة تنوي متابعتها ما لم تواجه مقاومة في الواقع”، وإنما هو “تجسيد لما يسمى بالعلاقات الدولية المعضلة الأمنية، التي تجبر بلداً أو جانباً ما على اتخاذ خطوات لتعزيز موقفه الأمني وتهديد بلد آخر ودفعه نحو الدفاع عن نفسه، مؤدياً إلى نسق تصعيدي من الفعل ورد الفعل”، ولذا من الخطأ التعامل مع الأزمة مع روسيا اليوم من وحي الدروس المستفادة من الموقف الغربي حيال ألمانيا النازية.ويرى بأن الغرب كان منخرطاً في هذا التصعيد منذ سنوات عدة وكانت الحرب في أوكرانيا نتيجة له، مشيراً إلى أن الإجراءات التي توعّد الغرب باتخاذها ضد روسيا لرفع تكلفة غزو أوكرانيا قبل حدوثه لم تمنع قيام الحرب وكان لها تأثير عكسي. ومن هذه الإجراءات، التلويح بإمكانية “ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو”، والتلويح بـ “عقوبات اقتصادية قاسية”، و”التهديد بزيادة القوات الأميركية في حلف الناتو في أوروبا”.
وفيما مارس الغرب لعبة حسابات ردع كلاسيكية، باعثاً رسالة تحذير لموسكو بأن عوائد غزو أوكرانيا لا تستحق العناء أمام تكاليفها، يقول بيب، إن “الغرب لم يدرك بأنه “يتعامل مع بلد يعتقد أنه محاصر بشكل استراتيجي، ولا يملك خياراً إلا القتال، لأن البديل هو دخول الجيش الأميركي إلى أوكرانيا على طول الحدود الروسية وتحويلها بمشاركة قوات الناتو إلى مركز عسكري مناهض لروسيا، وهو ما اعتبره الروس تهديداً خطيراً لا يمكن التسامح معه، وتكاليفه تفوق سلبيات عدم الرد من وجهة النظر الروسية”.
ونتيجةً لفشل الغرب في تشخيص التحدّي، زادت احتمالات قيام الحرب على حد رأيه، لافتاً إلى أن “كلا الجانبين مذنب، وأسهما في المشكلة، وإن كانت روسيا تتحمل النصيب الأكبر من اللوم”.
ما يحدث الآن حرب “وكالة”
لحرب الظل بين الولايات المتحدة وروسيا أبعاد عدة تتجاوز الفضاء السيبراني والهجمات الإلكترونية التي تحدث بمنأى عن عين العامة، ومن هذه الأبعاد الحرب الإعلامية ومساعي تشكيل تصوّرات الناس، والعقوبات الاقتصادية ضد روسيا التي فرضت عليها حتى قبل 2014، كتعديل جاكسون – فانيك لعام 1974، الذي استهدف الاتحاد السوفياتي والدول التي تفرض قيوداً على هجرة مواطنيها اليهود، وبقي موجوداً حتى بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وأعقب ذلك عقوبات “ماغنيتسكي”، التي استهدفت مسؤولين روساً.
وهناك البعد العسكري بحسب بيب، الذي يتمثل في عمليات نشر الأسلحة الاستراتيجية والتقليدية، وقد نقل هذا البعد “حرب الظل” بين أميركا وروسيا إلى “حرب وكالة” مسرحها أوكرانيا، على حد قوله.
وتابع، “التسريبات حول مقتل جنرالات روس على يد الجيش الأوكراني بمساعدة استخباراتية أميركية تزيد من فرص شنّ موسكو هجمات انتقامية ضد الولايات المتحدة أو حلف الناتو”، مشيراً إلى أن “ما يفعله الغرب هو المراهنة على أن المساعدة العسكرية والدعم الاستخباراتي لأوكرانيا، إضافة إلى الحرب الاقتصادية كفيلة بإضعاف روسيا وإلحاق الهزيمة بجيشها”، مضيفاً أن “هناك من يأمل في أن يؤدي هذا إلى تعزيز فرص تغيير النظام في موسكو الذي سيسقط بطريقة أو أخرى”.
وحين مقاطعته عند نقطته حول فرص سقوط النظام الحالي في روسيا، قال، “ذلك ممكن، ولست متأكداً من أنه محتمل في هذه المرحلة، ولكنه ليس مستحيلاً”.
رهان الغرب يعتمد على الروس
وأوضح المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات الأميركية بأن رهان بلاده والغرب معقود على قبول الروس القواعد الأساسية لهذه المنافسة، وعلى إمكانية هزيمة روسيا بوسائل غير تقليدية، وعدم السماح للروس من الانتقام مباشرة من الولايات المتحدة أو الغرب”.
وفيما يعترف بأن فرص قبول موسكو للقواعد الأساسية لهذه اللعبة قائمة، إلا أنه يقول إنه “كلما اقترب الروس من هزيمة حقيقية في ساحة المعركة في أوكرانيا، زاد احتمال تصعيدهم، وتوسيع هذه الحرب لتشمل هجمات على حلف الناتو أو الولايات المتحدة”.
قنوات التواصل السرية: خط نووي ساخن
في العلاقات الدولية، ربما يكون التواصل مع الخصم أهم من التواصل مع الصديق، حتى ينقل الطرفان مخاوفهما، ويمنعان حدوث أي سوء فهم مميت. إبان تعاملها مع الاتحاد السوفياتي، اعتمدت الولايات المتحدة على قنوات تواصل، تباينت ما بين رسمية وغير رسمية إضافة إلى قنوات سرية لا تقلّ أهمية.
تاريخياً، تمثّلت قنوات الاتصال الرسمية بين البلدين في الاتصالات الدبلوماسية بين البيت الأبيض والكرملين، وترافق مع ذلك، حوار بين المنظمات غير الحكومية، أطرافه خبراء من الجانبين على اتصال بالحكومة ولديهم مرونة أكبر في التفكير المنفتح حول حلول مبتكرة لما أمامهم من تحديات.
وأكد المسؤول السابق في الـ “CIA” وجود “قنوات سرية” بين البلدين، كالتي تستخدمها أجهزة الاستخبارات، إضافة إلى مناقشات خلفية غير رسمية لعبت دوراً مهماً في تحسين التواصل بين البلدين، مستشهداً بدور المدعي العام الأميركي روبرت كينيدي في حل أزمة الصواريخ الكوبية، حيث كان يلتقي سراً وباستمرار السفير الروسي في واشنطن أناتولي دوبرينين، الأمر الذي أسهم في إيجاد تفاهم تاريخي مع الاتحاد السوفياتي، على أساسه جرى سحب الصواريخ من كوبا تحت إشراف الأمم المتحدة، مقابل تعهد أميركي بعدم غزو كوبا.
إلا أن الأزمة الأوكرانية أدت إلى انحسار التواصل بين الولايات المتحدة وروسيا في الأسابيع الماضية، وكشف بيب أن السفير الروسي أناتولي أنطونوف يواجه عزلة و”لا أحد يتحدث إليه في واشنطن”، معتقداً بأن الوضع نفسه ينطبق على جون سوليفان السفير الأميركي لدى موسكو.
وأضاف، “لقد تقلّص حجم الموظفين الدبلوماسيين في موسكو وواشنطن بشكل كبير، وهناك تواصل متواضع جداً بين البلدين في الوقت الحالي، وهو أمر خطير في هذه الظروف”.
وعن الخط النووي الساخن الذي أُنشئ في الستينيات لربط البنتاغون وقيادة الحزب الشيوعي السوفياتي، وتسهيل التواصل بينهما لمنع حدوث سوء فهم حال وقوع حوادث من شأنها إشعال حرب نووية، قال إن “الخط الساخن ما زال موجوداً وفعّالاً”، لكنه لا يعلم ما إن جرى استخدامه خلال الأزمة الحالية.
لماذا تخشى روسيا أوكرانيا؟
السؤال حول الأسباب التي جعلت بوتين ينخرط في حرب مباشرة مع أوكرانيا ما زال حاضراً في طاولات النقاش في غرب العالم وشرقه، ويبدو أن التنقيب في دوافع بوتين من حربه سيظل موضوعاً محفزاً للباحثين لفترة طويلة، خصوصاً عند النظر في إمكانات كييف المتواضعة أمام قوة عظمى بحجم روسيا، وكيف أنه من الغريب أن ترى الأخيرة في جارتها الصغيرة تهديداً وجودياً، هذا من جانب المقارنة بين الدولتين. أما من جانب التكلفة، فإن المخاطرة الروسية بعلاقاتها الاقتصادية التي ازدهرت في السنوات الماضية مع بعض دول أوروبا من أجل الحرب تزيد أيضاً من جدّية السؤال حول الدوافع، وأهمية عدم التسرّع في الحكم سواء القول إن أوكرانيا ليست إلا بلداً صغيراً لا يهدد موسكو أو الافتراض بأن “الناتو” يريد ابتلاع روسيا.
بالنسبة للخبير في الشأن الروسي، فإن الروس لا يعتقدون أن أوكرانيا بحد ذاتها تشكل تهديداً عسكرياً لبلادهم، لكنّهم ينظرون إليها من منظور أن تتحول إلى أداة تستخدمها الولايات المتحدة لإقلاق موسكو وأن تكون ضمن التحرك المتواصل منذ نهاية الحرب الباردة باتجاه الشرق، لافتاً إلى أن الروس تساءلوا مراراً طيلة السنوات الماضية حول سبب استمرار حلف “الناتو” في الاقتراب من الحدود الروسية.
وشدد على أن موسكو تجد في مقترح ضم أوكرانيا لـ “الناتو” أو التدخل العسكري الأميركي فيها تهديداً، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة ردّت بأن التحالف مع كييف دفاعي لا يستهدف موسكو، فإن الروس يجدون اقتراب تحالف كهذا من حدودهم مقلقاً، بالنظر إلى سابقة “الناتو” في كوسوفو في أواخر التسعينيات، حين خرج حلف شمال الأطلسي من نطاقه، وأجرى عمليات عسكرية وصفها الروس بـ “الهجومية” كونها لم تصدر دفاعاً عن أي دولة عضو في الحلف، وشنّ ضربات جوية ضد دولة رداً على أفعال حدثت داخلها، لا خارج حدودها، من دون تفويض من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وتابع مستشار ديك تشيني السابق، “سأل الروس أنفسهم، وسألونا، كيف يمكننا التأكد من أن الناتو لن يفعل الشيء نفسه رداً على ما يراها انتهاكات روسية ضد الشيشان على سبيل المثال، وتوصلوا إلى أن الأمر الوحيد الذي من شأنه أن يمنع ذلك، هو قدرة الجيش الروسي على الردع”.
ماذا تريد روسيا بوتين من أوكرانيا الصغيرة إذن؟ يجيب، “روسيا لديها مطالب عدة من أوكرانيا، ولكن أهم ما تريد تحقيقه حتى الآن هو منع قيام شراكة عسكرية بين أوكرانيا وحلف الناتو أو الولايات المتحدة، وهو ما لم يكن الغرب على استعداد لمناقشته”.
لكن اليوم، وبعد قرابة 10 أسابيع من المشهد السوريالي لاجتياح الجيش الروسي لأوكرانيا بهدف “منع الغرب من عسكرة أوكرانيا” بحسب المسؤولين الروس، تبدو النتائج عكسية، فـ “الناتو” يعزز دعمه لأوكرانيا، وأميركا تضخ لها مليارات الدولارات من أسلحة ودعم اقتصادي، والسيد فولوديمير زيلينسكي يخطب افتراضياً تحت قبب برلمانات العالم في الشرق والغرب، حاشداً الدعم المعنوي والعتاد، هذا كلّه بينما يسلط الغرب سياط عقوباته على روسيا.
ما الذي ينتظر العالم بينما يشاهد إمبراطورية سابقة تختنق من معظم الجهات؟
استرسل بيب، “لقد اتخذ الروس إجراءات فاقمت سوء الوضع بالنسبة لهم، لكن في الواقع، الوضع أكثر سوءاً بالنسبة لنا، لأنه أدى إلى رد فعل غربي وأميركي”. وأضاف، “من المحتمل أن ترد موسكو على تصعيد “الناتو” بإحياء التهديدات النووية القديمة تجاه أوروبا، التي شكلت مشكلة كبيرة لها في مستهل الثمانينيات، حين نشر الروس صواريخ SS20متوسطة المدى باتجاه أوروبا، وردّت الولايات المتحدة بنشر صاروخين متوسطي المدى في أوروبا.
أغلقت القارة العجوز ملف التهديدات النووية باتفاق تاريخي بين الرئيس الأميركي رونالد ريغان والزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف في عام 1987، تمخّض عنه معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى الهادفة إلى الحد من انتشار الأسلحة النووية، إلا أن المعاهدة النووية التي كان من الممكن أن يُعوّل عليها خلال الأزمة الحالية باتت في طور النسيان بعد انسحاب الولايات المتحدة منها في عهد ترمب، وهو ما يزيد الوضع تعقيداً، وفق بيب، الذي يقول إن أوروبا تتجه إلى حالة من التأهب النووي، لكن من دون طريقة لإدارة ذلك، أو حوار جاد مع الروس.
روسيا ستنتقم بهذه الطريقة
ولدى سؤاله عن رد فعله بعد أن وضعت روسيا قواتها النووية في حالة تأهب، أعرب المحلل الاستخباراتي عن اعتقاده بأن التهديدات باستخدام الأسلحة النووية جدّية، وقال، “يدرك الروس خطورة هذا التصعيد، ولكن يجب أن ندرك أن الروس يعتقدون بأن وجودهم مهدد في الحرب مع أوكرانيا، وكلما اقتربوا من مواجهة هزيمة واضحة ومذلّة، زادت احتمالات تصعيدهم لإشعال صراع مباشر مع الولايات المتحدة”.
لكن هذا التصعيد لن يبدأ نووياً وفق المسؤول السابق، ولكنه سيشمل على الأرجح، ضرب مستودعات أسلحة “الناتو” التي تستخدم لتزويد أوكرانيا بالأسلحة كخطوة أولى، ومن المحتمل أن يلجأ الروس إلى الهجمات السيبرانية ضد البنية التحتية في أوروبا والولايات المتحدة كردّ انتقامي، ولكن بمجرد الدخول في صراع عسكري مباشر بين الغرب وروسيا، فإنه من الصعب منع حدوث تصعيد أخطر يصل إلى استخدام الأسلحة النووية.
وذكّر بالدرس الذي استخلصه الرئيس جون كينيدي من أزمة الصواريخ الكوبيّة، المتمثل في ضرورة ألّا يضع قادة القوى النووية بعضهم البعض في موقف يواجهون فيه خياراً بين الإذلال واستخدام السلاح النووي، وقال، “للأسف، يبدو أن هذا هو الاتجاه الذي نتجّه إليه حالياً، إذ إن كثراً في الغرب يجدون فكرة هزيمة بوتين وإهانته جاذبة للغاية… أتفهم سبب شعورهم بذلك وسط الظروف الحالية، لكن الأمر محفوف بخطر كبير ستكون نتيجته التصعيد باتجاه صراع عسكري مباشر مع روسيا”.
كيف نتجنب كارثة نووية؟
في مارس (آذار) الماضي، أطلق الرئيس بايدن تصريحات نارية ضد نظيره الروسي ضمن خطاب ألقاه في وارسو واعتبره البعض من أقوى خطاباته وأكثرها عفوية، لكن سرعان ما أصدر البيت الأبيض، بياناً تدارك فيه قول بايدن إن الرئيس بوتين “لا يمكن أن يستمر في السلطة”، موضّحاً بأن هذه ليست دعوة إلى تغير نظام في روسيا.
عما إذا كان بمقدور بايدن مواجهة بوتين والانتصار عليه، قال بيب، إنه لا يعلم، مشيراً إلى أن “المعطيات تبدو غير مبشّرة، ولا يبدو أمام الروس بديل سوى مواصلة القتال، وبينما يعتقد الكثير في الغرب وواشنطن بأنه يجب الضغط لتحقيق النصر النهائي على الروس، فمن المحتمل حدوث مزيد من التصعيد”.
لكن أفضل طريقة لتجنب التصعيد وفق مسؤول الاستخبارات السابق هي الضغط واستخدام النفوذ الأميركي للدفع من أجل التوصل إلى تسوية تفاوضية. والخيارات الحالية على حد وصفه واقعية وتتباين ما بين التسوية أو التصعيد أو الجمود المدمّر على المدى الطويل (استمرار الحرب) مما سيتسبب في أضرار كبيرة لأوكرانيا، وسقوط المزيد من الضحايا، وسينعكس الضرر على الاقتصاد العالمي.
وعما إذا كانت رواية بوتين حول التهديد الغربي لروسيا تحظى بدعم مواطنيه، ردّ بيب، “نعم إلى حد ما، فكثير من إجراءات الغرب دعمت طرح بوتين بأن هذه (معركته في أوكرانيا) حرب بالوكالة مع الغرب”، مستشهداً بحديث المسؤولين الأميركيين عن مد الأوكرانيين بمعلومات استهداف للجيش الروسي، وحديث مسؤولين غربيين عن نصر على روسيا، وإضعاف جيشها، وخنق اقتصادها، وهي عوامل يعتبرها معزّزة لما يحاول بوتين الترويج له وهي أنها حرب بين
المبادرة بغصن الزيتون؟
لا مجال للجزم بشأن ما سيعقب الحرب في أوكرانيا، فاحتمالات عواقبها وسيناريوهات ما بعدها كثيرة، إلا أن الأكيد هو خطورة إغفال قدرة هذه الحرب على دفع قوتين عظميين إلى ما هو أبعد من حرب ظل تتخللها مناوشات سيبرانية بين الحين والآخر.
شهدت العلاقة بين النسر الأميركي والدب الروسي تغيّرات عميقة في السنوات الماضية، فبعد أن وقّع البلدان اتفاقات ثنائية في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، بهدف بناء شراكة استراتيجية تخدم مصالحهما من جانب، وتعزيز تعاونهما في مكافحة الإرهاب من جانب آخر، إلا أن الوضع اليوم أكثر تعقيداً وسط عقوبات قاسية تفرضها واشنطن على موسكو، وتردد من الجانبين تجاه الحوار، وفي خضم ما يُوصف بـ “حرب وكالة” بينهما في أوكرانيا.
وعودةً إلى غصن الزيتون الرامز إلى السلام الذي لم يعد يبصره بوتين في شعار أميركا حتى خلال الحقبة التي حظي فيها بعلاقة دافئة مع سيد البيت الأبيض، يقفز السؤال الملحّ: هل بات العالم بحاجة إلى أميركا بايدن كي تخفض أسهمها، وتمدّ إلى موسكو غصن الزيتون، وتنقذنا من مواجهة نووية مميتة؟
يجيب المحلل الاستخباراتي، “لا، لا. بالتأكيد من الجيد أن يتفق البلدان على نوع من السلام، ولكن هذا غير واقعي في ظل الظروف الحالية، إذ نحتاج الآن إلى إيجاد طريقة لإدارة واحتواء خلافاتنا حتى نتمكن من تقليل فرص تصعيدها”.
وتابع، “هذه الاختلافات لن تختفي، وإذا وضعنا أهدافاً غير واقعية، فمن المحتمل أن نفشل، مما يفاقم سوء الوضع. نحن بحاجة إلى استعادة قواعد اللعبة والاتفاقات التي من شأنها إدارة منافستنا، لا يجب لتلك القواعد أن تقضي عليها، أو تحول العداء إلى صداقة أو شراكة، ولكن عليها أن تؤكد أن المنافسة مستمرة، لكن مع الإدراك بأن هذه المنافسة في العصر النووي خطيرة بحيث لا يمكن السماح باستمرارها من دون تنظيم أو طريقة ما لاحتواء مخاطرها”.
المصدر: اندبندنت عربية