إبراهيم درويش
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعده ستيف هندريكس وشيرا روبن قالا فيه إن إسرائيل شنت قبل زيارة الرئيس الأمريكي جوي بايدن المرتقبة أكبر حملة تهجير للفلسطينيين منذ عقود. وقالا إن عائلة النجار كانت تعرف ما تتوقعه عندما قال جارها في 11 أيار/مايو “الجرافة جاءت”، وللمرة الثانية منذ خمسة أشهر جاء الجيش الإسرائيلي لهدم بيتهم. لكن هذه المرة مختلفة، فالبيت سيذهب للأبد، فبعد عقود من الهدم وإعادة البناء، وأكثر من 20 معركة قانونية، منحت المحكمة العليا الإذن بتشريد أكثر من 1.000 فلسطيني في بلدة المركز، وإعادة تحويل الأرض إلى ميدان رماية للجيش الإسرائيلي. ويأتي القرار بعد أقل من أسبوع لقرار المحكمة العليا الإذن بهدم عائلة النجار، فيما يقول الناشطون إنها أكبر عملية طرد للفلسطينيين منذ عام 1967.
ولم تتأثر المحكمة بالأدلة التاريخية التي قدمها لها المحامون عن الفلسطينيين وتظهر أن هدف تحويل أراضيهم إلى ميدان رماية عسكري يقصد منه منعهم من محاولات استعادتها في المستقبل.
وقالت يسرى النجار “أعطينا نصف ساعة لكي نأخذ ما نستطيع”. ونظرت إلى أنقاض من الحجارة والحديد الملتوي ومسحت دموعها: “لم يأخذ وقتاً وانتهى بيتنا”.
وتقول الصحيفة إن عملية الهدم أثارت قلقا من واشنطن، وقبل زيارة الرئيس بايدن إلى إسرائيل في حزيران/يونيو، ويأتي في وقت تعيش فيه الحكومة الإسرائيلية حالة من عدم استقرار، وموافقتها قبل فترة على بناء 4.200 وحدة استيطانية في الضفة الغربية المحتلة.
وحث المتحدث باسم الخارجية، نيد برايس، ردا على سؤال حول قرار المحكمة، الإسرائيليين والفلسطينيين على تجنّب التصعيد وهذا يشمل “بالتأكيد الطرد”. وحث الاتحاد الأوروبي إسرائيل على وقف عمليات الهدم. وحذّر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من أن “التهجير القسري” للسكان ربما يصل إلى خرق القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان والقوانين الإنسانية. وقال الجيش الإسرائيلي، في بيان له، إن الهدم هو بناء على مراجعة المحكمة استمرت عاما وقررت بالإجماع نيابة عن الجيش. وجاء في البيان: “قبلت المحكمة العليا موقف دولة إسرائيل، وقررت أن المتقدمين بالعريضة ليسوا مقيمين دائمين بالمنطقة”، و”لاحظت المحكمة إن المتقدمين بالعريضة رفضوا أياً من محاولات التسوية المقدمة لهم”. وبدأت الحرب على هذه التلال الجافة في جنوب الخليل منذ الثمانينات، عندما صادر الجيش عددا من المناطق بهدف إنشاء معسكرات تدريب للجنود.
وتعرف هذه المنطقة، التي تبلغ مساحتها ما بين 8.000- 14.000 فدان، بمسافر يطا، وتم تخصيصها كميدان رماية 918. وفي وثائق قدمت إلى المحكمة قال الجيش إن “أهمية ميدان الرماية هذا للجيش الإسرائيلي نابع من ميزتها الطبوغرافية الخاصة والتي تسمح بوسائل تدريب على قاعدة صغيرة أو واسعة، ومن فرقة إلى كتيبة”. إلا أن ناشطي حقوق الإنسان، فلسطينيين وإسرائيليين، يرون أن هدف تحويل المناطق إلى ميدان رماية هو طرد العرب وتقوية سيطرة إسرائيل على مزيد من الأراضي المحتلة.
وعادة تصادر الأراضي بحجة عسكرية لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية، التي تعتبر غير شرعية حسب القانون الدولي. ويدعم محضر أرشيف يعود إلى عام 1981 بشأن النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني هذه المعلومة. وفيه يتحدث وزير الزراعة، ولاحقا رئيس الوزراء أرييل شارون، عن أهمية منع توسيع القرى العربية إلى هذه التلال.وبحسب تقرير في صحيفة “هآرتس” “لدينا اهتمام بتوسيع وتكبير ميادين الرماية والسيطرة على المناطق المهمة لنا”. وتم تقديم الوثيقة كدليل في المحكمة، لكن المسؤولين الإسرائيليين قالوا إن سكان 8-12 قرية صغيرة في محور 918، ومعظمهم من رعاة الماشية، ويعيشون معظمهم أثناء الشتاء في مغارات محفورة من الجير، لم يتمكنوا إثبات ملكيتهم للأراضي. وعندما حاول السكان الحصول على تراخيص لبناء بيوت، وإيصال التيار الكهربائي كان رد الجيش الإسرائيلي أنه لا يسمح لأحد السكن في مرمى ميدان الرماية، ورفض الموافقة على طلباتهم وأرسل فرقا عسكرية لهدم البيوت “غير القانونية”. وأصدر المسؤولون أول أمر للطرد في عام 1999، لكنه امتنع عن طرد السكان بالقوة نظراً للمعركة القانونية. لكن تبع ذلك تحرش مستمر للسكان بهدف إجبارهم على ترك منازلهم، كما يقول المحامون عنهم.
وقال درور سادوت من بتسيلم، منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية “لا أعتقد أننا سنرى صور وضع الناس في شاحنات، حتى لا يتم إثارة الانتباه”، و”ما سنراه عمليات هدم متكررة بحيث يجبر الناس على مغادرة المنطقة لعدم قدرتهم على البقاء فيها”. وقدمت المحكمة تسويات مثل السماح للسكان العودة إلى مزارعهم في أثناء العطلات اليهودية، والتي لا يقوم فيها الجيش بتدريبات، لكن السكان رفضوها جملة وتفصيلا.
وانتهت المحكمة في 5 أيار/مايو إلى قرارها لصالح الجيش، بعدما قالت إن السكان لم يقدموا أدلة عن ملكيتهم القانونية لها، أو أنهم كانوا يعيشون فيها قبل تخصيصها كمنطقة عسكرية. وقال رئيس مجلس مسافر يطا، نضال يونس “هناك قانون يعمل لصالح اليهود، ولا يوجد لنا قانون”. مضيفا أن البؤر الاستيطانية على التلال القريبة ليست مشمولة بالطرد.
وفي قريتها، هزت النجار رأسها من فكرة أنها جديدة على المنطقة، مع أن والدها بنى البيت بالخمسينات من القرن الماضي، حيث ولدت فيه عام 1961، وعادت هي وعائلتها إلى المغارة التي احتفظت بها العائلة كمطبخ إضافي ومساحة للمعيشة.
ومع زيادة المستوطنين زادت حالات التخريب والاعتداء. وهدمت البيوت البسيطة المقامة من الطوب والسقوف المعدنية. وتقول النجار إن الجرافات جاءت قبل فترة فجأة بحراسة الجنود. و “لم يقولوا لماذا جاؤوا، ولم يظهروا أوراقاً، لكننا نعرف”. وطلب الجنود من الرجال البقاء بعيداً عن البيت، فيما سارعت النسوة في جمع ما يمكن جمعه من البيت. ووجدن صعوبة في نقل الغسالة، ولكن الجيش طلب منهن الابتعاد. وبعد ساعتين هدمت الجرافة منزلين وحظيرتي أغنام في قرية تعيش فيها سبع عائلات.
المصدر: “القدس العربي”