أحمد مظهر سعدو
لعل إمكانية تجديد القرار الأممي بما يخص إدخال المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري عبر معبر باب الهوى باتت غير ممكنة في ظل الإعلان الروسي المسبق عن عدم الموافقة على ذلك. ومن المتوقع استخدام روسيا لحق النقض “الفيتو” في شهر تموز/ يوليو القادم في أثناء عملية إعادة طرح المسألة أمميًا، خاصة في ظل تصاعد الخلاف بين الروس والأميركان والغرب عامة، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وما نتج عن ذلك من حرب ضروس يخوضها الروس ضد الأوكرانيين في ظل تدفق أسلحة حديثة غربية لم يسبق أن أعطيت لجهات أخرى، في حروب مشابهة.
وعندما تبدي روسيا معارضتها لتمديد آلية إيصال المساعدات عبر الحدود إلى سوريا، وفق ما قال مندوبها في الأمم المتحدة “إن المجتمع الدولي لا يبذل الجهود الكافية لدعم مشاريع إعادة الإعمار المبكر في هذا البلد”. فإنها بذلك تحاول الضغط على مساومة أميركا والغرب حول إعادة الإعمار في سوريا، في وقت ما تزال فيه الإدارة الأميركية تمنع ذلك، من منطلق أن النظام السوري ما زال يمارس القتل ويتمنع من الولوج الجدي ضمن عملية انتقال سلمي للسلطة وفق القرارات الأممية ذات الصلة.
بدوره أجرى وزير الخارجية الأميركي مؤخراً مباحثات مع الأمين العام الأمم المتحدة غوتيرش حول توسيع نطاق وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا، وذلك كتهديد مباشر لروسيا فيما لو استمرت بعدم السماح في تمديد مهلة الآلية الأممية لإدخال المساعدات إلى سوريا عبر معبر باب الهوى بدعوى أنها لا ترى مسوغاً لذلك.
وكانت الدبلوماسية الأميركية قد شددت قبل ذلك على ضرورة قيام النظام السوري “بتوفير وصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق إلى جميع السوريين المحتاجين وضرورة أن يدعم المجتمع الدولي تقديم المساعدة من خلال جميع السبل المتاحة، بما في ذلك من خلال المساعدة عبر الحدود وعبر الخطوط”.
كان الرد الروسي عبر نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي في أثناء اجتماعات مجلس الأمن الأخيرة واضحًا بأن روسيا لا ترى “سببًا لمواصلة هذه الآلية عبر الحدود” التي “تنتهك سيادة سوريا ووحدة أراضيها”. كما ادعى المسؤول الروسي. ولم ير أبدًا في انتهاك النظام السوري لكل القرارات الدولية في استمرار تعنته وتسويفه ومراوحته في المكان أمام أي استحقاق، أو أي اجتماعات للجنة الدستورية أو سواها، حيث لم تشهد اجتماعات اللجنة الدستورية السبعة إحراز أي تقدم في هذا الاتجاه، ولم تر روسيا في ذلك مع ما يرافقه من استمرار للمقتلة الأسدية في إدلب، أي انتهاكات تذكر.
ويرى مراقبون أن القضية الأساس بالنسبة للروس ما بات يجري في أوكرانيا واستمرار الدفع الأميركي لغرق الروس في الوحل الأوكراني، والتصعيد باطراد في العقوبات الغربية على الكرملين، والوقوف في مواجهة هذا التدخل، ومن ثم إغراق أوكرانيا بالسلاح الأميركي الحديث، الذي ساهم في كثير من الخسائر العسكرية الروسية، وفي إطالة أمد الحرب، التي ظن الروس (واهمين) أنها ستكون لأيام فقط، لكنهم واجهوا مقاومة أوكرانية شرسة مدعومة غربيًا، ما وضع الروس في موقف محرج أمام آلتهم العسكرية المترهلة، وشعبهم الذي ينتظر نهاية الحرب بكل تأكيد.
كما أن التلويح بين الفينة والأخرى بضرورة البدء بإعادة إعمار سوريا، ما هو إلا محاولة للضغط على الإدارة الأميركية والغرب، كي تتمكن روسيا ومن معها من إنجاز حالة من التنفس الاقتصادي في أتون إعادة الإعمار التي يريدونهاـ إنقاذًا لاقتصاد روسيا الذي أصبح في وضع لا يحسد عليه بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. وهناك من يرى في الاستثناءات الأميركية التي ظهرت أخيرًا عبر قرار الخزينة الأميركية، باستثناء بعض المناطق في شمال شرق، وشمال غرب سوريا من محددات قانون قيصر، أنها بمثابة تلويح مبدئي للروس بأن الأميركان يمكنهم إعطاء بعض الاستثناءات فيما لو وجدوا تنازلات روسية ما، سواء فيما يتعلق في الوضع الأوكراني، أو ما يرتبط بشكل مباشر بالوجود الروسي في الجغرافيا السورية، بعد أن شهدت سوريا مؤخرًا الكثير من الانسحابات وإعادة الانتشار الروسي لقواتها في الجغرافيا السورية. ومن ثم حلت مكانها ميليشيات إيرانية.
أمام هذا الوضع المستعصي حتى الآن وإصرار الروس على إعادة إنتاج الفيتو المتاح لهم في الأمم المتحدة لمنع إصدار القرار الأممي في تجديد وصول المساعدات الإنسانية المهمة جدًا لحيوات الناس في الشمال السوري، أمام هذا المآل الصعب ما هي البدائل الممكنة لدى الإدارة الأميركية والغرب، من أجل الالتفاف على ذلك الفيتو؟ فيما لو حصل، ويبدو أنه سيحصل:
- البديل الأول يكمن في استمرار تدفق المساعدات، لكن ليس عبر باب الهوى وليس عبر الآلية الأممية المباشرة بقافلاتها المعلنة والكبيرة، والتي تتدفق تحت عَلَم الأمم المتحدة، بل من خلال تحويل هذه المساعدات الأممية وتوزيعها على عدد من المنظمات الإقليمية والدولية ذات الطابع الإنساني والتي يشهد لها بالعمل الجدي المنضبط، والموثوق بها أميركيًا، لتقوم بالمهمة نيابة عن الأمم المتحدة وبحماية أميركية مباشرة.
- البديل الثاني يمكن أن يكون عبر الدولة التركية وهيئاتها، وهي التي لها الوجود الفاعل في معظم الشمال السوري، كما لها علاقات متواصلة وجيدة مع الاتحاد الروسي، ومن ثم فإن الدولة التركية وعبر تفاهمات ما مع الروس يمكنها إنجاز ذلك دون العودة إلى قرارات أممية دولية، علاوة على أنها تستضيف على أراضيها ما ينوف على ثلاثة ملايين ونصف من السوريين الذين يحتاج الكثير منهم إلى مثل هذه المساعدات الإنسانية. ويُعتقد أن من مصلحة روسيا في هذه الفترة أن تسترضي تركيا، التي ما زال موقفها من الحرب الروسية في أوكرانيا متوازنًا، وينحو باتجاه إنتاج الحل السلمي بين الأوكران والروس، حيث استضافت العديد من المباحثات الثنائية بهذا المنحى بين الطرفين.
- البديل الثالث إعادة فتح معبر بين المناطق التي تسيطر عليها “قسد” المدعومة أميركيًا وبين العراق في الشمال العراقي، أي عبر إقليم كردستان العراق. ويمكن أن يكون ذلك بحماية أميركية معلنة، كما كانت تحمي باستمرار تدفق السلاح الأميركي عبر ذاك المعبر الشمالي باتجاه مناطق قسد دعمًا ورعاية لقسد. لكن هذا البديل قد لا توافق عليه الدولة التركية، وهي التي أبدت عدم ارتياحها مؤخرًا للاستثناءات الأميركية من قانون قيصر الذي مُنح في جزء منه لمناطق سيطرة قسد، المصنفة إرهابية من قبل الأتراك والجيش الوطني السوري.
ضمن هذه المعطيات والبدائل المطروحة أو التي يمكن أن تكون، تجدر الإشارة إلى أن شريان الحياة بالنسبة للسوريين في الشمال السوري، وضمن ظروف الفاقة والعيش الصعب، بات يتعلق ويتمثل في إيجاد البدائل، أيُّ بدائل لاختراق الفيتو الروسي المتوقع والمحتمل، لأن أوضاع الناس في الشمال السوري، وبعد أن تجاوز خط الفقر المدقع هناك ما ينوف على 90 في المئة من السوريين، لم تعد تحتمل الكثير من العثرات والمنع لإدخال هذه المساعدات، التي تتبوأ مكانتها المهمة لدى الشريحة الأكبر من السوريين في الشمال السوري، بل في معظم الجغرافيا السورية.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا