فيصل عكلة
الأخبار المتواترة والتي ينقلها المفرج عنهم سابقًا وضمن الفترة الأخيرة تتحدث عن هول التعذيب الذي يلقاه المعتقلون في زنازين الأسد، وتوحي بأن الموت هو مصير كل من دخل تلك المعتقلات، والبعض من أهالي المعتقلين حصلوا على شهادة وفاة أبنائهم من سلطات السجون وقد دُّون فيها أن الموت كان بسبب احتشاء العضلة القلبية!
أم عبد الحميد قالت إنها أمضت شهورًا تجوب أرجاء العاصمة تسأل عن ابنها المغيب في السجون وتدفع الآلاف للوساطات وبعد جهد طويل طلبوا منها مراجعة مشفى تشرين لتستلم هويته وتقريرًا يفيد بموته منذ سنوات بسبب الجلطة!
وتضيف أم عبد الحميد أنها لم تقتنع برواية النظام لأنه مشهود له بالكذب وأنها إن لم تشاهد جثمان ابنها أمام عينها لن تقطع الأمل من عودته يومًا.
وفاء تبلغ من العمر ٢٢ عامًا وتسكن أحد المخيمات القريبة من مدينة سرمدا الحدودية وتعيش مع طفلها الوحيد في خيمة مجاورة لأهلها بعد غياب زوجها منذ عام ٢٠١٤ حيث كان في طريقه إلى حماه لقبض راتبه، ولم تعرف عنه أي خبر ومع ذلك تؤكد وفاء: رغم ضغوط الحياة ونظرة المجتمع للمرأة الوحيدة إلا أنني لا أفكر بترك ابني وسأبقى معه على أمل عودة أبيه يومًا ما، قد تكون معاناتي كبيرة ولكن ترك ابني والزواج خطوة أخشاها وأظن أنها مستحيلة!
أم حسن اضطرت لترك أولادها الأربعة عند بيت جدهم من أبيهم بعد توارد الأنباء عن وفاة زوجها في المعتقل وتزوجت من أحد المهجرين وعللت ذلك بسبب الضغوط المادية وتخلي الأهل عن الوقوف إلى جانبها.
الشبكة السورية لحقوق الإنسان تحدثت عن مئات الآلاف من المعتقلين، دون معرفة الأعداد الحقيقية لتعمد نظام الأسد إخفاء الحقيقة وتبقى مصادر الإحصاء ممن يفرج عنه من السجون، وقد تخفى المعلومات أيضًا بسبب عدم رغبة ذويهم التصريح عن أسمائهم، خوفًا من أن يعرضهم ذلك للخطر والتعذيب.
ظروف اقتصادية واجتماعية سيئة يعيشها أهل المعتقلين بسبب غياب المعيل إضافة إلى غلاء الأسعار وتراجع صرف العملة وغالبًا ما يصعب على أهل المعتقل تحمّل نفقة زوجته وأولاده، مما يضطرها إلى العمل لتعيل أولادها، ولتقف بعض زوجات المعتقلين مليًا أمام عروض الزواج قبل اتخاذ القرار كونها مازالت على ذمة رجل آخر، وما يجعلها تتردد عن الفكرة أيضًا نظرة المجتمع الذي يعيب عليها تفكيرها بالتفريق، في حين يعاني زوجها آلام السجن.
إشراق سألت الشيخ أسامة النجار عن الحكم الشرعي في هذه الحالة فأجاب: الآراء الفقهية متعددة حول التفريق إثر غياب الزوج، والاختلاف في الآراء جاء نتيجة عدم وجود نصّ في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف يبتّ بالقضية، إذ اقتصرت الفتاوى حولها على الاجتهادات، والتي أخذت شكل الإجماع في قرار “المجمع الفقهي الإسلامي” التابع لرابطة العالم الإسلامي، الذي أكّد أنه يحق للزوجة طلب التفريق بعد مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن أربع سنوات ويترك للقاضي تحديد المدة من تاريخ فقده، ويراعي ظروف كل حالة.
من الحوادث المؤلمة التي فوجئ بها بعض المفرج عنهم زواج زوجاتهم بعد أن تأكدن من وفاتهم عبر الوثائق الرسمية، الأمر الذي أصاب المفرج عنهم بالإحباط والنظرة السوداوية للمجتمع، وتمنوّا العودة إلى غياهب السجون التي ذاقوا فيها الويلات عن البقاء في مجتمع تنكر لهم وطعنهم بالظهر حسب اعتقادهم!
المحامي عبد الحميد الخلف قال: إن مشكلة طلاق زوجات المعتقلين ليست المشكلة الوحيدة التي تواجه عائلات المعتقلين بل يضاف إليها الكثير من مشكلات حصر الإرث وتوزيع الميراث المعلق بسبب عدم التأكد من وفاة المعتقل مما يسبب كثيرًا من الخلافات بين الورثة والتي تصل في بعض الأحيان إلى المحاكم.
منظمات الإغاثة والجمعيات المختصة بشؤون المرأة في الأراضي السورية المحررة، تحاول مساعدة نساء المعتقلين وتعتبرهم كعائلات اليتامى، وقد فتحت لهن مخيمات ( الأرامل )، وتقدم لهن السكن والمساعدات ولكن تفصل عنهن أبناءهن الذكور فور بلوغهم سن ١٢ سنة.
الكثير من نساء المعتقلين أرغمتهن الظروف على الزواج على عجل ممن يكبرهن سنًا أوممن وضعه المادي سيئ ولسان حالهن يقول ( خرجنا من تحت الدلف لتحت المزراب)، الأمر الذي يجبرهن على الإنفصال من جديد، إضافة إلى صعوبة اصطحاب أبنائها معها لرفض الزوج الجديد واعتراض أهل الأولاد لتبقى مشاعر تلك النسوة المظلومات ممزقة بين الأولاد والزوج الغائب وضغوط الحياة القاسية.
المصدر: اشراق