ما يجري تداوله من أن هناك إمكانية لحرب كبيرة قد تقع بين اسرائيل وإيران على الأراضي السورية، بات أمرًا ملفتًا، ويستدعي الكثير من القراءات والتحاليل، خاصة بعد مجمل التصريحات الإسرائيلية التهديدية للنظام السوري وإيران. والتي كان آخرها ما صرح به وزير الطاقة الإسرائيلي من أن أي ضربة إيرانية لإسرائيل سيكون نتيجتها استهداف بشار الأسد شخصيًا، وهو أمر يبدو أنه أضحى من الجدية بمكان، بعد أن كلفت إيران حسن نصر الله للرد والتهديد والوعيد، وإيران عادة ما تكون حروبها بالوكالة، وفي أراضي سواها، حيث أن الإيرانيين لن يكونوا من السذاجة بمكان ليدخلوا الحرب التي لا يريدون، وليس لهم مصلحة فيها.
في هذا الشأن وضمن سياقاته كان لجيرون أن سألت بعض الباحثين والكتاب، وكذلك المعارضين السوريين، حول هل يمكن أن يشير ذلك إلى احتمالات جدية لهذه الحرب؟ وماذا يمكن أن ينتج عنها من تغيرات في الواقع السوري؟ وهل يمكن أن تخرج عن كونها حربًا على الأراضي السورية فقط؟
الباحث السوري سليمان الشمر قال لجيرون ” أعتقد أن أسباب الحرب متوفرة عند هذه العتبة من الصراع الدولي والاقليمي على سورية، فإسرائيل لا يمكن أن تسمح بوجود إيراني راسخ بالقرب من حدودها وإيران بحاجة لتدعيم هذا الوجود ومستعدة للدفاع عنه لكن ثمة معيقات أمام هذه الحرب، لأن اسرائيل لا تستطيع المغامرة بحرب دون ضمان موافقة وغطاء أميركي لتقليص خسائرها، وإيران لا تريد المغامرة بحرب مباشرة وليس عندها من ضمانة أن تبقى الحرب إن نشبت في إطار حرب بالوكالة”. وأضاف الشمر أيضًا ” وإسرائيل لا تستطيع الصمود في حرب لا تشارك فيها أميركا أو حلفاء آخرون لإسرائيل. بكل الأحوال بعد 12 أيار موعد قرار ترامب بشأن الاتفاق النووي قد تتضح مسارات الصراع، لأن المرجح حتى الآن أن روسيا ليست في وارد الضغط على إيران لتخفيف وجودها العسكري في سورية دون ثمن محرز، كما أن النظام ليس في وارد فك علاقته بإيران في هذه المرحلة حتى لو فرضنا أنه قادر على ذلك.”
الكاتب السوري الفلسطيني أحمد كامل أكد لجيرون أن ” الحرب الايرانية الاسرائيلية قائمة منذ 6 سنوات، وحزب الله وايران ووجودهم في سوريا كان بموافقة إسرائيل، وطبعًا أميركا، وهذا الوجود مسموح به فقط لقمع ثورة الشعب السوري، ورغبته بالتحرر وكلما زاد الوجود الايراني ووجود حزب الله، وهما شيئًا واحدًا عن الحد المسموح به، أي عن الحد الضروري لقمع الثورة السورية كانت اسرائيل تقصف بدون تردد، حيث قصفت واغتالت من جماعة حزب الله في سورية عشرات المرات، وفي الهجوم على التيفور مؤخرًا وهو الهجوم (نظريًا) الأول على الإيرانيين، ولكن الحقيقة أن هناك هجمات راح فيها ايرانيين في مواقع مختلطة، ايرانية وغير ايرانية وقد حصل منها الكثير” ثم تحدث عن حزب الله بقوله ” وإذا أردنا اعتبار حزب الله تابع لإيران وهو كذلك، تابع كليًا لإيران، ولا يختلف عنها، ولا عن سياستها ولا بمقدار شعرة، فالضربات كثيرة. الضربات الاسرائيلية على حزب الله وعلى الوجود الايراني وخاصة على حزب الله زادت بنسبة
كبيرة جدًا، بمعدل خمس أو ست أضعاف أو أكثر، ولا يمر أسبوعين إلا وهناك ضربة من هذا النوع على مواقع حزب الله، بينما كانت تحصل مرة كل خمس أو ست أشهر، الحرب معلنة على حزب الله وعلى الوجود الإيراني، لكنها تسارعت كثيرًا مؤخرًا، وهي يمكن أن تتسارع أكثر ويمكن أن تصبح حربًا مفتوحة، لأن الايراني يتصرف بطريقة تتجاوز المطلوب، تتجاوز عملية قمع الشعب السوري، والاسرائيليين اطمأنوا من أن سقوط النظام لم يعد واردًا الآن، لخروج المقاتلين من محيط دمشق، فالمهمة الأساسية التي سمح لحزب الله ولايران عبرها بدخول سورية بالنسبة للإسرائيليين ، أنجز الجزء الكبير منها، فالوجود الايراني في سورية اذا زاد عن هذا الحد وهو الآن في طوره، لأن يزيد عن الحد المسموح به اسرائيليًا وأميركيًا، وهو ضرب ثورة الشعب السوري، فسوف تكون هناك مواجهة أكبر ما بين إيران وحزب الله، وما بين الإسرائيليين، وهي توقعات لها ما يبررها، لأن عملية ضرب الثورة السورية أنجزت مهام كثيرة، ولأن الايراني في سعيه لإثبات وجوده في نصف الأراضي السورية التي يتقاسمها مع الروسي، يسعى لأن يكون وكأنه قوة إقليمية، وهذا لا تحبه اسرائيل أبدًا ولا توافق عليه وربما تواجهه، لأنه يشكل الخطر عليها”. وأضاف كامل ” التمدد الايراني أ ي أن تصبح إيران قوة اقليمية ممتدة من حدود أفغانستان إلى البحر المتوسط، يعتبر كثيرًا بالنسبة للإسرائيليين، وبالنسبة للأميركيين وسيضربونهم وهم قادرون على ذلك.”
لكنه أردف قائلًا ” الرئيس ترامب في سعيه لتقليم أظافر ايران وإشغال الرأي العام الأميركي عن مشاكله الداخلية قد يختار سورية لتكون المكان المناسب لضرب ايران، لأنه مكان مكشوف بالنسبة للإيرانيين، وخاصرة سهلة ومافيها كثير، الطريق السهل ربما يكون في سورية إذا أراد الرئيس الأميركي، ولدي معلومات من فرنسا ومن أوساط سياسية فرنسية تقول بأن الرئيس الأميركي سوف يلغي الاتفاق النووي الإيراني، أو يعدله تعديلًا جذريًا، وهذا بحاجة إلى غطاء عسكري، وهي حرب تشنها اسرائيل على الوجود الايراني في سورية، تخرجها من سورية، من أجل أنه وإن عاد الايراني إلى طاولة المفاوضات على اتفاق نووي، يكون مقصوص الجناحين” ثم اكد أن ” مواجهة ايرانية اسرائيلية تفيد الشعب السوري طبعًا لأن الطرفين عدوين، وكل ما حصل في سورية، كان بموافقة اسرائيلية وكل أنهار الدماء كانت بموافقة اسرائيلية وبالتالي اسرائيل بالنسبة للشعب السوري عدو كامل، عدو يحتل الأرض في الجولان ويترك سورية نهبًا لكل وحوش العالم، فإسرائيل عدو وايران عدو في غاية الخطورة، لأنها تفتت المنطقة العربية وتفتت المجتمع السوري، وفتت الدولة السورية، وسيطرت على جزء هام منها”. وعن كون الحرب على الأراضي السورية قال ” عشرات الضربات ضد حزب الله والايرانيين والنظام في سورية لم تتطلب تدخلًا أرضيًا وفي كثير من الأحيان لم تتطلب حتى دخول إلى الأراضي السورية، حيث يتم القصف من خارج الأراضي السورية وتصيب أهداف عسكرية لحزب الله والنظام وإيران حتى أن السوريين لا يشعرون بأن مثل هذه الحرب ما بين حزب الله وإيران من جانب واسرائيل من جانب آخر وليس لديهم شعور أنه يمكن أن تسبب للسوريين خسائر
وأخطار أكثر مما يرونه الآن، وإيران هي عمود للاستبداد في سورية وأي ضربة توجه لهذا العمود سيرحب السوريين بها”.
أما المعارض السوري محمد صالح المسالمة فله رأي مختلف حيث يقول لجيرون ” كل ما يجري على الأرض السورية حاليًا هو بالضرورة من تنظيم وترتيب الاتفاقات الدولية، ولن تتم أي حرب حاليًا بين إيران وإسرائيل، وما يجري هو عبارة عن ضربات محدودة، وهي ضربات تعتبر عمليات تنبيهية لعدم تجاوز الاتفاقات السرية، وإن كل طرف يرعى مصالحه، ولن يسمح لأي طرف بالاقتراب منها، ولعل التغيرات تشير إلى قرب انتهاء حل المسألة برمتها”.
أما الباحث السوري جورج كتن فقال ” برأيي افتتح بالغارات الاسرائيلية على مواقع للنظام الايراني بغارات جوية اسرائيلية كون اسرائيل تخشى تمركز قوات ايرانية على الاراضي السورية لما يشكله من خطر على دولة اسرائيل .. لقد سبق ان خاضت اسرائيل حربا ضد حزب الله في لبنان 2006 وغارات قبل وبعد ذلك غارات متلاحقة .. حزب الله عمليا يخوض الصراع معها بالوكالة عن ايران ولكنه بعد 2006 توقف عن المواجهة معها .. قدراته غير كافية لذلك .. برأيي ايران لا تريد حربا مع اسرائيل على الاقل حاليا .. هدفها الرئيسي حاليا تثبيت النظام السوري .. لن تفتح حربا مع اسرائيل طالما الحرب السورية لم تنته .. بعد ذلك الاحتمال وارد بالنسبة لايران ولكنه احتمال ضعيف .. على اية حال ذلك يتوقف على امور كثيرة ايرانية واقليمية ودولية .. رغم ان نية القيادة الايرانية هو تحقيق حلم الخميني بال”قضاء” على اسرائيل !! لكن حماقتهم هذه يتم التعبير عنها كلاميا للكسب الشعبوي العربي خاصة وهم اكثر براغماتية من ان ينجروا لمثل هذه الفكرة الجنونية .. هم الآن يواجهون بالوكالة حزب الله وكيلهم في لبنان الحوثيون في اليمن ميليشيات شيعية في العراق .. لم يعودوا بحاجة لمواجهة مباشرة كما حدث في الحرب العراقية الايرانية التي فرضت عليهم في الثمانينيات .. وسيستمروا في ذلك طالما لم تفرض عليهم حرب مباشرة مثل هجوم واسع على ايران نفسها .. هل ستفرض عليهم اسرائيل ذلك? لا اظن فهي ستكتفي برأيي بما تقوم به من ضربات ولن توسعها الى حرب شاملة في سوريا الا في حالة ان ايران فكرت بعد استتباب الامر للنظام بفتح جبهة الجولان بتسلل ميليشياتها للقيام بعمليات داخل اسرائيل .. وهذا برأيي مستبعد في
الظرف الحالي .. وضعيف الاحتمال حتى في المرحلة القادمة .. وهكذا ان جميع الاحتمالات ترجح عدم الانتقال لحرب شاملة بين البلدين والاقتصار على المستوى الحالي من الصراع ومنع تصعيده من الطرفين .. فضلا عن ان روسيا شبه المهيمنة في الوضع السوري الراهن – وليس ايران- لن تسمح بتصعيده فيما لو فكرت ايران بذلك … وهناك تنسيق بين روسيا واسرائيل يعمل وسيظل يعمل مستقبلا لمنع التصعيد “.
الباحث محمد مشارقة أكد لنا قائلاً ” لا اعتقد ان اسرائيل ستتصرف خارج المقاربة الامريكية في الوضع السوري ؛ الذي يتحمل أيضا تبعات اَي مغامرة عسكرية في الإقليم ، وحتى اللحظة لا تبدو الاستراتيجية الامريكية في سوريا انها على تضاد مع التصورات الروسية الإيرانية ؛ واكدت الضربات الجوية على منشآت ومختبرات قيل انها لتصنيع الكيماوي ، ان واشنطن لا تستهدف تغيير النظام خارج التوافق الدولي ولا تغييرا على قواعد اللعبة ؛ ولا أضعاف اَي من حلفاء النظام ؛ وإنما اعادة موسكو الى المسار السياسي الذي دشّنته قرارات الامم المتحدة ذات الصِّلة ، وجنيف كمنصة وحيدة لمفاوضات الانتقالي . وبالتالي وضع حد للتلاعب والمناورات الروسية لتحويل آستانة الى مسار سياسي بديل. أما وقد أدت الضربة العسكرية رسالتها السياسية ، وكشفت هشاشة الموقف العسكري والسياسي للنظام وحلفائه ، فان مصلحة دمشق وطهران تتمثل في الحفاظ على التهدئة ، خاصة بعد النجاح الذي تحقق في الغوطة الشرقية وحزام العاصمة دون اعتراض أمريكي ، وأي ردود فعل غير محسوبة تجاه اسرائيل ستكون كلفته عالية .وفي تقديري انه وحتى بدء الحلول النهائية للقضية السورية فان شوطا طويلا قد يستمر لتثبيت خرائط خطوط التماس بين مناطق النفوذ على الارض، قبل ان يبدأ الصراع الجدي وبأدوات عسكرية اذا اقتضى الامر . لهذه الأسباب لا أرجح تصعيدا اسرائيليا ايرانيا على الارض السورية”.
المصدر : جيرون