أحمد طه
بدأ حافظ الأسد مسيرة حياته نحو الحكم بالتخلص من رفاق دربه اغتيالًا أو اعتقالًا حتى نهاية أجلهم، هذا ما حدث مع كل من صلاح جديد ومحمد عمران أحمد المير وعبد الكريم الجندي الذين شكل معهم اللجنة العسكرية المصغرة (المقربين)، هكذا كانت مقاربة وفهم الأسد للحكم والسلطة فهو القائد الأوحد، والباقي – مهما علا شأنهم – هم جند لتنفيذ إرادة هذا القائد، قد يقتلون لمجرد انتهاء مهمتهم بهذا الأسلوب الذي بدأ فيها حكمه، ظل مرافقاً له طيلة حياته، في سبيل الحفاظ على الكرسي والتفرد به والأهم من ذلك ليضمن عدم خيانته من أحد أتباعه الذين صنعهم، كما فعل هو مع من صنعوه، في طريقة حكم أقرب لحكم عصابة المافيا منها إلى حكم الدولة أو كما سماها ميشيل سورا “الدولة المتوحشة”.
وانسجامًا مع حالة العصابة الحاكمة تبنى الحزب في مؤتمره القطري عام 1971 شعار “قائد المسيرة”، ثم بعد ذلك أصبح شعار “إلى الأبد” شعاراً ذا طابع قدسي يردد في القطعات العسكرية صباح مساء، وحتى في المدارس كل صباح، حيث يردد أطفال في سن السادسة والسابعة من أعمارهم ” قائدنا الى الأبد.الأمين حافظ الأسد” وكأنه يقول سأملك مستقبلكم كما ملكت حاضركم.
في السطور القادمة سأحاول وبعجالة فحص هذا الشعار الذي أريد له أن يأخذ طابع الأبدية.
من الناحية الفيزيائية مات حافظ الأسد يوم 10 حزيران/يونيو 2000، بعد حكم استمر ما يقارب الثلاثين عاماً، حوّل خلالها سورية الدولة إلى سورية المزرعة المرتبطة باسم صاحبها، فكما نقول مزرعة فلان، كانت عبارة “سورية الأسد ” جملة مشهورة جداً تكتب على اللافتات كما على الجدران.
لكن تعديل المادة 83 من الدستور المتعلقة بسن المرشح لرئاسة الجمهورية في 11 حزيران/يونيو أي بعد يوم واحد من موت الأب، بحيث تصبح على مقاس الوريث، حيث تم تخفيضها لتصبح 34 سنة، ثم تعيين بشار الأسد في 12 حزيران/يونيو قائداً أعلى للجيش والقوات المسلحة متجاوزاً كل الرتب العسكرية التي تسبقه، ثم ” انتخاب ” بشار الأسد أميناً قطريًا لحزب البعث في 17 حزيران/يونيو، كلها كانت مؤشرات تدل على أنه بالرغم من الفرح الصامت حينًا والخائف أحياناً أخرى لغالبية السوريين بالموت الفيزيائي للأب إلا أن الدولة العميقة أو بتعبير أصح العصابة العميقة التي أسسها هي التي ستحكم في قادم الأيام. وكثيرًا ما كانت تسمع عبارة ” ما زال الأب يحكم من قبره”
ربما تكفي السنوات العشر الأخيرة للدلالة على أن نهج الأسد الأب مازال هو الذي يحكم سورية، يقول المثل الشعبي “الولد سر أبيه” لهذا السبب عمل الوريث بنفس طريقة المورّث، وكما بدأ الأب بما أسماه نهجاً للتصحيح والعمل الجبهوي كذلك فعل الابن بتبني مسيرة الإصلاح ومكافحة الفساد، وكما تخلص الأب من رفاق الأمس، كذلك قلده الابن بادئاً بغازي كنعان مرورًا برستم غزالة وليس انتهاءاً بقرار إعدام أمجد يوسف أو انتحاره.
وبنفس الطريقة التي دمر فيها مدينة حماة والإعدامات الجماعية في حلب ومجزرة جسر الشغور، كذلك فعل الابن وفي سورية كلها هذه المرة متكئاً إلى توازنات إقليمية ودولية كان قد مهد لها بل وصنعها الأب سابقاً، وكما اشتهرت سابقًا ” سورية الأسد” أصبحت وبشكل أكثر فجاجة واستهتاراً ” الأسد أو نحرق البلد “.
الكارثة الكبرى أن عدوى نهج الأسد لم تكن مختصة بالجيش وقوات الأمن وحزب البعث وكافة المؤسسات الموالية للنظام، انتقل هذا النهج بطريقة أو أخرى لصف الطرف المفروض أنه معارض لنظام الأسد بعد 2011، ليس عليك إلا أن تتبع انتخابات الائتلاف وتبادل المقاعد فيه، أو ترى السجون التي دشنتها الفصائل العسكرية، وطرق الاعتقال والتحقيق، أن الأسد لم يمت في 10 حزيران/يونيو 2000 وعلى قولة إخوتنا المصريين ” يا فرحة ما كملتش “.
مع اقتناعي الكامل بأنه لا مطلق ولا أزلي إلا الله وأن الأبدية هي صفة خاصة بالإله وحده، إلا أن ما زرعه الأسدين على مدى أكثر من 50 عامًا، سيتطلب منا أجيالاً إلى أن يموت إرث الأسد ونهج الأسد.
المصدر: اشراق