سونيا العلي
تلجأ الستينية أم محمود النازحة من مدينة معرة النعمان إلى مخيم كللي بريف إدلب الشمالي للجلوس تحت ظلال أشجار الزيتون القريبة من المخيم، للهرب من حرارة الخيمة التي تأخذ عليها أنفاسها، وعن معاناتها تتحدث لإشراق بالقول: “نزحت مع زوجي وابنتي المعاقة إلى هذا المخيم نهاية عام 2019، ونعاني في هذا المخيم من ظروف سيئة للغاية جراء حر الصيف الذي لا يحتمل، والسكن في خيام مهترئة لا تحمينا من لهيب أشعة الشمس، ولا تصمد أمام العواصف الغبارية.” وتضيف أم محمود بصوت حزين: “يحاصرنا الموت في كل مكان، ولانعرف متى ستنتهي رحلة النزوح القاسية التي نعيش ويلاتها كل يوم .”
يعاني النازحون في مخيمات إدلب من حر الصيف تزامناً مع شح الخدمات من مياه وكهرباء، وانتشار الزواحف والحشرات المسببة للأوبئة والأمراض، التي تصيب الأطفال وكبار السن بشكل خاص، دون أن يجدوا من يلتفت إلى احتياجاتهم ويعينهم على حياة النزوح، وأمام هذه المعاناة يتبع النازحون طرق بدائية بهدف الصمود أمام أشعة الشمس الحارقة، التي زاد من حدتها افتقار المخيمات للأدوات المناسبة لمواجهتها.
سعاد المصطفى (33 عاماً) نازحة من مدينة خان شيخون إلى مخيم في قرية كفرعروق شمال إدلب، أم لأربعة أبناء، تعاني من قلة المياه النظيفة تزامناً مع ارتفاع درجات الحرارة، ما يضطرها لنقلها من مسافات بعيدة إلى خيمتها للقيام بواجبات المنزل، أو شرائها على نفقتها الخاصة، وعن ذلك تقول: “نعيش في جحيم حقيقي، وكثيراً ما يصاب أطفالي بالإسهال والجفاف ونوبات الحمى والأمراض الجلدية، علماً أننا لا نملك أي حلول أو خيارات سوى تبليل ملابس الأطفال لحمايتهم من الحر، وشراء قوالب الثلج رغم غلاء أسعاره ومصدره المجهول بهدف تبريد مياه الشرب .”
كما تعاني أسرة المصطفى من سرعة فساد الطعام بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وعدم وجود ثلاجات لحفظ الطعام .
وتناشد المصطفى المنظمات للتدخل العاجل، وتقديم المياه النظيفة والمساعدات الإنسانية، والعمل على تأمين عودة النازحين إلى مدنهم وبلداتهم بشكل نهائي، ووضع حد لمعاناتهم التي تتجدد كل عام .
من جانبه محمد السعود (45 عاماً)نزح من قرية بابيلا بريف إدلب الجنوبي إلى مخيم على أطراف مدينة سرمدا الحدودية مع تركيا، يعاني مع بقية النازحين من انعدام خدمات الصرف الصحي، وانتشار القمامة والروائح الكريهة، وعن ذلك يقول: “يكثر الذباب والبعوض خلال فصل الصيف بسبب سوء الخدمات، مما يؤثر على صحة أطفالنا، ويهدد بانتشار الأمراض المعدية .”
ويلفت السعود أن طفله البالغ من العمر خمس سنوات تعرض للدغة عقرب تم العثور عليها داخل الخيمة، فقام بإسعافه إلى مشفى في مدينة سرمدا لتلقي العلاج.
ويؤكد على ضرورة تنفيذ مشاريع الصرف الصحي، وتأمين خيام جديدة بدل القديمة، مع توفير عوازل للحفاظ على اعتدال درجات الحرارة داخل الخيمة، مع رش المخيمات بالمبيدات، وترحيل القمامة بشكل يومي .
ومنذ بداية فصل الصيف حذر فريق “منسقو استجابة سورية” من ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة، والضغوطات الكبيرة على النازحين في المخيمات، وزيادة المخاوف من توسع رقعة الحرائق في المخيمات، واحتمالية زيادة الأمراض الجلدية نتيجة استخدام المياه الملوثة وانعدام خدمات الصرف الصحي، مع تذكير المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة بواقع المياه في مخيمات النازحين التي يقطنها أكثر من مليون ونصف من النازحين، حيث تشكل المخيمات المنتظمة التي يعاني قاطنوها من صعوبة تأمين احتياجاتهم اليومية من المياه مانسبته 55% من إجمالي تلك المخيمات، فيما تشكل المخيمات العشوائية التي تعاني من مسألة تأمين احتياجاتها اليومية من المياه ما نسبته 85% من إجمالي تلك المخيمات، أما عدد المخيمات المحرومة من الحصول على المياه النظيفة والمعقمة فقد بلغ 590 مخيماً، وسط احتمالية زيادة الأعداد في حال توقف مشاريع المياه عن مخيمات جديدة.
وأشار الفريق أن العائلات النازحة في المخيمات تنفق ما يقارب 20% من إجمالي دخلها على المياه في فصل الشتاء، وترتفع النسبة إلى 33% في فصل الصيف.
أما على صعيد الصرف الصحي فتعاني 78% من المخيمات من انعدام الصرف الصحي، مؤكداً أيضاً على زيادة نسبة انتشار الأمراض الجلدية، حيث سجل أكثر من 18% من إجمالي المخيمات تحوي بين سكانها على مصابين بأمراض جلدية .
وناشد الفريق المنظمات الإنسانية العاملة في الشمال السوري العمل على تأمين المياه الصالحة للشرب للنازحين، منعاً لانتشار الأمراض والأوبئة ضمن المخيمات .
المصدر: اشراق