عقيل حسين
رغم انتهاء الدورة الانتخابية لمكاتب مؤسسة “الائتلاف الوطني السوري” المعارض، إلا أنه لم يتم الاتفاق حتى الآن على الآلية التي سيتم اعتمادها من أجل التعامل مع هذا الاستحقاق، حيث يسود انقسام بين فريق يطالب بالانتخابات، وآخر يصر على التمديد، ولكل منهما تفسيره للنص القانوني.
ويوم الخميس تم التوافق بشكل رسمي على تأجيل البت في هذا الخلاف حتى مطلع الشهر المقبل، على أن يكون للهيئة العامة القرار النهائي بناء على مقترح تقدمه لها الهيئة السياسية.
ورغم أن النظام الداخلي الجديد للائتلاف الذي تم إقراره في نيسان/ابريل 2022، ينص على أنه يطبق اعتباراً من تاريخ اقراره، ما يعني، حسب أصحاب هذه القراءة، أن الدورة الانتخابية الحالية تنتهي في حزيران/يونيو 2023، إلا أن أعضاء ومسؤولين في الائتلاف يقولون إن المكاتب تخضع للنظام الذي تم انتخاب المسؤولين عنها على أساسه، وهو النظام الداخلي القديم، وعليه يجب أن تجري انتخابات جديدة وفق النظام الجديد حالياً.
اجتهادات مصلحية
اللافت، حسب مصادر “المدن”، أن بين الداعين لإجراء انتخابات جديدة رئيس الائتلاف سالم المسلط، على الرغم من أن الاجتهاد الآخر يصب في صالحه، إذ سيغنيه نظرياً عن الدخول في معمعة انتخابية جديدة. لكن من الناحية العملية، وبحكم أنه مطمئن إلى عدم وجود منافس له، فإن إجراء انتخابات سيمنحه ولاية جديدة لمدة عامين بدل التمديد لعام واحد.
ورغم أن هذا الخيار يناسب توجهات كتل داعمة للمسلط تعتقد أنها ستتمكن من تحقيق مكاسب فيها تعزز من موقعها وتأثيرها داخل الائتلاف، وخاصة كتلة المجلس التركماني والعشائر والاكراد المنافسين للمجلس الوطني، إلا أن تضرر شخصيات وكتل حليفة للرئيس في حال اعتماد هذا الخيار جعل الموقف معقداً.
وفي حال أقر عدم التمديد فإن اثنين من نواب الرئيس هما عبد الحكيم بشار وربى حبوش لن يتمكنا من الترشح مجدداً بسبب استنفادهما الدورتين اللتين لا يحق لهما الترشح بعدها، بالإضافة إلى خسارة كتلة العسكر تمثيلها القوي داخل الهيئة السياسية، ما يجعل هؤلاء إلى جانب كتل أخرى، متمسكين بخيار التمديد.
الموقف التركي
مصدر في الائتلاف قال لـ”المدن” إنه لم يتم حتى الآن حسم هذا الخلاف، وأنه تم منح الهيئة السياسية مهلة حتى الخامس من آب/أغسطس 2022 من أجل تقديم مقترحها إلى الهيئة العامة بهذا الخصوص.
المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أكد وجود خلافات قوية بين بعض الكتل والشخصيات ما منع التوصل إلى قرار قبل انتهاء الفترة الانتخابية الحالية في الثالث عشر من تموز/يوليو الجاري، وأنه مع تفضيل الجانب التركي عدم التدخل حتى الآن في هذه المسألة فإن الخلافات على الأغلب ستستمر ولن تحسم بسهولة.
وحسب المصدر، فقد أبلغ المسؤولون عن الملف السوري في الحكومة التركية الائتلاف أن أنقرة لن تتدخل في حسم هذا الملف لكنها تفضل أن يكون القرار مراعياً للرأي العام وتوجهاته، ما يعني تأييداً ضمنياً للانتخابات.
لكن المصدر أكد أن هناك عوامل لوجستية وأخرى إجرائية قد تدفع إلى تبني خيار التمديد، وعلى رأس هذه العوامل وجود عدد غير قليل من الأعضاء الجدد في الائتلاف ممن التحقوا بالمؤسسة خلال الأشهر القليلة الماضية التي أعقبت (الإصلاحات)، وأن هؤلاء يحتاجون إلى وقت اضافي للتأقلم والتعرف على بقية الزملاء بشكل أكبر، ناهيك عن الخشية من أن تؤدي الانتخابات إلى تفجر خلافات وانقسامات جديدة، المؤسسة بغنى عنها.
لا تغيير
ورأى الصحافي السوري غسان ياسين أنه في كلا الحالتين لن يحدث تغيير مهم في الائتلاف، لا على صعيد هيكليته ولا على صعيد سياساته. وقال في تصريح لـ”المدن”: “أعتقد أن التأثير الوحيد الذي قد يترتب على القرار الذي سيتخذ بهذا الخصوص سيكون على صعيد ضبط العلاقة بين الائتلاف من جهة، وبين هيئة التفاوض واللجنة الدستورية من جهة أخرى، إذ توجد حالة من التذمر لدى البعض من الاستقلالية التي يرون أنه مبالغ فيها ويمارسها رئيس وفد المعارضة إلى اللجنة الدستورية، هادي البحرة، ويعتقد هؤلاء أن ما سينتج عن قرار الهيئة العامة القادم يمكن أو يجب أن ينعكس على هذه المسألة”. أما في ما يخص العلاقة مع هيئة التفاوض “فلا يوجد اشكال، والمطلوب معالجة القصور التي تعاني منه، وسبب هذا القصور خارجي دولي واقليمي، أكثر منه داخلياً”.
تبادل مواقع
لكن حتى في ما يتعلق بهيئة التفاوض، فإن العديد من الأعضاء يطالبون رئيس الهيئة بدر جاموس بالاستقالة من الهيئة السياسية للائتلاف، من مبدأ عدم جواز الجمع بين منصبين.
وحسب المعلومات التي حصلت عليها “المدن” فإن جاموس لا ينوي الاستقالة من الهيئة السياسية في حال تم اعتماد التمديد، أما إذا تقرر إجراء انتخابات فإنه سيرشح أحد المقربين منه ليشغل مقعده هذا.
لذلك فإن وائل علوان، الباحث في مركز “جسور للدراسات”، يرى أن مؤسسات المعارضة الرسمية أفقدت الانتخابات التي تجريها القيمة، من خلال تكريس تبادل المواقع بين أعضائها والمسؤولين عنها.
ويقول في حديث لـ”المدن”: “بات هناك رأي عام واضح يعتبر أن مؤسسات المعارضة، وفي مقدمتها الائتلاف، أفرغت العملية الانتخابية من مضامينها، وأصبح الجميع يتوقع سلفاً نتائجها بحكم تبادل المناصب وتوزيعها المنظم والمعتاد بين الكتل والشخصيات النافذة في هذه المؤسسات”.
ويضيف: “لقد بات مجرد حديث هذه المؤسسات عن انتخابات أمراً مستفزاً للسوريين، وللأسف كان المفروض أن تقدم المعارضة على الأقل نموذجاً ديمقراطياً صحيحاً يعوض عجزها عن الفعل والتأثير في الحدث السوري، لكن عندما تتساوى القوى السورية، على اختلافاتها، من حيث عدم الشفافية وغياب الديمقراطية، فإن المعارضة تفقد بذلك ورقتها الأخيرة، وهي تمايزها بأنها ديمقراطية بدرجة يمكن محاججة المجتمع الدولي بأفضليتها وبأنه يمكن التعويل عليها”.
مع انتهاء مدة ولاية الهيئتين الرئاسية والسياسية في الائتلاف، فإن اعتماد نظام داخلي جديد خلال أعمال الدورة فتح باباً جديداً للجدل والتجاذبات يرى الكثيرون أنه لن يكون من السهل على هذه المؤسسة التي تعاني من مشاكل كبيرة، أن تتجاوزه بسهولة، خاصة في ظل استفحال الخلافات والتنافس بين العديد من مكوناتها.
المصدر: المدن