أحمد مظهر سعدو
يتهافت أهل اللجنة الدستورية جماعات ووحدانًا، إبان الدعوات التي تصلهم من(غير بيدرسون) لحضور جولة من جولات اللجنة الدستورية (الموقرة)، ويشاركون في الجولة إثر الجولة التي تجاوز عديدها الثماني دون إدراك منهم أن هذا الحضور قد يضر ولا ينفع قضية السوريين، حيث ما انفكت كونها القضية الأهم في المنطقة برمتها. ولعل استمرار هذا التواجد في جنيف من قبل منصات المعارضة السورية المختلفة الألوان إنما يشير إلى وعي مغلوط، وإدراك غير نافع لكل المسألة السورية، التي باتت ملعبًا للغادي والصادي، دون أي أمل يرجى في إحداث أي تقدم إيجابي نحو الحل السلمي، وإعادة اللاجئين السوريين المنتشرين قسريًا في كل بقاع الدنيا، إلى وطنهم الأم سورية، التي نالها مانالها من عسف وقتل وتدمير للبنية التحتية، وسط حالة معولمة من التخلي، وعدم الجدية الدولية في التعاطي مع هذه المسألة.
ولايبدو أن الاستمرار في حضور الجولات المتتابعة لهذه اللجنة الدستورية سوف يؤتي أُكله أبدًا وسط قراءات واقعية وعلمية لمجمل السياسة الروسية، وكذلك الإيرانية وسياسات النظام السوري التابعة لهما، إذ لا قناعة واضحة حتى الآن من قبل نظام الأسد أنه بالإمكان الولوج في أتون العملية السياسية التي تفضي إلى الحل، من هنا فقد كانت قراءة الحس الشعبي السوري توضح بين الفينة والأخرى أن لا أمل ولا إمكانية للتفاؤل في أن تصل هذه اللقاءات والاجتماعات الدورية في جنيف إلى مايمكن أن يعطي أي أمل في إنجاز المطلوب دستوريًا أو سواه.
لكن الدخول في سياق الحوار الذي أطلق عليه (حوار الطرشان) عبر هذه الاجتماعات، لا يتسم بأي جدية ولاعقلانية، ولا يُبنى عليه شيء، باعتبار اللجنة هي بالأساس جاءت من مقترحات (سوتشي الروسية) التي أرادت عبرها الإجهاز على مسارات جنيف التفاوضية، والوصول إلى ضياع البوصلة، والمسير خارج الطريق، ومن ثم الاشتغال الروسي على أسس أخرى تحبذ المضي بما يوازي خط أستانا، التي لم تنجز أي فعل إيجابي نحو القضيىة السورية، بل كانت ومازالت تعمل على إشغال السوريين بما هو ليس من شأنهم، ولا من أساسات وضرورات ثورتهم التي جاءت منذ البدء في أواسط آذار/مارس 2011 من أجل الحرية والكرامة المفتقدتين.
بينما يصر الروس والإيرانيون ونظام الأسد معهم على الإمساك بسياسىة القمع والقتل والتدمير، وكم الأفواه، باتجاه تمتين وجود دولة العصابة الأسدية التي لم تؤمن يومًا بالديمقراطية ولا بمسارات الحل السياسي أو أنها يمكن أن تمضي بمسارات أخرى غير مساراتها المتبعة، العسكرية والأمنية وسياسات قتل الناس بالكيماوي والبراميل.
وإذا كانت مسارات اللجنة الدستورية وفق المعطيات الواضحة، وبعد ثماني جولات لم تحدث أي خرق في الوصول إلى دستور عصري وحديث، يتوافق عليه السوريين، قد يؤدي إلى دولة الحرية وسيادة القانون، فإن كل هذا المسير خاطيء منذ البداية، ولا أمل فيه، ولا في كل من يشارك معه، فلو كان هناك من جدية أو فائدة لتوضحت منذ البدايات، أما أن تستمر لأكثر من ثماني جولات دستورية دون إحراز أي (بوصة) واحدة من التقدم، فهو حوار الطرشان بعينه.
وأعتقد أن الشعب السوري المنكوب والمهجر مازال يريد العودة إلى وطنه والخلاص من آلام اللجوء والنزوح، والعودة إلى وطن سوري حر، بلا آل الأسد وبدون الهيمنة الإيرانية أو الروسية.
ولو أن الأمل كان ممكنًا في أن توصل اللجنة الدستورية السوريين إلى مبتغاهم، لوجدت تأييدًا شعبيًا حقيقيًا في خطواتها، لكن استمرار الرفض الشعبي لمسيرتها، يستند إلى العبث اليومي من قبل النظام بمقدرات وأرواح السوريين، والاستمرار في اعتقال مئات آلاف من السوريين في أقبية الذل الأسدي، التي ارتضاها النظام السوري لشعبه المختلف معه في الرؤيا.
عندما تكون خطوات اللجنة الدستورية حقيقية وجدية وفاعلة، وتنبيء في عودة محتملة للناس السوريين إلى وطنهم، فإن الشعب السوري سيكون جاهزًا لتقبلها والدفع بها، لكن المآلات لايبدو أنها تشير إلى نهايات إيجابية على الاطلاق، بينما يستمر التجاهل الدولي لأحوال السوريين والانشغال بقضايا أخرى لا تؤدي إلى أي فعل إيجابي في طريق الانتقال السلمي في الوضع السوري، وسط تجاهل عالمي لكل القرارات الدولية ذات الصلة التي وضعت على الرف حيث مازال يعاني السوري كل المعاناة من ما أدت إليه حالات التخلي تلك.
المصدر: صحيفة إشراق