سمير صالحة
نعيش على أعصابنا منذ أواخر شهر أيار المنصرم. العملية العسكرية التركية الخامسة في الشمال السوري قد تبدأ في كل لحظة. لكن أنقرة لم تأخذ ما تريده من روسيا وإيران في قمة طهران. العكس هو الصحيح نحن رأينا المزيد من العناد والتصلب في مواقف البلدين. التحقت واشنطن وتل أبيب وبرلين وغيرها من العواصم في رفض العملية التركية ضد مجموعات قسد فكيف ستتصرف القيادات التركية بعد الآن؟
اتفاقيات وعقود استراتيجية بين روسيا وإيران تقول إن التنسيق والتعاون في ذروته بالمقابل هناك وساطة إيرانية بين تركيا ودمشق ووساطة روسية بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام ودعوات من أقطاب أستانا لانسحاب أميركي يعرقل فرص الحل والتسويات في سوريا. فمن الذي يحفر للآخر وأين سيقع ما هو غير متوقع؟ هل الهدف هو إعادة إحياء آلية أستانا أم إعلان وفاتها والبحث عن صناعة مشهد سياسي جديد في سوريا بعدما عدنا إلى مسرحية التنافس على الاحتماء بالإعلام لقلب المعادلات والتوازنات على الأرض؟
تمنح الأجواء والمتغيرات الإقليمية قمة طهران أهمية إضافية. لكن التقارب الإيراني الروسي الصيني في المنطقة ونتائج قمة جدة الموسعة هو الذي يقلق واشنطن وليس القمة الثلاثية التركية الروسية الإيرانية في طهران.
فشلت واشنطن في التقريب بين الأتراك وقسد في سوريا ورفضت قيادات كردية سورية العرض الأميركي الذي نقله السيناتور غراهام بالانسحاب وتسليم بعض المناطق للقوات التركية. فهل تنجح موسكو وطهران في التقريب بين أنقرة والنظام في دمشق وهل يكفي أن نقول إن قدوم وزير خارجية النظام على عجل إلى العاصمة الإيرانية وقبل مغادرة الوفود يحمل معه رسائل تحول في المواقف والسياسات وإننا أمام الجديد في لعبة النقلات السياسية والعسكرية فوق الأراضي السورية؟
هناك من أصر على وصف قمة طهران الثلاثية الأخيرة بالتاريخية رغم أننا لم نشاهد بعد هذه الإنجازات الكبيرة التي يتحدث عنها البعض ورغم أن الأطراف المشاركة نفسها لم تعلن أنها أنجزت اختراقات سياسية وأمنية حقيقية في التعامل مع ملف الأزمة السورية.
بيان قمة طهران الختامي كرر نفسه وجاء مشابها لبيانات سابقة تعودنا عليها في أستانا وسوتشي وغيرها من المؤتمرات الإقليمية والدولية حول سوريا في طهران، كان هناك قمة ثلاثية على طريقة “الفيس فوود”. اجتماعات قصيرة ومختزلة وأكل جاهز يسهل مغادرة كل طرف الطاولة بأسرع ما يكون، وبيان ختامي مركب صاغت كل دولة مقاطع معينة فيه وتم تركيبه وترتيبه بما يرضي الأطراف المشاركة.
قمة طهران جاءت على عجل بالنسبة لإيران تحديدا التي كانت تريدها عملية رد سريع على جولة بايدن الشرق أوسطية واللقاءات العديدة التي أجراها على هامش قمة جدة التي شعرت القيادة الإيرانية أنها تؤسس لمعادلات إقليمية جديدة ستكون هي المتضرر الأول فيها.
عندما شعرت الدول الثلاث أنها تسير نحو انسداد في المواقف وابتعاد عن المتوقع والمأمول، التقت حول انتقاد أميركا وإسرائيل في سياستهما السورية وممارساتهما على الأرض للخروج من الورطة الإنجازات كانت ثنائية أكثر مما أن تكون ثلاثية تخرج آلية أستانا من أزمة الجمود والتراجع لصالح آلية سوتشي التركية الروسية وهي نقطة الفشل الأولى بالنسبة لإيران التي كانت تسعى لاسترداد موقعها أمام الطاولة الثلاثية في سوريا فوجدت نفسها ملزمة بالتنسيق مع روسيا والجلوس تحت مظلتها في مواجهة السياسة التركية. الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية ومطالبة أميركا بمغادرة شرق الفرات كانت القواسم المشتركة التي قربت الدول الثلاث، رغم أن أسباب اللقاء وأهدافه وجدول أعماله كان ينبغي أن يكون مختلفا تماما. منظومة دول الأستانا لم يعد لها أي تأثير في ملف الأزمة السورية وما أعلنه الرئيس التركي حول البحث عن سبل جديدة لتفعيل دورها يعني بشكل آخر وضع باقة الزهور فوق هذا الضريح الذي كان يحتضر منذ أشهر ووافته المنية في الطريق الى طهران .
قصد أردوغان طهران بهدف إقناع بوتين ورئيسي بما يقوله ويريده في شمالي سوريا وفوائد ذلك على الجميع. لكنه وجد تفاهما روسيا إيرانيا بانتظاره يحاول إقناعه بالتراجع عن تمسك تركيا بعمليتها العسكرية الخامسة في شمال شرقي سوريا مقابل تعهدات بإسقاط ورقة قسد من يد واشنطن عبر توفير الحماية لها تحت علم النظام أولا ثم تسهيل استرداد الأخير لمناطق نفوذ المجموعات الكردية بالتنسيق مع بعض القبائل والعشائر العربية ثانيا وحسم موضوع التباعد بين الأطراف في ملفات الوضع القائم في إدلب ومشروع المنطقة الآمنة ومسألة عودة مئات الآلاف من اللاجئين إلى أرضهم وملف إدخال المساعدات الغربية التي ستوضع كلها في سلة تسوية واحدة يحركها هدف إقناع تركيا بقبول العودة إلى بنود اتفاقية أضنة عام 1997 بدلا من التمسك باتفاقيات تشرين الأول 2019 التي وصلت إلى طريق مسدود مع روسيا وأميركا على السواء. ردة فعل دمشق وواشنطن في المرحلة المقبلة ستساعدنا على معرفة وجود سيناريو من هذا النوع لكن مؤشرات حديث أردوغان عن تنسيق محتمل بين أنقرة وطهران في مجالات التصنيع العسكري رغم تعارض ذلك مع التحالفات التي بنتها أنقرة غربيا وانفتاحها الأخير على العديد من العواصم العربية وإسرائيل يكاد يوحي أن احتمال بروز تفاهم من هذا النوع كبير جدا وأن واشنطن هي التي ستكون المتضرر الأول والأكبر فيه. طبعا هذا ما قد يحدث في المرحلة القصيرة المقبلة حيث إن أبرز نتائج قمة طهران لم يكن رفض الوجود الأميركي اللاشرعي في سوريا والمطالبة برحيله. بل تحميل واشنطن مسؤولية فتح الطريق أمام حالة انفصالية لا بد من التصدي لها من خلال سحب ورقة حليفها المحلي من يدها ودفعها الى خارج لعبة التوازنات هناك. لكن على المدى الطويل على الأطراف الثلاثة أن يتحسبوا لردة الفعل الأميركية الإسرائيلية أيضا التي لن تقبل أن تخرج إيران تحديدا أقوى مما هي عليه اليوم في المشهد السوري.
ذهب الرئيس التركي إلى طهران لإقناع القيادات الروسية والإيرانية بضرورة العملية لكنهما كانا من يحذر من خطورة ارتدادات عمل من هذا النوع على وحدة سوريا وتماسكها. فهل حصلت أنقرة على ما تريده في ممر الحبوب الأوكرانية وأعطت موسكو ما تريده هناك مقابل تفاهمات جديدة في المشهد السوري؟
ما إن انتهت اجتماعات طهران حتى وقعت حادثة دهوك. التوقيت لا يمكن فصله عن حصيلة قمة العاصمة الإيرانية. هل شعرت القيادة الإيرانية أن هناك ترتيبا تركيا روسيا ما على حسابها في سوريا فقررت الرد في العراق؟ تقديرات موقف تركيا عديدة تدعو للبحث عن أصابع إيران حيال ما جرى في زاخو. فطهران لن تقبل بحصول مساومات تركية روسية استراتيجية البعد على حساب مصالحها ونفوذها في ملف تعتبره في صلب سياساتها وتموضعها الإقليمي.
هناك من يريد الاقتراب منك ليس لمواساتك بل ليتأكد أنك تتألم!
المصدر: موقع تلفزيون سوريا