تتحرّك الميليشيات الإيرانية في سوريا بحذر شديد، وذلك بعد تعرض مواقعها لغارات جوية من الطائرات الأميركية والإسرائيلية، وهي تناور بعيداً عما يسربه الإعلام من توجهات السياسة السورية التي تحاول ألا تنزلق الأوضاع نحو تصعيد غير محسوب سياسياً ولا عسكرياً.
وكانت صحيفة “النيويورك تايمز” الأميركية، قد كشفت، في تقرير نُشر قبل أيام، أن الرئيس السوري بشار الأسد طلب من الميليشيات الإيرانية عدم التصعيد ضد إسرائيل وتجنب استهدافها من مناطق سيطرته، رغم تصاعد ضرباتها ضد ميليشياته.
وشهد الأسبوع الماضي مناوشات أميركية – إيرانية غير مسبوقة من حيث الاتساع والشدّة، بدأت في 15 آب (أغسطس) الفائت عندما استهدفت طائرات مسيّرة، يعتقد أنها تابعة لميليشيات إيرانية، قاعدة التنف الأميركية الواقعة على المثلث الحدودي بين سوريا والأردن والعراق. وانتظرت الولايات المتحدة أكثر من أسبوع قبل أن تقرر الردّ على هذا الهجوم حيث قامت طائراتها بقصف 9 مواقع عسكرية تابعة للميليشيات الإيرانية في محافظة دير الزور.
ودخل الطرفان بعدها بيومين في سلسلة من المواجهات والهجمات المضادة، حيث عاودت الميليشيات الإيرانية استهداف قاعدتي حقل العمر وكونيكو اللتين تسيطر عليهما قوات أميركية، لتقوم الطائرات الأميركية بقصف مواقع أخرى تشغلها الميليشيات الإيرانية في حويجة صكر والميادين. وقد أسفرت الهجمات المتبادلة عن إصابة 3 جنود أميركيين بجروح طفيفة بينما قتل أكثر من 9 عناصر من الميليشيات الإيرانية.
ودخلت تل أبيب على خط الاشتباك الإيراني – الأميركي عبر استغلالها لحظة التصعيد ونفذت غارة جوية استهدفت مواقع يُعتقد أن الميليشيات الإيرانية تستخدمها لتطوير برنامج صواريخ دقيقة في مدينة مصياف، وقد أسفرت الغارة الإسرائيلية عن خسائر مادية كبيرة إلى جانب وقوع بعض القتلى في صفوف الإيرانيين وعدد من الجنود السوريين إضافة إلى إصابات مدنية متفاوتة.
وفي ظل هذا التصعيد المزدوج، سارعت الميليشيات الإيرانية إلى اتخاذ إجراءات معتادة للتصدي للغارات الأميركية والإسرائيلية، فأعلنت حالة الاستنفار والتأهب في صفوف المجموعات التابعة لها، وعمدت إلى وضع خطة عاجلة لنقل بعض مستودعات الأسلحة لتجنيبها غارات الطيران الحربي، كما حاولت القيام بإعادة انتشار سريعة لبعض قواتها التي تخشى من أن يطاولها القصف.
ولكن طهران، التي فاجأها على ما يبدو مشهد التصعيد، وحاولت التملص من تبعاته عبر الإعلان عن عدم تبعية المواقع التي استهدفتها الطائرات الأميركية لها، لم تكتف بالإجراءات السابقة، بل وجدت نفسها مضطرة للتعامل مع الحدث بما يستحقه من دراسة وقراءة متأنيتين.
وكشفت مصادر إعلامية سورية معارضة عن سلسلة من الاجتماعات عقدها مسؤولو الميليشيات في سوريا مع قادة الفصائل والميليشيات التابعة لإيران وعرضت نتائج الغارات الأميركية ضد المواقع الإيرانية، في الوقت الذي كشف فيه تقرير آخر عن وصول قيادي كبير في “الحرس الثوري” الإيراني من طهران إلى دمشق لمواكبة التطورات الحاصلة على جبهة التصعيد الأميركي – الإيراني.
وفي هذا السياق، عقدت ميليشيا “الحرس الثوري” الإيراني اجتماعاً، يوم الأحد الماضي، في مقرها الرئيسي بمدينة دير الزور ترأسه القائد العالم للميليشيا في المحافظة.
وذكرت شبكة “عين الفرات” أنَّ قادة الميليشيا عقدوا اجتماعاً في مقر “نصر” بمدينة دير الزور، برئاسة المدعو “الحاج مهدي” القائد العام لـ”الحرس الثوري”.
وأضافت المصادر أنَّ المدعو “الحاج رحيمي” من قيادات “الحرس الثوري” في دمشق حضر الاجتماع الذي عقد للاطلاع على نتائج الضربات الأميركية الأخيرة التي طاولت مواقع الميليشيات الإيرانية في مناطق مختلفة من دير الزور.
وأكدت المصادر أنَّ قادة الميليشيات اتفقوا على اتخاذ تدابير أمنية أكثر حيطة وحذراً للحفاظ على سلامة مواقعهم وعناصرهم من ضربات التحالف، إضافة إلى تعزيز كل النقاط التابعة للميليشيات الإيرانية في دير الزور والرقة.
وكانت الميليشيات الإيرانية أخلت، خلال الأيام القليلة الماضية، مقر “نصر” وعدداً من مواقعها أيضاً في حويجة صكر وبلدتي حطلة والحسينية وغيرها من المواقع بعد سلسلة من الغارات الجوية والقصف المدفعي الذي تعرضت له مراكز هذه الميليشيات نهاية الأسبوع الفائت.
وفي السياق نفسه، وصل وفد تابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني إلى العاصمة السورية، عبر مطار دمشق الدولي، بـ”مهمة سرّية”، بحسب ما كشف موقع “صوت العاصمة” المعارض.
وقالت المصادر إن الوفد الإيراني مؤلف من خمسة قياديين في صفوف “الحرس الثوري”، وصلوا إلى مطار دمشق على متن طائرة تابعة لشركة “ماهان أير” الإيرانية مساء الخميس 25 آب (أغسطس) 2022.
وأضافت المصادر أن الطائرة التي وصل الوفد على متنها، نادراً ما تحط في المطارات السورية، مؤكّدة أن الرحلة المذكورة هي الأولى من نوعها منذ استئناف العمل في مطار دمشق.
وانتقل الوفد الإيراني فور وصوله من مطار دمشق إلى منطقة “السيدة زينب” جنوب العاصمة دمشق، لعقد اجتماع مع قياديي الميليشيات الشيعية في المنطقة.
وأوضحت المصادر أن الاجتماع الأول عُقد في حضور مجموعة من قياديي “الحرس الثوري” وميليشيات “حزب الله” اللبناني المتمركزين في منطقة السيدة زينب.
وقالت إن الوفد انتقل بعد انتهاء الاجتماع المذكور، إلى الجنوب السوري لعقد اجتماعات مشابهة مع قياديي الميليشيات في المنطقة، لبحث آلية الرد على الغارات الإسرائيلية في سوريا.
وجاءت الاجتماعات قبل ساعات قليلة على القصف الإسرائيلي الذي استهدف مواقع إيرانية في مدينة “مصياف”، عقب التصعيد العسكري بين الميليشيات الإيرانية وقوات التحالف الدولي شمال شرقي سوريا.
وبحسب المصادر، فإن قياديي “الحرس الثوري” الإيراني غادروا سوريا مساء الثامن والعشرين من آب (أغسطس) 2022، على متن الطائرة التي وصلوا إلى سوريا على متنها.
المصدر: النهار العربي