لا يفوّت صقور الولايات المتحدة المعادون لإيران فرصة لمفاقمة الأمور، وهو ما حدث عندما قتلت الإيرانية الشابة “مهسا أميني” على يد “شرطة الآداب” في طهران، وتسبب ذلك في احتجاجات واسعة.
حيث حذرت “نيكي هالي” سفيرة الرئيس “ترامب” السابقة في الأمم المتحدة من أن إبرام اتفاقية مع “أي نظام يعامل شعبه بهذه الطريقة”، فيما دعا “مايك بومبيو” وزير خارجية “ترامب” إلى مزيد من العقوبات على إيران.
وفي سياق مماثل، اقترح “بريت ستيفنز” كاتب العمود في صحيفة “نيويورك تايمز” أن تذهب إدار “بايدن” أبعد من ذلك، من خلال الانسحاب من محادثات إحياء الاتفاق النووي.
أما المنطق الذي استند إليه فهو أن “نظامًا يتعامل بشدة مع النساء لا يستحق أي تخفيف للعقوبات”، كما سعت مجلة “الإيكونوميست” بالمثل إلى تثبيط “بايدن” عن الانخراط مع طهران وإلا فإنه يخاطر بمنح نظام الملالي شريان حياة.
ولا يمكن إنكار التكاليف السياسية للمحادثات مع طهران، خاصة خلال حملات القمع الوحشية مع اقتراب انتخابات الكونجرس النصفية في الولايات المتحدة.
ومع ذلك، يجب على “بايدن” تجاهل أصوات الصقور ومتابعة الاتفاق النووي، لأن الامتناع عن ذلك سيفيد القوى التي تشارك الآن في القمع داخل إيران والمغامرات في الخارج.
ووفقا لسردية الصقور المعادين لإيران، فإن الاتفاقية وتخفيف العقوبات المصاحب لها سيعتبر مكافئة للجمهورية الإسلامية على سياساتها، لكن هذه السردية تغفل بشدة حقيقة أن التخفيف لن يتحقق إلا في مقابل تراجع إيران عن برنامجها النووي في ظل آليات التحقق الدولية.
والصفقة الوحيدة التي سيتغاضى عنها الصقور، هي أن تقبل إيران قيودًا شديدة ودائمة على برنامجها النووي، بينما تظل تحت العقوبات الأمريكية إلى أجل غير مسمى.
لقد أتيحت لهم الفرصة لاختبار نهجهم المتشدد خلال حملة “أقصى ضغط” التي انتهجها “ترامب”، لكن إيران صعدت إجراءاتها وسرعت برنامجها النووي، وحينها اتضح أن سرديتهم مجرد خيال.
وتعد فكرة الانسحاب من محادثات إحياء الاتفاق النووي أمرا خطيرا لن يخدم إلا المتشددين في طهران.
لقد تعرضت إدارة “حسن روحاني” المعتدلة التي سعت لعلاقات أفضل مع الغرب للتشويه بسبب سياسات “ترامب” العدوانية، أما المتشددون الذين يهيمنون الآن على المشهد السياسي بأكمله في إيران، فقد كانوا دائمًا متشككين في الاتفاقية النووية.
تقوية المتشددين في إيران
يرى فصيل مؤثر في معسكر المتشددين الإيرانيين أن الاتفاقية النووية غير مفيدة في أحسن الأحوال فيما تقوض مصالح إيران في أسوأ الأحوال.
ووفقًا لهذا الرأي، فقد تجاوزت إيران بالفعل عاصفة العقوبات الأمريكية، وبالتالي فإن ما تحتاجه إيران الآن ليس رفع العقوبات، بل تحصين إيران من خلال البحث عن علاقات أوثق مع روسيا والصين.
ومن الجدير بالذكر في هذا السياق، أن إيران حصلت مؤخرا على العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي للتعاون.
وبغض النظر عن الاتفاقية النووية، يبدو أن طهران امتلكت بالفعل ما يكفي من المعرفة لإنتاج قنبلة نووية، ما يعني أن الأمر أصبح يتعلق فقط بقرار سياسي.
وبما أن انتقال السلطة في طهران أصبح يلوح في الأفق بالنظر إلى سوء صحة المرشد الأعلى “علي خامنئي”، فقد يتم إزاحة الموانع المتبقية أمام السلاح النووي، مثل موقف المرشد المناهض للأسلحة النووية.
ويجب تقييم هذا التحول المحتمل على خلفية سياسات إيران العدائية بشكل متزايد، مثل الضربات ضد الجماعات الكردية في العراق بزعم أنها تغذي الاحتجاجات في إيران؛ وتسليم الطائرات المسيرة إلى روسيا لاستخدامها في عدوانها ضد أوكرانيا؛ والهجمات الإلكترونية واسعة النطاق ضد أهداف في أوروبا ومؤامرات الاغتيال المزعومة في الدول الغربية، بالإضافة إلى الممارسة المستمرة المتمثلة في إبقاء المواطنين الغربيين-الإيرانيين كرهائن بحكم الأمر الواقع.
وبالرغم أن هذه المسائل لا تغطيها الاتفاقية النووية، إلا أن غياب اتفاق مع الغرب ساعد في إزالة المكابح عن أنشطة العناصر الأكثر تهورًا داخل النظام الإيراني.
علاوة على ذلك، إذا تم إنهاء الاتفاقية النووية رسميًا، فلن يمنع أي شيء طهران من الحصول على السلاح النووي إذا قررت ذلك.
سيكون الغرب أمام خيارات محدودة في هذا السيناريو، فالحرب ضد إيران المسلحة نوويًا لن تكون مطروحة، مما يجعل الخيار المتاح هو مضاعفة العقوبات والعزلة.
ولن يكره المتشددون في النظام مثل هذا التطور لأنه سيعزز سيطرتهم على الشعب ليحولوا إيران أخيرًا إلى كوريا الشمالية.
أما بالنسبة للاحتجاجات على الظروف الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة، فقد أظهر النظام تصميما على استخدام العنف لإخمادها. وسيوفر امتلاك قنبلة وتوثيق التحالف مع روسيا تأمينًا نهائيًا للنظام.
ولا يعني ذلك أن مثل هذا السيناريو سينجح بالضرورة؛ فمن خلال تطهير النظام من عناصره المنفتحة، واستبدالهم بأشخاص موالين يحظون بالثقة أيديولوجيًا، يخاطر المتشددون بتكرار الأخطاء التي ارتكبها نظاؤرهم الروس: تصديق البروباجاندا الخاصة بهم بشكل يحفزهم على ارتكاب خطوات حمقاء وفقا لتقديرات هشة.
إلا أن الغرب لا يمكن أن يبني استراتيجيته على مثل هذا التوقع، ويجب أن يتجنب مخاطر تسلح إيران نوويًا من خلال الإصرار على الدبلوماسية طالما كانت هناك فرصة.
وحتى داخل الإدارة الإيرانية المتشددة، لا يزال هناك براجماتيون يرون فوائد في استعادة الاتفاقية النووية ومخاطر من وضع كل البيض في السلة الروسية.
الصقور واستغلال الاحتجاجات
اقتربت انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة، لذلك من الممكن استئناف المفاوضات بشكل جدي بعدها، وفي الوقت نفسه ما زالت المفاوضات على قيد الحياة.
فوسط كل الفوضى في طهران، اجتمع رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية “محمد إسلامي” مع رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية “رافائيل جروسي” في فيينا لمواصلة الحوار حول مسألة الضمانات، وهي عقبة رئيسية في الجهود المبذولة لإحياء الاتفاقية النووية.
وبصرف النظر عن إبعاد إيران عن القنبلة النووية، فإن هناك فوائد أخرى من إحياء الاتفاقية يتجاهلها الصقور عن عمد؛ فرفع العقوبات من شأنه أن يشجع القوى المعتدلة على إعادة الانخراط مع الغرب، كما أنه سيمكّن المجتمع المدني المحاصر في إيران، بما في ذلك المتظاهرين الذين يزعم الصقور أنهم يدعمونهم.
إن الإشادة بشجاعة النساء الإيرانيات مع حرمانهن من وسائل وأدوات التنظيم دفاعًا عن حقوقهن لا يعدو كونه نفاقًا.
لذلك يجب على “بايدن” وحلفائه الأوروبيين أن يتجاهلوا استخدام الصقور للاحتجاجات في إيران للضغط من أجل الخروج من المحادثات النووية، وبدلاً من ذلك، عليهم بذل قصارى جهدهم للسعي لأجل تحقيق اتفاقية.
ويمكن التحكم في أي جوانب سلبية من مثل هذا المسار اليوم مقارنة بالخيارات غير المستساغة التي سيجلبها الفشل في التوصل إلى اتفاقية غدًا.
المصدر | إيلدار ماميدوف/ ريسبونسبل ستيتكرافت – ترجمة وتحرير الخليج الجديد