محمد فنصة
انضمت “حركة المقاومة الإسلامية” (حماس)، بعد زيارة وفدها إلى دمشق، في 19 من تشرين الأول الحالي، لقائمة المطبّعين مع النظام السوري، عقب قطيعة امتدت لنحو عقد من الزمن، ما يطرح التساؤلات حول الدوافع والمسببات لهذا التصالح.
وصف رئيس وفد “حماس” المشارك بالزيارة، وعضو المكتب السياسي للحركة، خليل الحيّة، اللقاء مع رئيس النظام السوري، في اليوم نفسه، بـ”الدافئ والتاريخي”، وأنه يمثّل “انطلاقة جديدة للعمل الفلسطيني- السوري المشترك، وإضافة جديدة لمحور المقاومة”.
واتفق الطرفان، وفق الحيّة، على “طي صفحة الماضي”، وأوضح أن “حماس” عادت بعد “أخطاء فردية” من بعض أفرادها لم تقرّها قيادتها، وهي على “قناعة بصوابية هذا المسار لتجاوز الماضي إلى المستقبل”.
ما دوافع “حماس”
عقب الإعلان الأول للحركة عن قرارها باستعادة علاقاتها مع النظام السوري، في 21 من حزيران الماضي، عبر وكالة “رويترز“، التي نقلت عن مصدر من داخل الحركة لم تسمِّه، توالت انتقادات عديدة من مؤسسات وأفراد سوريين وفلسطينيين وغيرهم، تستنكر هذه الخطوة، التي “لا مبرر لها”، على حدّ وصف العديد منهم.
ولم تخلُ أيضًا الزيارة الأخيرة من الانتقادات، التي وصلت أصداؤها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، عبر تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، في 20 من تشرين الأول الحالي، بأن هذه الخطوة “تضر بمصالح الشعب الفلسطيني”، و”تقوّض الجهود العالمية لمكافحة الإرهاب في المنطقة وخارجها”.
وأضاف، “ستواصل الخارجية الأمريكية رفض أي دعم لإعادة تأهيل نظام الأسد، ولا سيما من المنظمات المصنفة إرهابية مثل (حماس)”.
وحول دوافع هذه الخطوة، قال الباحث والمحلل السياسي الفلسطيني الدكتور ماجد عزام، لعنب بلدي، إن “الابتزاز” والضغط الإيراني لاستمرار الدعم للحركة اشترط عليها عودة علاقاتها مع النظام السوري.
واعتبر عزام أن “حماس” فاوضت إيران “بشكل سيئ”، من أجل المضي بهذه الخطوة، حيث كانت تستطيع الإصرار على روايتها وموقفها الخلافي مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أو ربط إعادة العلاقات مع تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، فإيران و”حزب الله”، المفاوض الآخر من الجانب الإيراني، بحاجة إلى “حماس” كمحور “مقاومة فعلي”، أكثر من حاجة الحركة إليهما.
لكن الحركة، بحسب وصف عزام، “هرولت وركضت” نحو المصالحة، حيث “بيّضت صفحة النظام وإيران وممارساتهما الإجرامية في سوريا والعراق ولبنان واليمن”، ودفعت فيها “ثمنًا بخسًا” مقابل مصالحها.
من جانبه، أوضح الباحث الفلسطيني- السوري أيمن أبو هاشم، لعنب بلدي، أن “حماس” تريد من هذه العلاقة مع النظام، تأمين “ساحة” لوجودها وتحركها على صعيد القيادات والعناصر.
ويرى أبو هاشم أن التحولات التي طرأت على الساحة السورية بعد اندلاع الثورة، تفيد بأن النظام السوري لا يمكن أن يدعم أي فصيل فلسطيني، بل يعمل على احتواء الفصائل الفلسطينية للمتاجرة بها لخدمة شعاراته.
واتفق أبو هاشم مع عزام في أن قرار الحركة بعودة العلاقات جاء استرضاء لحليفها الإيراني، لمواصلة دعمه المادي واللوجستي للحركة.
الحيّة قال في المؤتمر الصحفي بعد اللقاء بالأسد، إن سبب عودة “حماس” إلى دمشق في هذا التوقيت، بعد عشر سنوات من القطيعة، أن القضية الفلسطينية حاليًا بحاجة إلى داعم “عربي أصيل، وسط تغلغل اتفاقيات التطبيع في المنطقة”.
وتبحث “حماس” عبر إعادة علاقاتها مع النظام عن “ملاذ آمن”، بحسب تقرير لمجلة “ذي إيكونومست” البريطانية، في 13 من تشرين الأول الحالي، إذ أصبحت “معزولة” داخل قطاع تحت حصار تفرضه إسرائيل ومصر، لذلك كان من الضروري أن يكون لها مقر في الخارج.
وفي الوقت الراهن، قلة من الدول العربية مستعدة لاستضافة الحركة الإسلامية، إذ تعتبر “حماس” محظورة في الغرب كمنظمة إرهابية، بسبب جذورها الأيديولوجية ضمن جماعة “الإخوان المسلمين”، ودعم الأخيرة ثورات “الربيع العربي”، جعلها “منبوذة” في أعين معظم حكومات الخليج وشمال إفريقيا، وفق المجلة.
ولإرضاء الحكومة المصرية، وافقت “حماس” على التخلي عن ولائها للجماعة، ومنذ مغادرة مكتبها في دمشق، تحرك قادة الحركة بشكل رئيس بين تركيا وقطر، لكن تركيا تعمل على إصلاح الخلافات مع إسرائيل، وقطر بشكل مماثل مع جيرانها الخليجيين المناهضين للإسلاميين، لذا قد تكون دمشق “الملاذ الأكثر أمانًا”، بحسب المجلة.
انقسامات داخلية
تبع قرار “حماس” بتطبيع علاقاتها مع النظام السوري ظهور بعض الأصوات الداخلية أو المقربة من الحركة والمناهضة لتلك الخطوة، ما أشار إلى انقسامات داخلية تنافي مظهر البيانات الرسمية الصادرة التي تعلن عن عودة علاقات الحركة والنظام بشكل جماعي.
وأشار رئيس وفد الحركة خلال تصريحاته في دمشق، إلى وجود تأييد و”ارتياح عام” بين قيادة حركة “حماس” وكوادرها لإعادة العلاقات مع سوريا، دون تأكيد وجود توافق على هذه الخطوة.
المحلل الفلسطيني ماجد أبو عزام، أكد وجود هذه “الخلافات” داخل “حماس”، فمنذ بداية الحديث عن إعادة العلاقات في عام 2019، صرح القيادي نايف الرجوب، أن “النظام السوري الحالي لم يعد له أي وزن أو قيمة، ومن الخطأ التعويل عليه أو التقرب منه”، مضيفًا، “الملف السوري استُهلك تمامًا، وأصبح رهانًا خاسرًا”.
وأضاف عزام أنه حديثًا “تبرأ” أحد قياديي “حماس” الشيخ عيسى النتشه مما فعلته القيادة السياسية في الحركة، وأشار إلى تقسيم الإعلام الإيراني والسوري المحلي “حماس” إلى قسمين، “إخواني”، و”مقاوم”، في محاولة لـ”تهميش” القسم المعارض للتقارب.
بدوره، أفاد الباحث أيمن أبو هاشم بأن قرار إعادة العلاقات مع النظام لم يكن متفقًا عليه داخل الحركة، وإنما القيادة السياسية داخل غزة من دفعت باتجاهه، في حين أن تيار “خالد مشعل” (رئيس الحركة في الخارج) رافض للخطوة، مشيرًا إلى احتمال حدوث انقسامات داخلية نتيجة للتقارب، بسبب رفض أغلبية كوادر الحركة من فلسطينيي سوريا له.
ونقل موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، في تقريره الصادر في أيلول الماضي، عن مصدر “مطلع داخل (حماس)”، أن قرار إعادة العلاقات مع سوريا وافق عليه جميع أعضاء المكتب السياسي العام باستثناء عضو واحد، لم يسمِّه.
بينما أوضحت مجلة “ذي إيكونومست“، أن اثنين من قياديي الحركة، يحيى السنوار، الذي انتُخب لقيادة قطاع غزة، وإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة، يؤيدان التقارب مع دمشق، لكن زعيمها السياسي السابق، خالد مشعل، الذي يحاول إعادة بناء العلاقات مع الدول العربية “السنية”، يعارضه.
وفي 16 من أيلول الماضي، انتقد أحد أعضاء الجيل المؤسس لحركة “حماس”، نواف التكروري، عبر حسابه في “تلجرام” أي تحرك نحو النظام السوري، الذي وصفه بأنه “يواصل ممارسة كافة أشكال الإجرام والقتل ضد الشعبين السوري والفلسطيني”.
تبعية إيرانية
جاءت خطوة إعادة العلاقات بين “حماس” والنظام السوري ثمرة لجهود وساطة قادتها إيران و”حزب الله”، وهو ما يشير إلى مدى التأثير الإيراني على الحركة، بسبب الدعم المادي واللوجستي، على الرغم من احتضان بعض الدول كقطر وتركيا للحركة، وهما اللتان تعارضان النظام رسميًا.
وترى “حماس” بأن الدعم التركي غير مضمون أو مستمر، وأن قرارها قابل للتبديل بعد الانتخابات التركية الرئاسية المقبلة، وبالنسبة لقطر فقد تتأثر بـ”الإملاءات” الأمريكية والإسرائيلية، وهي قابلة للتحول وفك ارتباطها بالحركة، لذا توجهت للخيار “الخاطئ” دمشق كبديل، وفق ما قاله أيمن أبو هاشم.
من جهته، أوضح الكاتب ماجد عزام، أنه لا يوجد أي دعم مالي بشكل مباشر للحركة من أي دولة عربية أو إسلامية، وأن الدعم هو “مؤسساتي ذو طابع خيري للشعب الفلسطيني”، من دول أو أفراد، في حين يكون الدعم الإيراني “لتبييض صفحتها ولبسط هيمنتها”.
وردًا على أحد الصحفيين حول معارضة إحدى الدول ذات العلاقات مع “حماس” إعادة علاقاتها مع النظام، أجاب الحيّة أن جميع الدول، ومن ضمنها تركيا وقطر، رحبت وشجعت على هذه الخطوة.
في حين تراجع الحيّة، في 20 من تشرين الأول الحالي، عبر بيان عن موافقة وتشجيع قطر على قرار الحركة إعادة علاقاتها مع دمشق.
وتأتي الزيارة في وقت برزت مؤخرًا مؤشرات على تقارب محتمل بين النظام السوري وتركيا، إثر تصريحات لمسؤولين أتراك دعت إلى “مصالحة” بين النظام والمعارضة التي تعد أنقرة أبرز داعميها، في تحول بارز بموقفها المعارض منذ بداية النزاع.
كما شهدت السنوات الماضية استئنافًا للعلاقات بين سوريا ودول عربية أخرى، على رأسها الإمارات العربية المتحدة بعد قطيعة على خلفية النزاع.
وقال الباحث في مركز “سنتشوري انترناشونال” آرون لوند، لوكالة “فرانس برس“، “يبدو أن عودة التواصل بين نظام الأسد ودول عربية أخرى سهّلت المصالحة بين دمشق و(حماس)”، مشيرًا إلى أن التغيرات الأخيرة في الموقف التركي أيضًا من دمشق “كانت مفيدة لـ(حماس)”.
ما مستقبل العلاقات
بالنسبة لشكل تمثيل الحركة مستقبلًا، أوضح الحيّة، “سنكمل مستقبلًا ترتيباتنا مع الإخوة السوريين حول موضوع البقاء في دمشق”.
ونشرت صحيفة “الوطن” المحلية المقربة من النظام، في 10 من تشرين الأول الحالي، أن العلاقات في المرحلة الحالية تتعلق بعودة “حماس” كفصيل “مقاوم” فقط، وضمن وفد يمثّل كل الفصائل الفلسطينية، من دون أن يكون لها أي تمثيل فردي في سوريا.
ويرى الباحث ماجد عزام، أن فكرة إقامة مكتب للحركة في دمشق “مطروحة”، وربما تكون العلاقة معها حاليًا مقتصرة على المستوى الأمني، وأكد أن الحركة لن تستفيد من المكتب في دمشق، في ظل الاختراق الأمني وفقدان السيادة، مشيرًا إلى العلاقات الأمنية بين إسرائيل وروسيا، النافذة في جميع دوائر النظام.
ولن يتعامل النظام مع الحركة كما تعامل معها سابقًا، إذ لم تعد لديه ثقة بها، وسيخضعها لمراقبة أمنية شديدة في حال فتح لها مكتب في دمشق، وفق المحلل أبو هاشم.
وتداولت وسائل التواصل الاجتماعي تعميمًا لـ”مديرية العمليات الأرضية” التابعة لـ”مؤسسة الطيران السورية” على المديرين ووكلاء الخطوط الجوية، في تموز الماضي، بمنع دخول الفلسطينيين إلى سوريا دون موافقة “الفرع 235″ المعروف بـ”فرع فلسطين” بالعاصمة دمشق، ويُستثنى من هذا القرار الفلسطينيون حملة الوثيقة السورية.
وقال مصدر بارز في “حماس” لموقع “ميدل إيست آي”، إن إيران و”حزب الله” بذلا جهودًا مضنية لاستعادة العلاقات بين الحركة والنظام على مدى الأشهر والسنوات الماضية.
وأضاف أن النظام لديه نقطتان رئيستان قبل أن يعيد العلاقات مع “حماس”، أولاهما تقديم اعتذار عن موقفها بعد بدء الثورة في سوريا، والثانية عدم السماح لبعض الشخصيات بدخول البلاد مرة أخرى، أبرزها القيادي خالد مشعل.
وأوضح المصدر أن “حماس” رفضت بشكل قاطع الاعتذار، وتم الاتفاق على إصدار بيان يؤكد “دعم القيادة السورية”، وهو ما عبّر عنه البيان الذي سبق الزيارة.
كما لا تتوقع “حماس” عودة قيادتها إلى الإقامة في سوريا بسبب الوضع الأمني الصعب نتيجة القصف الإسرائيلي وعدم الاستقرار في مناطق مختلفة من الأراضي السورية بين النظام والقوى الأخرى، وأن إعادة العلاقات سياسيًا ولوجستيًا من أجل تعزيز التحالفات في المنطقة”، وفق الموقع.
وكانت “حماس”، التي تدير قطاع غزة المحاصر، تُعد من أوثق الحلفاء الفلسطينيين للأسد، وجعلت من دمشق مقرًا لها في الخارج طوال سنوات، قبل أن تنتقد قمع النظام للاحتجاجات التي عمّت سوريا بدءًا من منتصف آذار 2011.
المصدر: عنب بلدي