طارق علي
يتكدس عشرات آلاف الطلاب في ظروف مأساوية، وأقل ما يمكن قوله عنها إنّها غير إنسانية بالمطلق، في المدن الجامعية التابعة للجامعات الحكومية الرئيسية في محافظات سورية عدة.
يقول طلاب في المدن الجامعية الى “النهار العربي” إن معاناتهم تزداد كل عام بسبب الازدحام والزيادة المتنامية في أعداد المقيمين في الغرفة الواحدة، الغرفة التي قد يصل شاغلوها الى ما بين ستة وعشرة أفراد وهي بالكاد تتسع لشخصين، تضاف الى ذلك صعوبات جمّة في تأمين الخبز، وفوق ذلك غياب وسائل التدفئة والمياه الساخنة للاستحمام في الشتاء، وانتشار المحسوبيات أثناء التسجيل في المدينة، وهذا بحد ذاته ملف كبير لا تمكن الاستهانة به.
وتعتبر المدينة الجامعية ملاذاً للطلبة الوافدين من المحافظات البعيدة، بخاصة في ظل تردي الأوضاع المعيشية وارتفاع إيجارات المنازل التي يعجزون عن دفعها، ما يجعل سبيلهم الوحيد للتمكن من تلقي العلم هو الظفر بشرف الحصول على سرير في غرفة تقاس مساحتها بالأمتار القليلة، وتقاس أيضاً بكمية الأنفاس التي يتقاسمها عدد كبير من قاطنيها، عدد لا يتناسب ومساحتها بأي شكل.
ورغم كل ذلك ومع بداية كل عام دراسي يتوافد آلاف الطلبة من المحافظات والأرياف والمناطق البعيدة من المدن للتسجيل للحصول على سرير في غرف السكن الجامعي رغم كل تلك الشروط السيئة.
تقول ميساء ن. إحدى الطالبات القاطنات في المدينة الجامعية الى “النهار العربي”: “أعتقد أنّ ظروف بعض المخيمات أحياناً أفضل من ظروف السكن الجامعي، صحيح أنّ رسم التسجيل هو مبلغ قليل، ولكن نحن طلبة علم، كيف يمكن أن ننجز ونحن نقضي نهارنا نفكر كيف سنصلح صنبور المياه المعطل منذ شهر؟ بل وكيف سنستحم في برد قارس؟ وخشيتنا من قرارات المنع التي تطاول استخدام المدافئ الصغيرة في الغرف، كيف سنتدفأ أساساً؟”.
ويقول زميلها نصوح م. الذي يقطن في وحدة مجاورة لها: “هذا هو الحال بالضبط، هذا عامي الثاني في السكن وأنا القادم من حمص، في الشتاء الماضي كدنا نتجمد من البرد، ومن سوء الصيانة، وفوقها سوء الواقع الكهربائي، حقيقةً هذه ليست بيئة للدراسة، فكيف لك أن تدرس وجسدك متجمد؟”.
الرفاهية الغائبة
“تقطع الكهرباء بين 16 إلى 20 ساعة يومياً، حين تتعطل المولدات”، يقول الطالب مراد س.، ويضيف: “لا يكون هناك بالمجمل مياه ساخنة للاستحمام، ولأنّ الاستحمام شرط صحي وطبيعي لا يمكن الاستغناء عنه، فيلجأ معظم طلبة السكن الجامعي لتسخين القليل من المياه للاستحمام عبر (سخانات) كهربائية محمولة وبالطبع هي مخالفة وممنوعة في السكن ونقوم بإخفائها بعد استخدامها، خشية أي تفتيش مفاجئ، وبالطبع نستغلها في ساعة الوصل الكهربائي”.
مراد طالب دراسات عليا، أي أنّه يقطن كما هو مفترض بسكن أكثر رفاهية من طلبة التحصيل الجامعي العادي، “تمرّ أيام لا وقت فيها للدراسة، فينشغل معظمنا في تأمين احتياجاته من الخارج، علاوة على أنّ قسماً كبيراً من طلبة الدراسات العليا يعملون في أعمال مختلفة خارج السكن لتأمين مصاريفهم، وكل ذلك يؤثر بشكل كبير، وكان ذلك واضحاً في الأعوام الماضية، في نسب التحصيل والنجاح العلمي”.
الحلول الموقتة
وجد أحمد وهو طالب في كلية الهندسة طريقة أكثر فاعلية لتأمين استحمامه الدوري، فهو يقصد منزلاً استأجره ثلاثة من أصدقائه في حي المزة 86 العشوائي، يقول: “يقطن أصدقائي في منزل مستأجر في حي الـ86، استأجروه بـ500 ألف ليرة سورية شهرياً (نحو 100 دولار) وهذا رقم باهظ وكبير على كل الطلبة، ولكن تضافرهم سهل الأمر عليهم، المهم أنني قصدتهم مراراً بغرض الاستحمام، ولكنني بت أشعر بالخجل منهم، رغم أنهم يتفهمون تماماً طبيعة وضعي ووضع السكن الجامعي بشكل عام”.
الخدمات السيئة
يعاني كلّ طلبة السكن الجامعي، في دمشق وخارجها، على حد سواء، من منظومة خدمات متردية للغاية، فلا المياه الساخنة متوافرة معظم الشتاء، ولا الحمامات نظيفة، وعقود الإصلاح والصيانة لا تنفذ، فتخرج الأساسيات الخدمية عن الخدمة، وكما يقول أحد الطلبة: “حين تدخل غرف السكن الجامعي، تكون قد دخلت الى شيء أقرب الى سجن منه الى مدينة جامعية”.
هذا الطرح يتماشى مع ما قاله الطالب نذير هـ.: “نحن ثمانية أشخاص في غرفة واحدة، هل يعقل هذا؟ نحن نتقاسم الهواء في حيز غير صالح لتنفس أكثر من شخصين أو ثلاثة، بعضنا ينام على الأسرة الطابقية، والبقية يفترشون الأرض، ولك أن تتخيل كيف أنّه من المستحيل أن تشعر للحظة واحدة بالخصوصية، أو أن تتمكن من الدراسة، فذاك نائم ويصدر أصواتاً، وآخر يريد سماع الموسيقى، وثالث يسهر طوال الليل، ورابع مصاب بالزكام، وووو”.
الطالبة عواطف ش. تقول إنّ أكثر ما يزعجها هو الظروف الصحية السيئة والنظافة شبه المعدومة، “النظافة داخل السكن الجامعي سيئة للغاية، القمامة والأوساخ في كل مكان، الصنابير معطلة، المطابخ سيئة ومستهلكة ومقرفة، والكهرباء حدث ولا حرج”.
طلبة آخرون تحدثوا عن انتشار الرُشى والمحسوبيات في الحصول على سكن جامعي، فبعض الطلاب دفعوا أموالاً معينة لقاء ذلك، وبعض الطالبات تعرضن لابتزاز وتحرش يطول الشرح عنه، ولعلّه يختصر في ما قالته إحدى الطالبات لنا: “لم يجبرنا على المرّ… سوى الأمرّ منه”.
الحل في تكديس الطلبة
“النهار العربي” استمع إلى شريحة عشوائية من الطلبة القاطنين في المدن الجامعية، في أكثر من محافظة، وجرى ترميز أسماء كل الطلبة الذين تحدثنا معهم، لضرورات تتعلق باستمرارية سكنهم الجامعي، ولكون المشكلة هي ذاتها لدى الجميع، وما ينطبق على سكن ينطبق على البقية، كان واضحاً عدم ضرورة التفصيل في ذكر كل مدينة على حدة، والسيئ في الأمر هو أنّ فعلاً ما ينطبق على سكن ينطبق على آخر، كيف يمكن ذلك؟، ولربما يمكن تبرير هذا بأنّ عقلية الفساد المهيمن هي السبب، والتي بدورها يبدو أنها تسبب العدوى، وكأن مسؤولي التعليم، وسواهم، في هذه البلاد، يغارون من بعضهم بعضاً، فيتنافسون على من يقدم الخدمة الأسوأ للناس، فما الرابط المشترك الذي يجعل معظم الصنابير في سكن دمشق، وحلب، وحمص، واللاذقية، معطلة؟.
كل ذلك بعد الأخذ في الاعتبار أنّ بعض المدن الجامعية يقطنها أكثر من عشرين ألف طالب، وبدل التوسع الأفقي في البناء، ارتأى القائمون على الملف ضرورة التوسع العمودي، وكان ذلك بتكديس الطلبة فوق بعضهم بعضاً.
المصدر: النهار العربي