محمد عمر كرداس
جاءت الرسالات السماوية للبشرية تستهدف الإنسان كونه المستخلف في الأرض من أجل بنائها على أسس وقواعد أخلاقية تضبط العلاقات بين البشر من ناحية وبينهم وبين خالقهم الذي استخلفهم على الأرض لبنيانها وإعمارها على قواعد أخلاقية محددة لذلك قال نبينا الكريم جئت لأتمم مكارم الأخلاق منوهًا بذلك لمن قبله من الرسل والرسالات وواضعًا الأسس التي يجب أن يكون عليها بنيان الأرض من حيث الإنسان والعمران والعلاقات الناظمة بين البشر، وجاءت معظم الرسالات في منطقتنا لأنها كانت قلب العالم وصاحبة حضارة وإمكانات لتنشر تلك المبادئ بين شعوب العالم قاطبة، وهكذا كان فقد امتدت الحضارة الإسلامية إلى أكثر شعوب الأرض وعرفتها بمبادئ الإسلام وما يدعو له من تسامح ومحبة وصلة الرحم ونبذ التفرقة والاختلاف والتناحر ليعم السلام وليعيش الإنسان المستهدف بهذه الرسالة بسعادة وأمان.
انتشر الإسلام في كثير من المناطق عن طريق التجار المسلمون في أفريقيا والهند والصين التي لم تصلها أي جيوش مسلمة كان هذا الانتشار بسبب سماحة هؤلاء التجار ونشرهم تعاليم الدين الحنيف التي تحض على كل المبادئ الحميدة التي تكلمنا عنها، كان الإسلام حسب نزوله يتكون من أقسام ثلاثة: العقائد والعبادات والمعاملات..والعقائد تتمثل بقبول الفرد مايتطلب منه ليكون مسلمًا من حيث القبول بأركان العقيدة الخمس والعبادات جاءت لتطبيق ما آمن به هذا الفرد وهي الشهادة والصلاة والزكاة والصيام وحج البيت من استطاع إليه سبيلًا وكل ذلك كان علاقة بين العبد وربه أي أنها قضية فردية بين الشخص والخالق، وما يهم المجتمع هي أن تتجسد هذه العقائد والعبادات بمعاملات تكون صورة صادقة عما يؤمن به الفرد من تسامح ومحبة وصدق تطالبه به هذه الشريعة الإلاهية فهي تخاطب الفرد اللبنة الأساسية في بناء الأسرة والمجتمع وقد قال الله تعالى (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) وأول ماتمثلة هذه الآية الكريمة أن من يؤمن بهذا الدين عليه إلتزامات ليس مكرهًا عليها ولكنه يصبح ملزمًا بها عندما يؤمن ويسلم بتعاليمها.
لم تسر الأمور بهذا الاتجاه دائمًا فقد أراد البعض تحويل هذا الدين الحنيف إلى أيديولوجيا للتحكم بالآخرين وسلبهم حريتهم وتغيير مصائرهم والتلاعب بحياتهم وجرهم إلى طرق ملتوية تتعارض مع جوهر الدين وتخرب حياته وحياة المجتمع كاملاً. وتدمير البنيان الذي حض عليه دين التسامح الإسلامي، وهذا ماشهدناه ونشهده في حركات شوهت الإسلام وشوهت سمعة المسلمين بالعالم وأصبحوا في نظر الكثيرين يمثلون التخلف والإرهاب، وقد سيطرت هذه الحركات على عقول الكثير من الشباب المسلم وكما يقول بعض المفكرين إذا أردت أن تزرع أفكارك في عقول البشر فغلفها بغلاف ديني، وهكذا عملت بعض الدول أيضًا التي ادعت أنها تمثل الإسلام وتحكم باسمه واخترعت تسميات ما أنزل الله بها من سلطان كولاية الفقيه وآية الله وروح الله وغيرها من التسميات التي لم تكن إلا مناهج للسيطرة على العقول وتجبرها على السمع والطاعة ليس للدين الحنيف ولكن لمن نصبوا أنفسهم وكلاء للإله يحكمون باسمه والدين منهم براء. وهكذا حلت هذه التسميات محل قوانين الطوارئ والحكم العسكري في البلاد الدكتاتورية، فهي دكتاتورية تلبس لبوس الدين والدين منها براء، فأين هي أخلاق الإسلام من قتل الأبرياء في الشوارع وسجن الآلاف والتعذيب الوحشي في سجون هؤلاء الطغاة باسم الدين، وقد شهدنا التعذيب والحرق وقطع الأعناق لأقل الأخطاء التي قال الله تعالى في كتابه الكريم( من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا).
عندما نزلت رسالة الإسلام لاذ بها الضعفاء والأرقاء والمستضعفين لأنهم وجدوها تنقلهم من وضع مأساوي إلى وضع إنساني يحفظ لهم كرامتهم وفيه من الرحمة والمساواة والعدل لتتجسد فيه الإنسانية بكل معانيها وهي التي وجدت الخليقة من أجلها وأجل بنيان هذه الأرض ولابد من أن يعود الإسلام سيرته الأولى ليكون طريقًا للباحثين عن العدل والمساواة والأخلاق الحميدة. وليتراجع هذا الذي يحدث الآن من تشويه وانحراف عن جوهر الدين فأن تكون عبدًا لله فقط، هو الحرية والانعتاق والخير والسلام.
المصدر: إشراق